تعليق صحفي
نصف الثورة المصرية !
تحت وقع نتائج الجولة الأولى من الانتخابات المصرية وفي أجواء التحضير للجولة الثانية انتهت المحاكمة الهزيلة للرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وزبانيته، بقرار الحبس المؤبد له ولوزير داخليته، مع تبرئة بقية أركان نظامه.
إن الفاجعة الحقيقية في مصر لم تبدأ مع نطق هذا الحكم القضائي، فهذه المحاكمة لا يمكن أن تمثل أكثر من حالة من النصر النفسي وشفاء صدور قوم مؤمنين، ولكن النصر الحقيقي لا يتم إلا بخلع النظام من جذوره، واستعادة الأمة لكامل سلطانها المغصوب.
ولذلك فإن الفاجعة بدأت مع القرار الذي توافقت عليه القوى السياسية عندما قبلت بالتحول عن استكمال مسار الثورة وخلع النظام من جذوره إلى مسار اللعبة الديمقراطية الخادعة.
لقد كشفت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات أن النظام استطاع أن يستجمع قواه، وأن ينظّم صفوف فلوله من جديد، وذلك تحت عين وبصر المجلس العسكري الذي أصرّ على خيانة الثورة وخيانة الأمة، والذي ظل مرتميا في أحضان أمريكا يسير على خطى مبارك ومن سلفه. فكيف ترجو تلك القوى التحرر والتغيير في ظل قيادة تحمي الفلول وتنسق مستقبل البلاد مع أمريكا؟
لقد منحت القوى السياسية فرصة ذهبية للنظام المستبد عندما رضيت بنصف ثورة وانسحبت من ميادين الثورة مبكرا، وانشغلت في التنافس في الميادين الرسمية التي جرّها المجلس العسكري وأعوانه إليها، فكان مقتلها في ضعف الوعي على خبث النظام وعلى تآمر أمريكا، التي لم تنسحب من الوسط السياسي المصري.
ولذلك فإن المسؤولية الثورية تقتضي أن تتوقف القوى السياسية عن "لعبة الديمقراطية" الكاذبة وأن تعود فورا لميادين الثورة حتى تبيد النظام وفلوله وتسلمهم لمحاكم الأمة ولدستور الأمة لا لمحاكم النظام ودستوره.
إن في هذا المشهد الذي يَسخَر من جراح الأمة لعبرة لكل من يعتبر، بأن الحكام وفلولهم ومن خلفهم من قوى استعمارية ومؤسساتهم لن تسمح للأمة بالتحرر الحقيقي والانعتاق من الهيمنة الغربية، وستبقى تفتح المسارات الالتفافية حتى تجهض كل محاولة مخلصة إن استطاعت.
ولذلك فلا خلاص للأمة إلا أن تتحرر من كل أشكال التبعية وأن لا تقبل بأنصاف الحلول.
إن نصف الثورة هي فرصة للنظام ليقضي عليها، وإن نصف الحرية هي فسحة للنظام ليستجمع قواه لكبت جديد، وإن نصف التغيير هو ترقيع للنظام حتى يعيد تشكيل نفسه، وقبل كل ذلك فإن نصف الإسلام هو كفر بلا شك.
وقد آن لكل مخلص من أبناء هذه الأمة أن يدرك أن المشوار الثوري لن يكتمل إلا بعد إسقاط كافة الأنظمة وخلعها من جذورها وخلع المؤسسات التي ترعى شؤون حكامها مثل جامعة الدول العربية، فكيف يمكن أن تمر ثورة ناجحة عبر قنوات هذه الأنظمة وجامعتها ؟
وهذه الحقيقة يجب أن تكون ماثلة أمام أعين ثوار سوريا الذين ترقب الأمة نصرهم الذي يغير مجرى التاريخ، ويسقط حدود سايكس بيكو، ويسحب البساط من تحت أرجل المتآمرين.
04/06/2012