الدكتور ماهر الجعبري – عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
تشير المتابعة الإعلامية لوسائل الإعلام إلى وجود نبرة تتعلق بضرورة أن تضغط أمريكا على رئيس السلطة الفلسطينية من أجل استئناف المفاوضات، ونبرة أخرى تتعلق بقيام عباس بالضغط على الجهات المختلفة، وإلى وجود قدرة له على رفض ما تريده أمريكا، فقد ذكر موقع فضائية العالم الإخباري يوم أمس 1/4/2010 أن السلطة الفلسطينية جددت رفضها لاستئناف المفاوضات إلا بتجميد كامل للاستيطان، وذلك في تأكيد ورد على لسان الناطق باسم السلطة نبيل أبو ردينة، وذلك "بعد معلومات تحدثت عن طلب واشنطن من الكيان اليهودي تجميد الاستيطان لمدة أربعة أشهر في القدس المحتلة مقابل الضغط على رئيس السلطة محمود عباس ليبدأ مفاوضات مباشرة للتسوية". وكانت صحيفة القدس قد نقلت يوم 2/2/2010 عن مصادر فرنسية أن ميتشل طلب من الأوروبيين الضغط على عباس لقبول العودة إلى طاولة المفاوضات والاستجابة للطلب الأميركي. وفي الاتجاه الآخر اعتبرت راديو سوا في 30/3/2010 أن عباس يتعهد بمزيد من الضغط على كيان يهود.
***
لقد قال الشاعر قديما في وصف حكام الأندلس:
خليفة في قفص بين وصيف وبغا                   يقول ما قالا له كما تقول الببغا
من المضحك المبكي أن تستخدم وسائل الإعلام أوصافا سياسية للقيادات الرسمية تتصادم في العمق مع واقعهم وطبيعة أدوارهم، في تضليل صارخ للرأي العام، وبدل أن تسهم وسائل الإعلام في تكوين الوعي السياسي، تعمل كأداة تخريب للمفاهيم السياسية.
فمن يصدق أن رئيس السلطة الفلسطينية الذي يتقاضى راتبه من أموال المانحين، ولا يتحرك يمنة أو يسرة إلا بتصريح من الاحتلال، ولا ينفذ برامجه في فلسطين إلا بالإشراف الميداني المباشر لرجالات أمريكا، أن يكون قابلا لأن يضغط على أحد، أو أن يحتاج أحد لأن يضغط عليه؟
إن المفلس سياسيا لا يمكن أن يمتلك أية ورقة قوة، بل لا يكون هو إلا ورقة خفيفة في مهب الريح السياسية التي تعصف به حيثما هبّت. وفي مسلمة عقلية راسخة، فإن الفراغ السياسي لا يمكن أن ينتج أي ضغط، وفي المقابل فإن الفراغ لا يحتاج لأي ضغط حتى يُخترق، بل هو خواء مفتوح لمن يعبر.
لقد قرر قادة السلطة الفلسطينية أن يرتموا في أحضان أمريكا منذ سنوات طوال، وهم في هذه الحالة لا يمكن أن يكونوا إلا محلا لاستقبال الأوامر الأمريكية، أما أن تحتاج أمريكا لأن تضغط عليهم، أو أن تستنجد بأوروبا لأن تضغط عليهم، أو أن يتمكن قادة السلطة من الضغط على أمريكا أو كيان الاحتلال فكل ذلك مجرد أوهام لا ترقى للنظر والاعتبار. وما يتحدث عنه الإعلام من "الضغط" هو تصوير لمشاهد خيالية بل تفوق الخيال، يصدق فيها قول الشاعر:
ألقـاب مملكـة فـي غـير موضعهـا          كـالهر يحـكي انتفاخـا صولـة الأسد
2/4/2010