تعليق صحفي
كيري واتفاق الإطار الأمريكي في فلسطين: أمل أم فشل؟
تناقلت وسائل الإعلام (31-1-2014) خبرا مفاده أن "أميركا تأمل التوصل إلى اتفاق إطار في الشرق الأوسط"، وبينت أن الإطار سيشمل اعترافا بيهودية "إسرائيل" وإقامة منطقة أمنية عازلة عند الحدود بين الأردن والضفة الغربية (غور الأردن)، بما يتضمن إقامة جدار ووضع أجهزة استشعار وستستخدم طائرات من دون طيار وذلك بتمويل وإشراف أمريكي. وسيمكن الإطار ما يقرب من 80% المستوطنين من البقاء في مستوطناتهم، كجزء من تبادل الأراضي بين "إسرائيل" والفلسطينيين، وسيتطرق لقضية اللاجئين الفلسطينيين -على أساس التعويض- مربوطة مع تعويضات لليهود الذي غادروا منازلهم في الدول العربية.
وذكرت الصحف أن الاتفاق سيبقى "غامضاً فيما يتعلق بوضع القدس في المستقبل"، ومن ثم ستسعى أمريكا بعد ذلك للتفاوض للتوصل إلى اتفاق سلام نهائي بحلول نهاية عام 2014، مما سيسمح لها بتمديد المحادثات حول التفاصيل إلى ما بعد المهلة الأصلية التي تنقضي في 29 نيسان القادم.
إن تقديم الخبر على أنه "أمل" لأميركا، لا ينفى واقع الفشل والمأزق الأمريكي، ولذلك أبقت أمريكا الإطار غامضا في تفاصيل أخرى (القدس)، بل تحاول أن تروج أن القدس تعني بلدة أبوديس، وهذا التضليل (حول معنى القدس!) يتناغم مع علو لهجة قادة المنظمة وساسة الأنظمة العربية في إلصاق كلمة "الشرقية" للقدس كلما ذكرت كعاصمة للدولة الفلسطينية.
وهذا الغموض متطلب لتمرير الاتفاق على أهل فلسطين، إضافة إلى حاجة أمريكا في تمديد المفاوضات وتجنب انهيارها في ظل انهماكها في الملف الأكثر سخونة في ثورة الشام، وهي تعمل على منع انقلاب المشهد فيها عن دولة إسلامية تقلب الطاولة على رأس أمريكا ومن لف لفيفها، وتمثل التحدي الحقيقي الذي يزيل دولة اليهود للأبد.
ولذلك فإن الخبر يذكر بوضوح أن أمريكا تتطلع إلى إطالة عمر المفاوضات (التي جددها كيري وأوشكت على الانتهاء) مع إصرار اليهود على عدم التنازل عن أي معنى من معاني السيادة ويهودية دولتهم، أو عن أي مطلب من مطالب الأمن، ورفضهم عودة اللاجئين، بل إن الخطة تربط مبدأ التعويض (المالي) بتعويض اليهود الذي قدموا من الدول العربية، مما يفرغ العبء المالي (للتعويض)، ويحمله للدول العربية.
وعلى ما يبدو فإن الإطار يلبي المطالب الأمنية اليهودية على الصورة التي يصرّ عليها اليهود، كيف لا وأمريكا تعتبر "أمن إسرائيل هو من أمن أمريكا"، كما عبر أوباما من قبل، ولذلك ستنخرط أمريكا في الترتيبات الأمنية ضمن المنطقة العازلة الأمنية عند الحدود مع الأردن.
إضافة لذلك فإن الاتفاق سيبقى على جلّ المستوطنين ضمن مستوطناتهم، ومن ثم سيرسخ دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية في حماية أمنهم ويجعل مهمتها دائمة في مواجهة كل من يخطر بباله التصدي لعربدة المستوطنين وجرائمهم.
إن الناظر لما تكشف من تفاصيل هذه الخطة الأمريكية يجد أنها تضيف سجلا عريضا من الخيانات المتجددة للقيادة الفلسطينية المتمثلة في محمود عباس، الذي سبق أن اعترف في كتابه طريق أوسلو أنه مارس الاتصالات السرية مع اليهود حتى عندما كانت المنظمة تجرم تلك الاتصالات.
وعباس اليوم يتكتم على التفاصيل ضمن الدائرة المغلقة المحيطة به، بينما يتخبط من حوله في تصريحاتهم وتحليلاتهم حتى وصل الحال بمحلل فلسطيني لوصف المشهد باللهجة الفلسطينية الدارجة بأنه "خبصة وقايمة"، للتعبير عن حالة الفوضى والانتظار التي تعيشها "النخبة الفلسطينيّة" مع اقتراب مهمّة كيري من لحظة الحقيقة. والحقيقة أن حالة التخبط هذه يمكن فهمها ببساطة لدى استحضار نهج عباس في التكتم على أعماله، كما تحدث في كتابه المذكور حول التكتم على التنسيق لمؤتمر مدريد عام 1991، حيث كان يجري الترتيبات السياسية بينما كانت الأضواء تسلط على وفد الضفة الغربية في حينه.
وأمام هذه الحقيقة، فإن الواجب على أهل فلسطين أن لا يسمحوا لقيادة المنظمة من ممارسة مزيد من التضليل على أهل فلسطين، وهم اليوم مدعوون لوقفة حق صادعة في وجه المتآمرين ممن يسيرون في ركاب أمريكا، والذين يريدون تمرير الخيانة تحت عنوان المشروع الوطني.
إن فلسطين لها رجالها من أبناء الأمة الأبرار الذين يعلمون أن اليهود لا يفهمون إلا لغة العسكر والمدافع، بينما يصر قادة المنظمة على لغة الانبطاح والتنازل في تحد صارخ لتاريخ الأمة وثقاتها وعزتها، مما سيجعلهم في تحد مع أهل فلسطين ومن ورائهم الأمة، ومما سيشعل الكفاح ويزلزل الأرض تحت أقدام رجالات المنظمة ومن يسترزق من خياناتها.
3-2-2014