تعليق صحفي
أمريكا المجرمة إذ ترتدي ثياب الواعظين في مصر!!
BBCالعربية - انتقدت الولايات المتحدة القرارات القضائية الأولية بإعدام الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وعدد من معاونيه ومؤيديه.وقالت الخارجية الأمريكية إنّ المحاكمات والأحكام الجماعية في مصر "غير عادلة". واعتبرتها "وسيلة تستخدم ضد المعارضين أو النشطاء الذين لا يمارسون العنف."
وقال جيف راثكي، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية في مؤتمر صحفي الاثنين، إنّ بلاده "قلقة للغاية بسبب حكم إعدام جماعي آخر من جانب محكمة مصرية بحق أكثر من مائة متهم بما فيهم الرئيس السابق (محمد) مرسي."وعبر راثكي عن اعتقاد واشنطن بأن هذه الأحكام "تقوض الثقة في حكم القانون" في مصر.
لا يشك أي متابع للأحداث في مصر الكنانة بدور أمريكا القيادي والتخطيطي لما يجري على أرض الواقع، فالسيسي وقادة الجيش قد قاموا بالانقلاب على حكم مرسي بعدما قررت أمريكا الاستغناء عن مرسي الذي عجز عن تحقيق الاستقرار ومصالح أمريكا بالكامل في مصر. ومنذ اليوم الأول للانقلاب ولغاية اليوم والسيسي وأركان حكمه يرتبون الأوراق ويديرون الأمور داخليا وخارجيا على نحو تظن أمريكا أنه يخدم مصالحها الاستعمارية في المنطقة.
ولقد عبر السيسي أكثر من مرة عن مدى العلاقة الوثيقة بين مصر وأمريكا، وهو القائل: "لا يمكن حصر العلاقات مع واشنطن في مجرد تسليم أسلحة أمريكية لمصر، فنحن متحمسون لإقامة علاقات استراتيجية مع واشنطن، ولن ندير لهم ظهورنا حتى لو هم فعلوا ذلك". [الأهرام: الأحد 22/3/2015م]، وأفعال السيسي هي أصدق إنباء وتعبيرا عن حالة الوئام بين السيسي والإدارة الأمريكية، حيث يأخذ السيسي بالبلد نحو العلمانية ومحاربة الإسلام إلى درجة مطالبته بإعادة النظر في النصوص والأفكار الدينية، والمطالبة بثورة دينية، وهو ذات التوجه الذي تدعو أمريكا العالم الإسلامي له لتضمن بقاء هيمنتها واستعمارها للعالم الإسلامي.
والتفاني الكبير من السيسي في حماية أمن كيان يهود أمر ملموس محسوس، فقد دمر السيسي بلدا كاملا وشرد أهلها من أجل عيون الغاصب المحتل، ولاحق المجاهدين في سيناء وهدم البيوت وقتل الأطفال والنساء من أجل ذلك، ودمر الأنفاق وضيق الخناق على غزة حرصا على أمن ورضا يهود، وهو الدور الذي أوكلته أمريكا لمصر ورعته منذ اتفاقية كامب ديفيد.
إذن نحن أمام واقع ينطق بمدى خدمة السيسي لأغراض وأهداف أمريكا داخل مصر وخارجها، وينطق بمدى تواطؤ أمريكا وسكوتها عن جرائم السيسي المتواصلة بحق أهل مصر، قتلا وسجنا وتجويعا وتشريدا، وهو ما يعكس ويثبت حالة العمالة التي يمارسها النظام المصري لأمريكا. إذن لماذا تخرج أمريكا لتنتقد أحكام الإعدام بحق خصوم السيسي وخصومها في مصر؟!
الجواب، بكل تأكيد ليس انتصارا من أمريكا للحق أو العدل، فهي أبعد من يكون عن ذلك، فهي راعية الإرهاب وصانعته، وهي حاضنة الدكتاتوريين والحكام المجرمين، وهي من يقف خلف الحكام المجرمين الساعين للحيلولة دون الأمة ونهضتها واستعادة عزتها.
وأيضا من غير المعقول أن تكون أمريكا متعاطفة مع مرسي ومؤيديه، فهي من رعت الانقلاب وسفك دماء المعارضين بوحشية فريدة، في ميدان رابعة وفصول الانقلاب. وهي من أرادت الإطاحة بمرسي ونفذت ذلك بأيدي السيسي.
فلم يبق إلا أنّ أمريكا تريد أن تظهر بمظهر المناصر للحق والعدل مخادعة للعالم وللمؤسسات الحقوقية ولشعبها، كمثل الثعلب إذ يرتدي ثياب الواعظين، لتحافظ أمريكا بذلك على شيء من صورتها بعد أن اهترأت وبان عوارها أمام العالم من سوء صنيعها. وهي بذلك تريد أيضا إعطاء دفعة للسيسي والتخفيف من حدة الانتقادات لممارساته إذ اعتبرت تلك الخطوات مجرد "غير عادلة" و"تقوض الثقة في حكم القانون"، رغم أنّها أقل ما يُقال فيها أنها إجرام مقنن، ووحشية فريدة. ولعل أمريكا تريد بذلك أن تبقي الباب مواربا لاستعمال جديد في المستقبل لمرسي وجماعته وفق شروط وظروف جديدة قد تفرض نفسها على الساحة في المستقبل، فهذه براغماتية الغرب التي يقدسها.