تحرص السلطة الفلسطينية على مواصلة عقد لقاءات ما يسمى بالحوار، وتسعى لوصف تلك اللقاءات بالناجحة على الرغم من كل التصريحات والوقائع التي تؤكد عدم التزام السلطتين بالبنود التي غلفت ذلك الاتفاق السياسي الذي حذر منه حزب التحرير- فلسطين وتوجهت وفوده آنذاك إلى الشخصيات البارزة في حركة حماس في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة برسالة نصيحة جاء فيها: ".... نكتب إليكم هذه النصيحة، ونحن نراكم تستعدون للذهاب إلى القاهرة للتوقيع على ما يسمى "المصالحة"، وبما أن ما أنتم مقبلون عليه ليس مجرد مصالحة، بل هو اتفاق سياسي، يتعلق بشكل مباشر بمستقبل قضية فلسطين، فإننا نجد لزاماً علينا إبراءً لذمتنا عند الله تعالى أن نخاطبكم، بهذه النصيحة، داعين الله تعالى أن يشرح صدوركم لما فيه الخير، وأن تتدبروها حق تدبرها، فإن الأمر جلل، والخطب عظيم. "النص الكامل.
وقد تلاحقت الأحداث لتبرهن على صدق ما ذهب إليه الحزب من أنّ ما يسمى "مصالحة " ليس مجرد مصالحة بل هو اتفاق سياسي، فقد دعا الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، المجتمع الدولي إلى دعم المصالحة الفلسطينية وحكومة الوحدة الوطنية المرتقبة، محذرا من أنّ عدم إتمام المصالحة يعنى جولة جديدة من العنف في الأراضي الفلسطينية ضد "إسرائيل"، وأضاف كارتر، إذا ما دعم المجتمع الدولي وأمريكا هذه الجهود، فإنهم يساعدون الديمقراطية الفلسطينية ويهيئون قاعدة لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة قادرة على صنع السلام مع "إسرائيل".
وتبع ذلك تصريح واضح لكبير السلطة، عباس، قال فيه" إنّ المصالحة الوطنية مصلحة فلسطينية عليا، تسهم في دفع عملية السلام إلى الإمام، من خلال توحيد الشعب الفلسطيني وتشكيل حكومة تكنوقراط تعيد إعمار قطاع غزة وتحضر للانتخابات القادمة".
فكانت كل تلك التصريحات والوقائع على الأرض تؤكد على أنّ تلك "المصالحة المزعومة " لم تكن إلا كما وصفها الحزب في رسالة النصيحة تلك بـ"اتفاق سياسي مع سلطة رام الله، يعتبر مقدمة وشرطاً أساسياً لمتابعة سير المنظمة في الحلول الاستسلامية التي تضيع الأرض المقدسة فلسطين. إن المصالحة معناها إزالة الشحناء والبغضاء وتصفية النفوس فيما بينكم، وأن تكفوا عن قتل وتعذيب بعضكم بعضاً، هذا هو معنى المصالحة، ولكنكم لا تقتصرون عليه، بل تتخذون المصالحة غطاءً لاتفاق سياسي خطير، وتسمون هذا الاتفاق السياسي الخطير "مصالحة"، فنحذركم الله ونخوفكم مغبة معصيته."
أما تلك الأغلفة والرتوش التي أريد منها ذر الرماد في العيون وإضفاء صبغة "المصالحة" على ذلك الاتفاق المشئوم فسرعان ما تكشف أنها مجرد أغلفة لا تغطي عورة ذلك الاتفاق:
فقد قمعت الأجهزة الأمنية اعتصاما سلميا نفذه أهالي المعتقلين السياسيين احتجاجا على استمرار اعتقال أبنائهم في مدينة نابلس وقامت بالاعتداء على عدد من الصحافيين والنواب المشاركين في الاعتصام ومصادرة كاميرات الصحافيين والاعتداء بالضرب على النائبة منى منصور وعلى المنسقة الإعلامية لمكتب النواب في المدينة، كل ذلك بعد الاتفاق !!
وقد أشار النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي د.حسن خريشة إلى أنّ أغلبية من الأهالي ينتظرون على سبيل المثال إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من حماس وفتح لكنهم على أرض الواقع لا يشاهدون شيئا عمليا في هذا الاتجاه.
أما الناطق باسم حركة حماس سامي أبو زهري فقد قال "واضح بكل آسف أنّ بعض النقاط لا زالت تلقى بظلال سلبية على تنفيذ الاتفاق خاصة الاشتراطات من حركة فتح المرتبطة باسم رئيس الحكومة (التوافق الوطني) وهو سلام فياض إلى جانب ارتفاع وتيرة الاعتقالات والاستدعاءات في الضفة الغربية بحق أعضاء وأنصار حماس من قبل أجهزة أمن الضفة".
إنّ إصرار السلطة على وصف تلك اللقاءات بالناجحة والحرص على عقدها يدل على مدى ورطة السلطة الفلسطينية وضعفها وانعدام أي شرعية لها أمام أهل فلسطين والعالم وغرقها في مستنقع التبعية والارتهان والعمالة للمشروع الأمريكي المتمثل في "حل الدولتين"، خاصة إذا ما لاحظنا أنّ هذه اللقاءات إنما تأتي قبل ذهاب عباس إلى مجلس الأمن في سبتمبر وبعد أن نصحه أردوغان وغيره بضرورة إتمام المصالحة قبل الذهاب إلى استحقاق سبتمبر.
فهذه اللقاءات إنما تأتي كطوق النجاة لسلطة فاقدة للشرعية باتت بعمالتها للإدارة الأمريكية وحراستها لأمن الكيان اليهودي منسلخة عن الأمة الإسلامية، واقفة في صف أعدائها.
إنّ فلسطين، الأرض المباركة، أكبر من أن تكون قضية فصائل، فلا منظمة التحرير ولا السلطة ولا حماس ولا كلهم مجتمعون يملكون حق التصرف بفلسطين، فهي قضية أمة وملك لكل مسلم على هذه الأرض إلى يوم القيامة. وإنّ أهلها باتوا يشتمون عبير رياح التحرير على وقع ثورات العالم الإسلامي وسعي الأمة لاستعادة سلطانها وإقامة الخلافة الراشدة التي ستقتلع كيان يهود من جذوره.