وقال وزير خارجية الأردن الأسبق مروان المعشر- الذي يشغل حاليا منصب نائب الرئيس للدراسات بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي- إن الآمال المعقودة على نجاح المفاوضات بصورتها الراهنة والتي بدأت الأسبوع المنصرم في واشنطن، تبدو ضئيلة كما أنها لن تُحدث اختراقا في نهاية الأمر.
واستبعد في مقال بصحيفة ذي فايننشال تايمز نشرته الاثنين أن تُفضي تلك المحادثات بين طرفي التفاوض الحاليين وحدهما إلى حل يقوم على إقامة دولتين.
ورأى أن "الوعد الأفضل" يكمن في تبني نهج جديد وشامل يغري أهم اللاعبين الإقليميين، بمن فيهم المملكة العربية السعودية وسوريا، بالمشاركة في المفاوضات.
ورأى المعشر إن المفاوضات المباشرة تعاني من نقاط ضعف ثلاث:
الأولى هي أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تولي أهمية لعملية التفاوض أكبر من جوهرها نفسه، ومن ثم فهي تغامر بالوقوع في فخ مفاوضات لا تنتهي.
والثانية هي أن اتفاق سلام ثنائيا لم يعد صفقة "مغرية" لأي من الجانبين، "فإسرائيل" ستجد من العسير عليها تقديم تنازلات مؤلمة تُعد ضرورية لإبرام سلام مع بعض الفلسطينيين فقط دون حركة حماس التي لا تشارك في المفاوضات، بينما السلطة الفلسطينية بحاجة إلى غطاء من العالم العربي الواسع لإقناع شعبها.
أما نقطة الضعف الثالثة وهي أسوأهم جميعا فتتمثل في أن حل الدولتين لن يكتب له النجاح بعد اليوم. فعلى الرغم من المساعي الجادة لإقامة دولة فلسطينية، فإن هذا الخيار قد تلاشى فعليا مع انتشار المستوطنين "الإسرائيليين" في كافة أرجاء الضفة الغربية.
******
لا تفتأ مراكز الأبحاث الغربية والأمريكية على وجه الخصوص تدرس قضية الشرق الأوسط وآليات حلها والمشاريع المعروضة وردود فعل الشعوب والأطراف "المتخاصمة" سابقا المتفاوضة حالياً لتزود القوى الدولية بمفاتيح الحل والمعلومات اللازمة لبناء السياسات.
كما أنها لا تألوا جهداً في تسخير الوزراء السابقين والسفراء المجربين والخبراء في إعطائها النصح والإرشاد.
وها هو معهد كارنيغي المتخصص بقضايا "السلام"، وعبر نائب رئيسه يؤرقه فشل المفاوضات وتنجلي له الحقيقة التي باتت ساطعة سطوع الشمس في رابعة النهار، فيرى أن المفاوضات التي تعقد جولتها الثانية اليوم فاشلة، وتؤدي إلى الفشل، كما يرى أن إدارة أوباما وضعفها وتركيزها على المفاوضات بعيداً عن جوهر القضايا هي أحد أسباب فشلها، ويرى كذلك أن سياسة الأمر الواقع التي تمارسها "إسرائيل" قد عطلت أو عرقلت مشروع الدولتين وبات الحديث عن هذا المشروع للاستهلاك الإعلامي.
إن ما لا يدركه أو يتجاهله معهد كارنيغي والقائمون على عملية التفاوض برمتها أن الصراع الدائر في فلسطين هو صراع حضارات وصراع عقائدي أختزل في أرض فلسطين المحتلة. فالصراع الدائر في فلسطين هو بين القوى الغربية برمتها وبين الأمة الإسلامية جمعاء، لا صراع بين "إسرائيليين" و فلسطينيين أو عرب، ومعركة هؤلاء أطرافها وهذه طبيعتها لن يكتب لها الحل التصالحي في أي وقت كان ومهما كان أطرافها المفاوضون إقليميين كانوا أو محليين، يشهد على ذلك واقع كلا الطرفين وعقائدهما وتاريخ العلاقة بينهما.
إن فلسطين قد ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بعقيدة الأمة بأسرها، فهي مسرى نبيها ومعراجه إلى السماء، وبترابها امتزج دم الصحابة الأبرار، لذا فلا إشراك القوى الإقليمية ولا الدولية، ولا اتفاق اللاعبين الدوليين الأمريكي والأوروبي أو تخاصمهما أو انفراد أحدهما بالحل، ولا مشروع الدولتين أو الدولة الواحدة من شأنه أن يحل قضية فلسطين.
فمهما تآمر على هذه القضية المتآمرون، ستبقى فلسطين هي فلسطين في ذاكرة الأمة وسيبقى بيت المقدس هو بيت المقدس، وسيبقى واجب تطهيره معلقاً في أعناق المسلمين، وستبقى فلسطين عامل منبه للأمة بضرورة أن تجمع أمرها وتلم شعثها فتقيم خلافتها وتسير تحت راية التوحيد نحوها فتطهرها من رجس يهود.
فهل يدرك المعشر ومعهد كارنيغي والأطراف المفاوضة تلك الحقيقة أم أنهم يحاولون أن يغطوا الشمس بغربال خرق؟!!!