بعد مرور أيام على كارثة سيول جدة والتي أودت بحياة 113 شخصاً فطن ملك "السعودية" أن يشكل لجنة تحقيق في التقصير الحاصل والذي أدى إلى هذه الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات، وبحسب وكالات إخبارية عدة منها الجزيرة نت فقد شكل ملك "السعودية" لجنة تحقيق برئاسة "أمير" منطقة مكة خالد الفيصل، وبأسلوب تقديم كبش فداء أمر العاهل السعودي بتقديم كل جهة متورطة إلى المحاكمة، ووصفت بعض وكالات الإعلام لهجة العاهل السعودي بغير المعهودة.
كارثة سيول جدة هي نموذج واضح على مدى سوء رعاية الحكام لشؤون رعاياهم في بلاد المسلمين، فهي تجسد الاستهتار الكبير بأرواح البشر وممتلكاتهم، وهي كذلك تجسد أسلوب الهروب من المسؤولية بتشكيل لجان تحقيق لتقديم كبش فداء أو حتى بدونه، وهذا أسلوب عمد إليه حكام دول الضرار مؤخراً من أجل تمييع القضايا والمواقف وتضييعها، وليس آخرها قرار عباس الذي ذهب أدراج الرياح بتشكيل لجنة لتحديد المسؤول عن فضيحة طلب تأجيل التصويت بمجلس حقوق الإنسان على تقرير جولدستون الذي أدان يهود بارتكاب مجازر بحق أهل غزة العزل (مع علمنا أن التقرير أدان الضحية قبل المجرم)، بالرغم من أن عباس هو المسئول الأول عن أي قرار يصدر عن سلطته، وكذا الحال يتكرر في الحجاز فرئيس لجنة التحقيق هو الشخص الأول المفترض استدعاؤه للتحقيق فهو "أمير" المنطقة وملك "السعودية" هو المسؤول من قبله عن كل تقصير يلمّ برعاياه، ولكن أنّى لحكام قد اتخذوا الحكم سلماً لتحقيق مآربهم الشخصية ورضوا لأنفسهم التبعية والذل وخدمة مخططات الاستعمار أن يتصفوا بأدنى صفات الحكام؟!
لقد ضرب خلفاء الأمة في زمن الخلافة على اختلاف عصورها أروع الأمثلة على مدى اهتمام الخلفاء برعاية شؤون رعاياهم، فلقد ضرب الفاروق عمر للحكام في زمانه وليومنا هذا مثالاً في تفاني الحاكم في خدمة رعاياه حتى قال مقولته المشهورة والتي باتت مقياساً ومعياراً لصلاح الأئمة والحكام "والله لو عثرت بغلة في سواد العراق لخشيت أن يسألني الله عنها لمَ لم تسوِ لها الطريق يا عمر"، وكذلك الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز الذي ما كان ينفك عن البكاء خشية التقصير فيما أوكل إليه من أمانة برغم أنه أنفق ماله الخاص خدمة للمسلمين كما أنه ما كان يقدم على استغلال أموال المسلمين ولو بزيت يضيء به سراجه لشؤونه الخاصة، فخلفاء الأمة يرون رعايتهم لشؤون الناس طاعة لأمر الله والتقصير فيه يقود إلى جهنم فهم قد وعوا قول الرسول الأكرم عليه السلام (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق علي، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به) وقوله (سبعة يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل،....).
أما حكام اليوم فلقد فرّطوا وضيعوا الأمانة وضيعوا رعاياهم، كيف لا وهم يجثمون على صدور الأمة بدعم ومساندة من قبل القوى الغربية الاستعمارية، كيف لا وهم الذين قدموا دماء الأمة وتضحياتها وثرواتها قرابين على أعتاب واشنطن ولندن وباريس، كيف لا وهم الذين يستهترون بأرواح المسلمين في حروب مقيتة لتقسيم بلدان المسلمين وإشعال نار الفتنة بينهم في صعدة والسودان والصومال وغيرها.
إن واجب الأمة أن تقلب الموازيين الباطلة وأن تثور على هؤلاء الطغاة القتلة الذين أوردوها موارد الهلاك، فلم يبق للأمة من عذر لتبقى صامتة على حكم هؤلاء فلقد أذاقوها أصناف العذاب وحرموها من أدنى أسباب الحياة علاوة على الحياة الكريمة، لقد بات العمل لاستعادة الخلافة الراشدة من جديد بحق أولى من الماء والهواء فبالخلافة تحيا الأمة وبالخلافة تُعز وتُنصر، فإلى العمل لعز الدنيا ونعيم الآخرة ندعوكم أيها المسلمون.