هذه رحلة شابين من حزب التحرير مع القضاء الفلسطيني، والأجهزة الأمنية، والمؤسسات الحقوقية، والشخصيات السياسية، والتي ما زالت فصولها مستمرة لغاية الآن.
رحلة من الظلم والتآمر والاضطهاد والدكتاتورية، نضعها بين يدي الرأي العام، حقوقيين وصحفيين وسياسيين ومؤثرين، لنرى أين ستنتهي الرحلة.
بداية الرحلة
في يوم السبت الموافق 6/3/2010، قرابة الساعة الثامنة مساءً، توجهت عناصر من مركز شرطة بديا،غربي سلفيت، إلى المحل التجاري لأحد شباب حزب التحرير في البلدة شاهر عساف، بهدف اعتقاله، دون أن يكون بحوزة الشرطة مذكرة حضور أو إحضار أو اعتقال، أو أية ورقة قانونية تبرر بها الاعتقال. ودون أن تأبه الشرطة بمطالبة الشاب إياها بمسوغ قانوني لاعتقاله أو إبداء سبب للاعتقال، قامت العناصر باعتقاله بالقوة واقتياده إلى مركزها في نفس البلدة، وكذلك اعتقلت معه شاباً أخر من شباب الحزب ممن كانوا هناك والذي يدعى عرفات شواهنة. ثم تم نقلهما إلى مركز شرطة المحافظة بسلفيت.
وعند مراجعة الشرطة من قبل ذويهم، بدأت أول فصول المؤامرة والدهشة، إذ أخبرهم مدير مركز الشرطة في بديا بأنّ الاعتقال لم يكن على إثر جنحة أو جناية أو مخالفة وإنّما جاء على إثر توزيعهما لبيان الحزب الذي أصدره حول أحداث قلقيلية الأخيرة التي منعت فيها السلطة الحزب من عقد ندوة في قاعة البلدية. (للإطلاع على نص البيان الذي أصدره الحزب اضغط هنا). وعند مجادلة مدير مركز الشرطة في الناحية القانونية التي تبرر له الاعتقال على خلفية سياسية ودون أي مسوغ قانوني، قال: أنا أنفذ أوامر وفقط.
الشاب شاهر عساف، 32 عاماً، متزوج وأب لثلاثة بنات، يعمل أستاذاً للغة العربية، وقد سبق واعتقلته السلطة خلال العامين الماضيين خمس مرات، وغالبا ما كانت هناك جهات تعمل على اعتقاله لمصالح شخصية، وكان يخرج في كل مرة بقرار قاضي الصلح بمحكمة سلفيت، لعدم قدرة النيابة على إدانته أو بقرار من محكمة العدل العليا. وذلك بعد ما يقارب الشهر من الاعتقال التعسفي في كل مرة.
والشاب عرفات شواهنة هو قريب الأستاذ شاهر، 23 عاماً، يعمل عاملاً، وهذه هي المرة الأولى التي يُعتقل فيها، رغم وجود محاولات سابقة لاعتقاله.
النيابة تحتار في التهمة
في يوم الأحد توجه المحامي الذي وكله ذوو الشابين للدفاع عنهما أمام القضاء، إلى شرطة سلفيت وطالبهم بالالتزام بالقانون الذي يمنع الشرطة من احتجازهما بدون تهمة وبدون عرض على النيابة أكثر من 24 ساعة، إلا أن الشرطة تجاهلت الأمر واستمرت باحتجازهما ل48 ساعة، حيث عرضتهما على النيابة يوم الاثنين 8-3-2010، والتي بدورها بحثت في دستورها وقانونها لتجد تهمة تبرر لنفسها بها احتجازهما، فلم تجد إلا ما يثير الضحك والسخرية، وهي تهمة: تعكير صفاء الأمة والنيل من الوحدة الوطنية.
تهمة آخر من يمكن أن يوصم بها شباب حزب التحرير العاملين من أجل وحدة الأمة واستعادة عزتها.
ثم عرضتهما النيابة على محكمة صلح سلفيت يوم الثلاثاء 9-3-2010، لعلها تستطيع بذلك أن تستمر باحتجازهما تحت غطاء يقبله القضاء، لكن القاضي لم يجد ما يبرر به استمرار احتجازهما، فقرر إطلاق سراحهما بكفالة عدلية. وهذا قرار المحكمة
المؤامرة مُبيتة
لم تسر الأمور كما توقع ذوو الشابين، فقد كانت المؤامرة بانتظارهم.
انتهى ذوو الشابين من استكمال إجراءات الكفالة صباح الأربعاء 10-3-2010، وقاموا بتسليمها إلى مدير شرطة سلفيت، وبدلاً من إطلاق سراح الشابين بموجب قرار القاضي، قامت الشرطة التي لطالما تشدقت بأنها أداة تنفيذية للقانون، بتسليم الشابين إلى جهاز المخابرات العامة الذي حضرت سيارته إلى مقر الشرطة. ليبدأ مشوار الشابين من جديد مع جهاز المخابرات.
الشاب أحمد، أحد أقارب الشابين الذي قام بتسليم الشرطة الكفالة العدلية، سأل الشرطة في غضون ذلك، هل ستفرجون عنهما؟ قال الشرطي: لا، لقد أخذتهما سيارة المخابرات التي رأيتها قبل قليل.
المخابرات: لا نريدك أن تبقى موظفاً
من جديد بدأ مشوار الشابين مع المخابرات وكأنّه لم يجر تحقيق معهما ولم يُعرضا على قاضٍ ولم يصدر بحقهما قراراً بالإفراج، في حالة فريدة من التعامل القانوني لا مثيل لها إلا في الدول الدكتاتورية المستبدة والتي لا تحترم نفسها ولا قانونها الذي تضعه بيدها.
ذوو الشابين يحاولون الاستفسار من جهاز المخابرات الذي رفض الإفراج عنهما بموجب قرار القاضي، يسألون عن وضعهما القانوني وسبب احتجازهما، والجواب تارة بأنّهما موقوفان على ذمة المحافظ لغاية 26/3/2010، وتارة أخرى أنّهما موقوفان على ذمة القضاء العسكري، وتارة ثالثة أنهما موقوفان على ذمة أمن الدولة وجهاز المخابرات والأمن الوقائي، وغير ذلك.
عند تواصل أحد أقارب الشابين مع أحد معارفه في المخابرات قال: شاهر ممنوع عليه أن يبقى موظفاً
الأمن الوقائي: سنفصل شاهر من وظيفته وسنغلق محله
لم يكتف جهاز المخابرات بدوسه على القانون بعد أن داست عليه الشرطة بعدم الإفراج عن الشابين الصادر بحقهما قرارٌ بالإفراج، بل أحب جهاز المخابرات أن يشاركه جهاز الأمن الوقائي "البطولة" نفسها!!.
ليبدأ بعدها مشوار الأمن الوقائي الذي أراد أن يؤكد على فرعونيته التي لا تساويها فرعونية المخابرات أو الشرطة، ليبدأ الجهاز ومن أول يوم يصرخ بوجه الشابين قائلاً: أنتم هنا في الأمن الوقائي وليس في مكان آخر!!.
وليؤكد جهاز الأمن الوقائي بذلك على مقولة: كل جهاز من أجهزة السلطة يتعامل وكأنه إمبراطورية مستقلة.
فبعد ثلاثة أيام من الاحتجاز والتحقيق لدى جهاز المخابرات، وفي مسرحية هزلية يقوم جهاز المخابرات بتسليم الشابين إلى جهاز الأمن الوقائي بسلفيت، ظهر السبت 13-3-2010، ليحاول إنجاز ما عجز عنه جهازي الشرطة والمخابرات في ثني الشابين عن موقفهما السياسي. وليكره شاهر على عدم القيام بالتدريس في مسجد البلدة بعد الإفراج عنه، قائلاً له: تذهب لتصل في المسجد وتعود دون أن تفتح فمك.
يزعج الأمن الوقائي قول شاهر لكلمة الحق في مسجد من مساجد الله، فالمسجد للسلطة وليس لله كما يقول ضابط التحقيق. فلا يجد مسئول التحقيق إلا أن يهدد بفصل شاهر من وظيفته وإغلاق محله إن لم يتجاوب معهم.
ولكن يغفل الأمن الوقائي بأنّ الشاب شاهر قلبه متعلق برضا الله، وعقله قد سخره للعمل لأمته المسكينة التي تئن من الجراح، وأنّه قد نذر نفسه كما بقية شباب الحزب على أن يكونوا حراساً أمينين للإسلام.
الأهل: ما العمل ؟!
بعد أن أُغلقت الأبواب أو كادت أمام ذوي الشابين، لجأووا إلى المؤسسات الحقوقية والشخصيات المؤثرة.
فقدم الأهل شكوى لدى الهيئة المستقلة لحقوق المواطن، والتي بدورها استنكرت تجاوز الأجهزة للقانون فرفعت شكوى إلى وزير الداخلية. ولجأ الأهل إلى مؤسسة الضمير التي وعدت برفع شكوى إلى النائب العام ومن ثم تقديم التماس لدى المحكمة العليا.
واستعان الأهل ببعض الشخصيات المؤثرة لعلها تساعدهم في إنهاء الاعتقال التعسفي، فقاموا بالاتصال بالدكتور حسن خريشة، عضو المجلس التشريعي، وطلب مساعدته، فأبدى استعداده للمساعدة وطلب إرسال شكوى مكتوبة له مرفقة مع قرار المحكمة، وفعلاً قام بالاتصال بالأمن الوقائي الذي قاله له بأن الشابين لا يوجد عليهما شيء وسيفرجون عنهما، ورفضوا تحديد وقت. فبدأ بالسعي لعرض القضية على محمود عباس عند أول لقاء له به، بحسب حديثه إلى ذوي الشابين. وهذا نص الشكوى
كما قام الأهل بالاتصال بربيحة ذياب، وزيرة شئون المرأة، وتقديم شكوى لها، والتي استغربت قيام الشرطة بالاعتقال على خلفية سياسية، فوعدت بطرح القضية على وزير الداخلية في اجتماع مجلس الوزراء يوم الاثنين 15-3-2010، ولكنها لم تفعل بسبب غياب وزير الداخلية عن الاجتماع بسبب السفر، ولكنها وعدت بأن تحدثه بالأمر عند عودته. وأرشدتهم إلى السيد جمال أبو الرب عضو المجلس التشريعي لمساعدتهم في الأمر نظرا لاختصاصه بهذه الأمور القانونية.
فقام الأهل بالاتصال بالسيد جمال أبو الرب، عضو المجلس التشريعي، وتقديم شكوى له، والذي أرسل يسائل مدير شرطة سلفيت، ومن ثم ليكمل المشوار إلى الأجهزة أو وزير الداخلية، بحسب حديثه إلى الأهل.
كما قام الأهل بالاتصال بالسيدة خالدة جرار وتقديم شكوى والتي وعدت بعمل الاتصالات اللازمة ولكنها بعد ذلك لم ترد على اتصالات ذوي الشابين فلم يدر الأهل أفعلت شيئا أم لا.
الإفراج عن أحد المعتقلين بعد تعذيبه
مساء الأربعاء 17-3-2010، أفرج الأمن الوقائي عن أحد الشابين وهو الأصغر سناً، عرفات شواهنة، والذي روى قصته الطويلة في الاعتقال، بعض تفاصيلها موجودة فيما أعلاه، ولكن اللافت للنظر كانت الهمجية واللاخلقية التي تعامل بها الأمن الوقائي الذي حاول إثبات عنتريته وفرعونيته على الشابين. حيث قام بتعذيب الشاب وضربه ضرباً مبرحا لساعات.
"لم يبق أحد في المركز إلا وضربني كلما مر بجانبي، حسبي الله ونعم الوكيل فيهم، مجرمون". يقول عرفات.
وأما شاهر فقصته لم تنته، بل في استخفاف من جهاز الأمن الوقائي بأدنى الحقوق القانونية ، الحصول على محاكمة لدى محكمة مختصة، قاموا بعرضه على النيابة العسكرية التي لطالما وفرت الغطاء الشكلي أمام الأجهزة لتستمر في احتجاز المواطنين، رغم إجماع كل من له علاقة بالقانون من مؤسسات ومحاميين ومستشارين على عدم اختصاص النيابة والمحكمة العسكرية بغير العساكر والقضايا الأمنية.
ولكنها شريعة الغاب ....
المحامي لم ييأس
ما زال عند المحامي شيء من الأمل في أن تحترم أجهزة السلطة قانونها، مما دفعه ذلك إلى أن يتوجه بشكوى إلى النائب العام، الذي لم يجب عليها، وكذلك شكوى إلى وزير الداخلية، لعله ينتصر للقانون الذي يمثله.
وكذلك رفع قضية لدى محكمة العدل العليا ضد كل من جهاز الشرطة والأمن الوقائي والمخابرات وهيئة القضاء العسكري. والتي حددت يوم الأحد 14-3-2010 موعدا لها.
محكمة العدل العليا تتواطأ
لم يصل استهتار الأجهزة الأمنية بالقانون لهذه الدرجة إلا بعد أن وجدوا أن التواطؤ متوفر وجاهز دائما من قبل القضاء معهم.
فردت المحكمة العليا القضية يوم الأحد.
فتقدم المحامي بشكوى أخرى ليكون موعدها الثلاثاء 16-3-2010، وفي تلك الجلسة تستخدم المحكمة صلاحياتها في توفير الغطاء الزمني اللازم للأجهزة حتى تفرغ مما تريد، لتمهل النيابة بالرد على سبب الاعتقال إلى 5-4-2010.
الاعتقال الذي تنفذه الأجهزة في دقائق، تمهلها المحكمة العليا عشرين يوماً لترسل كلمات لا تتجاوز في العادة السطر الواحد تبرر به الاعتقال، وهي الكلمات المعهودة: على ذمة القضاء العسكري.
ما ذا يستطيع المحامي أن يصنع أمام تواطؤ القضاء وتآمر الأجهزة! لا شيء.
وما حسب أهل الشاب والشاب نفسه أن يصنعوا أمام عجز المؤسسات والشخصيات والقانون في رفع الظلم عنه؟! لا شيء، اللهم التوجه بالشكوى إلى المنتقم الجبار.
أما نحن في المكتب الإعلامي لحزب التحرير فإنا نرسل هذه المادة إلى الإعلاميين، وإلى المؤسسات الحقوقية، وإلى السياسيين والمؤثرين، وإلى مؤسسات الرقابة والاهتمام، لنضعهم أمام مسئوليتهم تجاه هذا التعسف والهمجية والاستهتار الذي تتصرف به السلطة.