مصر ... تغييرٌ للوجوه لا تغيير حقيقي، واتفاق سياسي تحت مسمى المصالحة
التفاصيل
تعليق صحفي
مصر ... تغييرٌ للوجوه لا تغيير حقيقي، واتفاق سياسي تحت مسمى المصالحة
قبيل التوقيع على اتفاقية المصالحة الفلسطينية في القاهرة أجرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية حوارا مع وزير الخارجية المصري نبيل العربي تضمن أسئلة حول مواقف الحكومة المصرية، بالنسبة إلى المصالحة وحماس و"إسرائيل".
فردا على سؤال حول المصالحة وأنها ستحول دون تحقيق أي اتفاق مع "إسرائيل"، أجاب العربي بالنفي دون تردد، وتساءل من سيفاوض "إسرائيل" مؤكدا أنها منظمة التحرير الفلسطينية وليس حماس. وتابع قائلا إنّ الفلسطينيين قبلوا بأمور عدة منها حكومة تكنوقراط والتي قد يرأسها سلام فياض، ومن ثم ستجرى انتخابات وقد لا تفوز حماس.
المراسل سارع إلى تذكير العربي بأنّ مشكلة حماس أنها لا تقبل "إسرائيل"، فأجاب الوزير بأن في كل حكومات العالم تيارات يسارية، ويمينية، وماركسية وما إلى ذلك مشيرا إلى أن حركة حماس تقبل بالمفاوضات مع "إسرائيل".
أما عن العلاقات المستقبلية بين "إسرائيل" ومصر، وردا على سؤال حول ما يشاع عن رغبة غالبية المصريين بإلغاء معاهدة السلام مع "إسرائيل"، فأجاب الوزير المصري باختصار أنّ مصر سوف تلتزم بكافة الاتفاقيات والمعاهدات التي دخلتها بما في ذلك اتفاقية كامب ديفيد.
أما في موضوع بيع الغاز المصري "لإسرائيل"، فأجاب وزير الخارجية بأنه بناءً على الاتفاقية المبرمة بين الجانبين سيستمر توريد الغاز فهذه مسألة تجارية ولكن ربما يعاد النظر في سعر الغاز.
من الواضح مما جاء في المقابلة بأنّ ما حدث في القاهرة لم يكن مجرد مصالحة كما سُمي، ولكنه كان اتفاقا سياسيا تحت غطاء ومسمى المصالحة، وهو ما فاخر به العربي قائلا في ذات المقابلة: "حين قدمت وزيرة الخارجية الأمريكية إلى هنا أخبرتها أنني أرغب بأن تستأنف- ليس عملية السلام فأنا لا أحب تسميتها "عملية سلام" فهي عملية وليس سلاما. ما نريده هو التوصل إلى السلام... ونريد وحدة البيت الفلسطيني التي تصب في مصلحة الطرفين، وفي مصلحة إسرائيل.".
وأهم ما في هذا الاتفاق أنه جاء ليفوض منظمة التحرير بالتفاوض مع يهود، والذي لا يعني إلا التنازل والتفريط الذي اعتادت عليه المنظمة ولكن دون غطاء كاف في السابق، أما الآن فسيكون معها الغطاء الوطني و"الإسلامي" من خلال مشاركة حماس في الحكومة، وتفويضها للمنظمة ولعباس بالتفاوض.
وهو كذلك يكشف بأنّ ما قامت به مصر إنما جاء استجابة لأوامر وزيرة الخارجية الأمريكية التي أرادت استئناف عملية السلام.
ولم يخجل العربي من أن يقول بأنّ المصالحة تصب في مصلحة "إسرائيل"، وهو ما يثبت بأنّ ما حدث لم يكن إزالة للشحناء والبغضاء من النفوس كما رُوج له، بل كان خطوة على طريق الحلول الاستسلامية في التعامل مع كيان يهود المجرم. ولا أدل على ذلك من أنّ أبسط ما من شأنه أن يزيل جزءا من الاحتقان لم ينفذ لغاية الآن، وهو موضوع المعتقلين السياسيين، الذين قال عنهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، في مع أحمد منصور على قناة الجزيرة، بأنّه تم الاتفاق على الإفراج الفوري عنهم، ولكن هذا الأمر سنتحدث عنه في لقاءاتنا المقبلة. وكأنّ ملفهم أريد له أن يكون ثمنا لأشياء أخرى لا هدفاً يُسعى إلى تحقيقه.
أما النقطة الثانية الواضحة في تصريحات العربي حول علاقة مصر مع كيان يهود وخاصة موضوعي اتفاقية كامب ديفيد والغاز، فإنّها تدل وبوضوح تام على أنّ ما حدث في مصر لغاية الآن هو مجرد استبدال للوجوه الأمريكية الكالحة في مصر ليس أكثر. وهو عينه ما قاله الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات "الإسرائيلي" (الموساد) مائير داغان في محاضرة له في الجامعة العبرية بالقدس في مؤتمر القيادة والأمن للعام 2012، حيث قال: "إنّ ما حدث في مصر ليس ثورة وإنما استبدال زعيم بآخر".
ومائير وإن أصاب في وصفه للقادة المصريين القدامى والجدد ولكنه لم يدرك أنّ ما حدث في مصر على مستوى إرادة الشعوب وصحوة الأمة أمرٌ حقيقي وإن احتالوا عليه مؤقتا ببعض التغيرات، فالإنجاز الذي حققه أهل مصر في تجسيدهم لمعنى أنّهم أصحاب السلطان الحقيقي في البلاد والقادرون على التغيير، وكسرهم لحاجز الخوف، هذا الإنجاز لن يستطيع أي كان أن يسلبهم إياه، وهو في النهاية سيئول إلى تحقيق ما ترنو إليه أعين المسلمين وتهفو إليه قلوبهم، بإعادة سلطان الإسلام ودولته ولو بعد حين.