ولكن المدقق في معايير التصنيف التي اتبعتها المجلة والغاية التي من أجلها صنفت المجلة الدول عالمياً يلاحظ أنّ الهدف من التصنيف بحسب المجلة هو تقديم النصح للمتقاعدين الأميركيين ومساعدتهم في تحديد مستوى الحياة لوجهات سفرهم حول العالم. أي هو تصنيف من أجل التسهيل على السياح الأمريكيين اختيار البلاد التي يذهبون إليها من أجل استجمامهم وراحتهم وضمان رفاهيتهم، وليس الأمر كما تناولته وسائل الإعلام العربية على أنه تطور وتحسن حال الأردن وتونس مثلا.
ولذلك جاءت المعايير التي اعتمدتها المجلة في قياسها لمؤشرات "جودة الحياة"، هي تكاليف المعيشة وتحصل على 15% من حجم المؤشر، والثقافة والترفيه (10%)، والوضع الاقتصادي (15%)، والوضع البيئي (10%)، وواقع الحريات (10%)، والوضع الصحي (10%)، ومستوى البنية التحتية (10%)، والمخاطر والأمان (10%)، والمناخ (10%).
فتكاليف المعيشة تعتبر منخفضة ومثالية للسائح الأمريكي الذي بلغ متوسط دخله السنوي 47 ألف دولار في 2008، أي ما يقارب 12 ضعف دخل الفرد التونسي، 17 ضعف دخل الفرد الأردني.
وأما الثقافة والترفيه والحريات، فقد أصبحت الفنادق في تونس على نحو توفر للسائح الأجنبي الشعور بأنّه في العالم الغربي لا العربي، فتونس من الدول السباقة في الترويج للفاحشة وأجواء الفجور، وهي تحتضن العديد من المهرجانات و الفعاليات من مثل أيام قرطاج السينمائية وأيام قرطاج المسرحية ومهرجان قرطاج الدولي للموسيقى والمسرح والرقص والسينما ومهرجان الموسيقى العالمية ومهرجان أوسّو للفلكلور والاستعراض والرقص بسوسة، وغيرها من النشاطات الغربية، وكذا الأردن ببعض فنادقها الداعرة وبمسارحها ومدرجاتها التي تعج بالنشاطات الفاسدة ذات الطباع الغربي المفسد.
ويُضاف إلى ذلك محاربة النظام للحجاب على أشدها في تونس حتى أصبحت النساء والبنات تُمنع من دخول المدارس والجامعات لأنّهنّ يغطّين رؤوسهنّ. ولم تقف محنتهنّ عند هذا الحدّ فقد لاحقتهنّ عصابات النظام في الشّوارع وعند خروجهنّ من المساجد و قادوا بعضهنّ إلى مراكز الشّرطة وأجبروهنّ علي نزع الخمار والتّوقيع علي التزامات بأن لا يلبسن الخمار والجلباب وأن يخرجن عاريات الرّؤوس، بل وحتى الصلاة في المساجد التونسية أصبحت ببطاقات ممغنطة. فلا شك أنها الأجواء المناسبة للأمريكي الذي أتى للاستجمام. وحالة القمع التي يمارسها النظام الأردني بحق حزب التحرير ممتدة منذ خمسينات القرن الفائت، لأنّه يدعو إلى الإسلام السياسي. فالحريات المسموح بها هي تلك التي تدخل في خانة العلمنة والسفور والفساد.
وأما المخاطر والأمان، فالجندي الأردني أحمد الدقامسي ما زال يرزح بالسجون الأردنية منذ عام 1997 بعد أن حُكم عليه بالسجن المؤبد لقتله سبع سائحات "إسرائيليات" لاستهزائهن به وبصلاته، وتونس التي تطارد كل من تصفهم بالأصوليين والإرهابيين، بل وتحارب الإسلام السياسي ومظاهر النهضة بكل ما أوتيت من قوة، مثلما تلاحق حزب التحرير المعروف بأنه حزب سياسي إسلامي لا علاقة له بالعنف. فالبلدان آمنان لكل متسكع أجنبي، ومحظور على المسلمين حتى مضايقتهم بالكلام.
وأما الوضع البيئي والوضع الصحي في الأردن وتونس فلا شك أنّها جيدة، فالبلدان ليسا من البلدان الصناعية ولا التجارية، فلا صناعة تلوث البيئة ولا حركة تجارية تضر بالوضع الصحي، وهما في منطقة حباها الله بمناخ لطيف.
وهكذا فقد حول حكام المسلمين بلادنا إلى مرتع للغرب وسائحيه، بعد أن أفقروا المسلمين وسخروهم لتوفير الراحة والخدمة للسائح الأجنبي، وبعد أن ضمنوا له أجواء الفجور والدعة التي يرغب بها.