abbas20822

أعلنت شرطة برلين الجمعة، أنها فتحت تحقيقاً أولياً ضد رئيس السلطة، محمود عباس، بسبب
تصريحاته هذا الأسبوع بأن " إسرائيل" ارتكبت " 50 محرقة" ضد الفلسطينيين.
وكانت تصريحات عباس عن الهولوكوست خلال مؤتمر صحفي مشترك في برلين قبل أيام إلى
جانب المستشار الألماني أولاف شولتس، قد أثارت غضباً في " إسرائيل" وألمانيا وفي دول أخرى
وخاصة الأوروبية، وقد عبر شولتس عن استيائه من تصريحات عباس وقال على تويتر" .. أنا
مستاء من هذه التصريحات المشينة التي أدلى بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس" ، وكتب رئيس
حزب المستشارة السابقة أنغيلا ميركل المسيحي الديمقراطي على تويتر أن تعامل شولتس مع
الواقعة " لا يمكن استيعابه كان عليه أن يعارض الرئيس الفلسطيني بشكل واضح وجلي وكان عليه
أن يطلب منه أن يغادر المبنى" .
رغم ما قدمته السلطة الفلسطينية للغرب من خدمات، على المستوى السياسي بالقبول بمشاريعه
وتبنيها والعمل على تنفيذها والتنازل عن معظم الأرض المباركة، ورغم فتح البلاد للمؤسسات
الغربية لنشر الأفكار العلمانية والرأسمالية والحريات التي تهدم الأسرة وتدمر المجتمع وتهاجم الدين
وتسلخ الناس عن كل فضيلة وخلق وقيم، ورغم التنسيق الأمني المستمر لحماية أمن كيان يهود،
رغم كل تلك الخدمات إلا أنها لم تشفع لرئيس السلطة أن يتكلم بكلام فيه إزعاج ولو مصطنع لكيان
يهود! وهذا يظهر عظم الجريمة التي ارتكبتها السلطة ومن قبلها منظمة التحرير عندما قبلت أن
تضع قضية فلسطين في أيدي تلك الدول المجرمة، وأن ذلك كان خيانة وانتحارا سياسيا وتضييعا
للقضية، وأن قضايا المسلمين يحفظها أهلها ودين الإسلام فقط قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} وأن المراهنة على الغرب ومشاريعه سراب وذل وهوان وأن لا عزة عند
الكفر وأهله، قال تعالى: { وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)}.
ويظهر هذا التفاعل الألماني، مع تصيد كيان يهود لعبارات وجمل يدعي فيها المظلومية ومعاداة
السامية، أن الدول الغربية وسياسييها يجاملون كيان يهود ويتجاوبون معه، حتى وإن كان ذلك ضمن
تصيد واضح ومفضوح للتغطية على جرائم لا تقل بشاعة عن الهولوكوست المزعوم، فكيان يهود
قد ارتكب عشرات المجازر التي تم فيها إحراق الناس بالفسفور الأبيض والقنابل العنقودية والأسلحة
المحرمة دوليا وآلاف الجرائم المتنوعة من قتل وتهجير وتخريب وهدم وأسر وهي مستمرة لا
تتوقف، وليس آخرها إعدام الشاب محمد الشحام أمام والديه وداخل منزله بشكل حاقد وهمجي، فعلى
ماذا كل هذا الامتعاض الألماني والضجة الكبيرة على كلمة لم يحسب لها رئيس السلطة حساب
عندما تفوه بها؟! أم أنهم يجاملون كيان يهود على حساب دماء أهل فلسطين؟!

إن قضية معاداة السامية باتت أداة رخيصة للتغطية على جرائم كيان يهود والتهرب منها أمام
المجتمع الدولي المساند والداعم لهذا الكيان المجرم، فقبل هذه الزوبعة المفتعلة تحت شعار معاداة
السامية، كان رئيس حكومة تصريف الأعمال " الإسرائيلي" يائير لبيد قد طالب بداية هذا الشهر
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بـ" الحل الفوري" للجنة التابعة للمنظمة الدولية للتحقيق
في أحداث عملية " حارس الأسوار" التي وقعت عام 2021، بعد تصريحات لأحد محققي اللجنة
اعتبرتها " إسرائيل" " معادية للسامية" وطالب لبيد في رسالته لغوتيريش بـ" العزل الفوري لأعضاء
لجنة التحقيق ضد إسرائيل وبحلها" وذلك بعد أن لمّح ميلون كوثاري، أحد أعضاء اللجنة، خلال
مقابلة مؤخراً مع موقع " موندوويس (Mondoweiss) الذي يُغطي أخبار الأراضي الفلسطينية
و)إسرائيل( والسياسات الأميركية" إلى وجود " لوبي يهودي يسيطر على شبكات التواصل
الاجتماعي " !! فتحول الحديث من تحقيق في عدوان ومجازر قتل فيها 260 شخصاً بينهم 66
طفلاً إلى مظلوم يتم النيل من ظلم وقع عليه!!
إن هذه الصفعات المذلة للسلطة ورئيسها الذي بدأ يبرر ويعتذر بل ويدافع عن تلك المظلومية
المزعومة، أن قيمة واحترام السلطة ورئيسها أقل من كلمة أزعجت كيان يهود حتى وصل الحال
إلى أن تفتح الشرطة تحقيقا ضد رئيس السلطة، وكأن الحديث عن مواطن ألماني أساء لدولته عن
غير قصد!! إن هذا الذل الذي وصلت إليه السلطة ورجالاتها هو بسبب الارتماء بأحضان الغرب
الحامي والداعم والمدافع عن كيان يهود، وإن احتضان مستشفيات تلك الدول لقادة السلطة هو
لإطالة عمرهم ليكملوا طريق الخيانة والتنازل والتفريط التي تخدم كيان يهود، ولا يعني ذلك بحال
من الأحوال جعل مكانة سياسية لمنظمة وسلطة تفانت بإخلاص في خدمة الغرب ومشاريعه
السياسية طمعاً في دويلة وعلم ومطار على حساب قضية عظيمة، وبالتالي لا تعني الفحوصات
الطبية المجانية أن يقترب رئيس السلطة من حافة النص -لا أن يخرج عنه- عند التطرق لقضية
فلسطين ولكيان يهود!!
إن هذا التناغم في التباكي ليس لود وعلاقات قوية، فتاريخ أوروبا وصراعاتها القومية والعرقية
والأثنية صاغت حاضرها ومستقبلها وأوجدت صدوعا لم ولن تلتئم، وما يحصل حاليا في أوروبا
ليس ببعيد، وهذا التباكي مع كيان يهود ليس لندم أو محبة وإنما فقط لأن الأمر متعلق بقضية
فلسطين وأمة الإسلام التي لا يعنيها كثيرا تاريخ أوروبا ورواياتها وحروبها إنما يعنيها مستقبل نفوذ
الغرب الذي سوف يتم القضاء عليه ومستقبل كيان يهود الذي سوف يتم اقتلاعه من جذوره دون أن
يرف للأمة وجيوشها جفن أو ترتجف يد أو يتردد سياسي.
20-8-2022