تفاعلت وسائل الإعلام بإثارة إعلامية عالية مع ردة فعل أردوغان "الكلامية" على الجريمة الوحشية التي ارتكبها جنود يهود ضد رعاياه ومن معهم فوق سفن الإغاثة المتوجهة لغزة. والقى أردوغان خطابا طالب فيه بإدانة المجرم، وأكد فيه أن "تركيا استخدمت وستستمر باستخدام كافة السبل القانونية المتاحة لها"، بعدما نبّه لعدم "مراعاة إسرائيل لهذه القوانين"، ومن ثم توجه إلى مجلس الأمن كي يقول "كفى لإسرائيل"، في إشارة تحدد سقف رد الفعل الذي "لن يهدأ لتركيا بال" قبل وصوله، قائلا: "وسنلاحقه حتى النهاية وحتى فتح تحقيق به"!
ولم يفت أردوغان أن يؤكد على شرعية دولة الاحتلال من منظوره، بالحديث عن المياه الإقليمية، مذكرا دولة الاحتلال بصداقته لها، وبموقف حكومته المناصر لها، وهو يقول: "وقفنا دائما ضد معاداة السامية، وقد ساهمنا في أكثر من مرة بمناصرة حق الشعب الإسرائيلي بالعيش الكريم".
***
إن أردوغان في تصريحاته هذه يحصر القضية في الأبعاد القانونية وفي المحافل الدولية، وهو بذلك يطمئن دولة اليهود أن سقف ردة فعل حكومته لن يتجاوز سخافات الحكومات العربية من "دعوة كل من حلف الناتو ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية للاجتماع الفوري"، بل إنه يزيد عليهم جرما وهو يضع القضية في أيدي حلف الناتو، عدو الأمة الذي ينكّل جنوده بها ويقتّل أبناءها في أفغانستان.
لقد استطاع أروغان بخبثه أن يجعل كلامه المضلل هذا حديث الساعة من خلال استخدام ألفاظ جزلة لتداعب مشاعر الأمة ولتمتص غضبها، وليجيّره -كما فعل في السابق- لصالح حزبه العلماني المتمسح بالإسلام، وليكون رصيدا إعلاميا جديدا.
وبكل أسف يتعامى الإعلام عن الحقائق الصارخة في خطاب أردوغان، ويلهث خلفه معلّقون ومشايخ يضللون الأمة برفع أردوغان إلى مكانة عظماء خلافتها، وهو يتحدث عن بطولات "دونكيشوتية"، بينما يتوجه إلى العدو بمطالب إنسانية تتلخص في عدم عرقلة إيصال مواد الإغاثة إلى غزة، أهكذا يكون الخطاب والرد على قتل المسلمين ؟
إن الكلام والخطابات إذ تُقبل من الناس العاديين، ومن الأحزاب، فإنها لا تصح في مثل هذا الموقف من القادة الذين يحكمون ويمتلكون القوة العسكرية، وقد علّمنا سلفُنا أن جواب الأبطال في مثل هذه المواقف يكون مقتضبا: "الجواب ما ترى لا ما تسمع"، أما أردوغان فإنه يطمئن المحتل المجرم، وهو يؤكد له أن الجواب لدى حلف الناتو المجرم وفي مجلس الأمن الظالم.
إن الواجب على المخلصين من أبناء المسلمين أن يفضحوا أردوغان هذا وهو يستخف بعقولهم، وإن الوعي السياسي يقتضي من الناس أن تسمع كل الكلام، لا أن تنتقي منه ما يطربها وتصم آذانها عما يغضبها.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَد ُّالْخِصَامِ