شهد ملف المصالحة بين شقي السلطة عددا من التحركات والتصريحات خلال الأيام الفائتة. يأتي ذلك تزامنا مع انطلاق المفاوضات غير المباشرة.
فبعد أن قامت مصر بنشر ورقتها للمصالحة، وأصرت المخابرات المصرية على التوقيع عليها أولا ثم مناقشتها، وبعد أخذ ورد على مدى الأشهر بل والسنوات الفائتة، لوحظ في الأيام الأخيرة عدد من التحركات جاءت بعد الإعلان عن انطلاق المفاوضات غير المباشرة بين كل من السلطة وكيان يهود.
فقد ابتدأت هذه التحركات بزيارة منيب المصري لغزة والذي أكد أنه اتصل بالنظام المصري قبيل زيارته لغزة والتقائه برئيس وزراء سلطة حماس هناك إسماعيل هنية، كما أكد بأنه قد تشاور مع رئيس سلطة فتح محمود عباس.
ثم تلاها الإعلان عن مسيرة مشتركة بين كل من حركة فتح وحماس في ذكرى النكبة.
ثم صرح محمود الزهار بأن حركته تنتظر رد حركة فتح على آلية جديدة تم اقتراحها لتنفيذ المصالحة والتوقيع على الورقة المصرية، وكان الزهار قد قال بأن محادثات "فتح وحماس تتركز حول نقطتين رئيسيتين؛ الأولى تتعلق بلجنة الانتخابات المركزية، والثانية تتعلق بمنظمة التحرير، ولا تزال فتح تدرس الموقف لكنها تتعاطى معه بإيجابية"، وبعد ذلك قام أحد قيادات فتح من المقيمين في غزة نقلا عن وكالة فلسطين اليوم الإخبارية بالتأكيد على تجدد الاتصالات بخصوص المصالحة.
بينما نفى عزام الأحمد رداً على تصريحات الزهار وجود أي مقترحات جديدة للمصالحة.
وكان وزير خارجية كيان يهود ليبرمان بعد كل هذا قد صرح بأنهم لن يوافقوا على إدخال حركة حماس العملية السلمية.
***********
بين فينة وأخرى يتجدد البحث واللقاءات حول ملف المصالحة بين شقي السلطة المتناحرين، كما وتتجدد معها رحلات الوفود المكوكية بين غزة ورام الله وتتعالى التصريحات التي تتراوح ما بين التفاؤل والتحذير والاعتراضات والمناكفات بين الفرقاء ثم يعود ملف المصالحة إلى نقطة البداية من جديد وتكون الضجة التي أثيرت مجرد زوبعة في فنجان وما ذلك إلا لأن قرار المصالحة ليس قراراً فلسطينياً كما يتوهم البعض بل هو قرار مرتبط بمخططات ومصالح الدول الغربية الاستعمارية التي لم تحسم شأن المصالحة بعد.
وكل هذا يجري وأهل فلسطين يعانون الأمرين، ففي غزة يشدد الحصار من قبل كيان يهود ومن قبل النظام المصري الذي تزداد جرأته يوما بعد يوم على أهل فلسطين بدلا من أن يكون لهم معيناً ونصيرا.
وفي الضفة تمعن السلطة في التضييق على الناس من خلال فرض الضرائب و الإتاوات والتي يتفاخر رئيس وزرائها فياض بالقضاء على الانفلات الأمني ونظام "الخاوة"، وهو قد حول هذه الإتاوات من نظام فردي يتسلط فيه المجرمون على البسطاء من الناس، إلى نظام جماعي تتسلط فيه السلطة بأجهزتها وضابطتها الجمركية على عامة الناس، تلك الضرائب التي أحالت حياة الناس إلى بؤس ومعاناة تضاف إلى معاناتهم من إجرام يهود ومن حواجزه التي تقطع المدن والقرى بعضها عن البعض.
بين هذا وذاك وإزاء استئناف المفاوضات بين كيان يهود المجرم والسلطة الذليلة الخانعة، يطل علينا ملف المصالحة برأسه، هذه المصالحة التي باتت عاراً يوصم به الفرقاء، فتارة تصر الحركات على أهمية الوساطة المصرية التي اعتبرها بعضهم وكيلا حصريا للمصالحة، وتارة يعتبر البعض أن الورقة المصرية بمثابة القرآن الذي لا يجوز أن يبدل أو يحرف، حيث أن هذه الورقة تمثل إلى حد كبير الانصياع للرغبة الأمريكية التي تسعى إلى أخذ الاعتراف بكيان يهود والحفاظ على أمنه.
وليس غريبا أن يثار هذا الأمر في الوقت الذي يتلقى فيه عباس الصفعة تلو الأخرى من قبل كيان يهود برغم انصياعه للأوامر الأمريكية وذهابه للمفاوضات غير المباشرة وتمسكه بها برغم كل الاستفزازات اليهودية واستمرار الاستيطان، فعباس بحاجة إلى تقوية موقفه أو بحاجة لتضليل وإشغال أهل فلسطين بملف المصالحة لتبقى أعين أهل فلسطين في غفلة عن جرم المفاوضات وما يجري في كواليسها المخزية.
وليس غريبا أيضا أن يزيد النظام المصري من حصاره على أهل قطاع غزة واستقوائه عليهم من خلال تفجير الأنفاق ومن خلال الإصرار على الورقة المصرية والتمسك بها، فهذا النظام أصبح يستميت في تنفيذ المخططات الأمريكية مهما كلفه الثمن ويروج لها لاعبا دور السمسار الرخيص.
إن الحل الوحيد من اجل إنهاء الخلاف بين الحركتين المتنازعتين، لا يكون باللجوء إلى الورقة المصرية، ولا يكون بتقاسم سلطة تحت الاحتلال لا يمكن إلا أن تكون خادمة له تقر بشرعيته بصورة أو بأخرى، ولا برهن قرارهم للغرب أو أتباعه من الحكام والأنظمة العميلة.
إن المصالحة يجب أن تكون من خلال الانعتاق من التبعية والارتهان للمشاريع الغربية الاستعمارية والانعتاق من موالاة أنظمة الخيانة، ومن ثم الاتفاق على قاعدة الإسلام ومنه ما ادعته الحركات الفلسطينية التي زعمت أن قيامها كان من أجل تحرير فلسطين من النهر إلى البحر بالقتال دون سواه.