بعد أن عملت السلطة ومؤسساتها الإعلامية ورجالاتها على مدار الأسابيع الماضية على الترويج لخطاب قيل عنه أنه خطاب حاسم وناري لرئيس السلطة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإذا بالخطاب "الناري!" مليء بالاستجداء والترجي والتسول السياسي المخزي لقضية عظيمة، والتأكيد على المضي قدما في العمل على تصفية القضية وفق المشروع الغربي المسمى بحل الدولتين، والتمسك بالسلام المزعوم!
إن تلك الكلمة المجترة لرئيس السلطة، والذي اعتمد فيها على لغة الاستجداء والترجي في مخاطبة الدول الكبرى وكيان يهود والمجتمع الدولي ومجلس الأمن، كانت كذلك مليئة بالتناقضات التي تظهر حشر منظمة التحرير للقضية في زاوية المشروع الغربي ودوله ومؤسساته -لعقدة التبعية والعمالة المتأصلة بها-، فيتحدث رئيس السلطة أنه لم تبق أرض لتقوم عليها دولة، ويتحدث عن الاستيطان في الضفة وعدد المستوطنين ومن ثم يؤكد على مشروع الدولتين وضرورة الجلوس على طاولة المفاوضات لإقامة الدولة! فإن لم تبق أرض لتقوم عليها دولة فعلى ماذا يريد عباس التفاوض؟!
ويتحدث عباس عن جرائم كيان يهود منذ النكبة وعن مجازره العديدة والتي لم تتوقف إلى اليوم وأنه لا يريد السلام ولا يريد إعطاء دولة فلسطينية ومن ثم يؤكد أنه لا يقبل العنف ومتمسك بالسلام في الحاضر والمستقبل! فإن كان السلام تسبب في ضياع الأرض فهل التمسك به عقاب للمحتل كما رُوج لهذا الخطاب منذ أسابيع أم أنه مزيد من التفريط والخيانة؟! ومن ثم يتبجح رئيس السلطة بمحاربة الإرهاب والعمل مع 85 دولة على ذلك وعلى رأسها أمريكا، فعن أي إرهاب يتحدث؟! هل هو العمل السياسي الذي يرفض الغرب ومشاريعه أو العمل المقاوم لكيان يهود أو أنه يقصد الإسلام وكل من يعمل له؟!
لقد كان بارزا في خطاب عباس الاعتراف بازدواجية المعايير عند المجتمع الدولي وتحكم الدول الكبرى الداعمة لكيان يهود به وبمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن واعترافه بعبثية قرارات الأمم المتحدة والتي وصلت لمئات القرارات ولم ينفذ منها قرار واحد، وأنها مجرد حبر على ورق ولكن العجيب أن رئيس السلطة بعد كل ذلك التهكم والندب واللوم يعود ليؤكد على مطالبة الأمم المتحدة ومنظماتها بإنصاف أهل فلسطين وتنفيذ مشروع الدولتين وتوفير الحماية للناس! ويتحدث عن عضوية دائمة والانضمام لمزيد من المنظمات! فأي سياسي هذا الذي يرى كل ذلك العداء والتآمر من تلك المؤسسات والدول ومن ثم يطلب منها الإنصاف؟! هل هي السذاجة السياسية أم التبعية؟!
إن حديث رئيس السلطة عن المطالبة باستئناف المفاوضات مع كيان يهود بشكل سريع والجلوس على الطاولة طلبا للسلام ومطالبتهم بوقف الإجراءات الأحادية في الضفة ولو بشكل مؤقت حيث قال "أوقفوا الإجراءات ولو بشكل مؤقت ونتفاوض وإذا لم ننجح اعملوا ما تريدون" يظهر مدى تمسك رئيس السلطة بوجودها ونهجها وأن الحديث عن قرارات حاسمة وعن وقف التنسيق الأمني والتراجع عن الاتفاقيات الدولية وعلى رأسها اتفاقية أوسلو هو مجرد جعجعات لا طحن فيها، وأن عباس اكتفى بالتلويح مجددا بقرارات المركزي التي في حقيقتها لا تختلف عن خطابه المنبطح!
إن قضية فلسطين كانت منذ اليوم الأول قضية عظيمة، تلفظ كل خائن ومتآمر ومساوم، وهي قضية لا تحل بالاستجداء والترجي والتزلف للدول الكبرى، بل بالبحث عن عمقها وأهلها ورجالها والأمة التي تمثلها والقوة القادرة على تحريرها والقيادة السياسية المؤهلة لقيادة الأمة والتي تعلم كيف يكون الخطاب وآلية تنفيذه، وعندها يسبق الفعل القول وتحرر الأرض والمقدسات، ولذلك كان حال عباس اليوم ومعه السلطة والمنظمة، بعد عقود من العمل خدمة للدول الكبرى، حال من تطفل على قضية عظيمة وأراد أن يظهر بحجمها حتى استيقظ على حجمه الحقيقي فبات يندب ويبكي ندب النساء وبكاء الجبناء.
إن حال السلطة اليوم هو مآل ما اقترفت يداها، وعليها أن ترفع يدها فورا عن قضية طاهرة عظيمة وألا تمضي لمزيد من الذل والهوان، وعلى أمة الإسلام وجيوشها، وهي ترى هذا الحال من الإجرام بحق أهل فلسطين والمسجد الأقصى وتكالب الدول الكبرى ومؤسساتها على القضية ودعمهم لكيان يهود وخيانة الحكام والمنظمة، أن يتحركوا من فورهم فهم أصحاب القضية الذين تتجاهلهم السلطة والأنظمة وتقيدهم الدول الكبرى، فليزمجروا خلف قيادة مخلصة تنهي هذه المؤامرة الدولية التي تمارس على خير أمة وخير بلادها ويحققوا بشرى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله ﷺ قال:(لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله).
23-9-2022