مشروع عدادات مسبقة الدفع جريمة تنفذها السلطة
بالتعاون مع البلديات والشركات.
العدادات مسبقة الدفع
1- تأتي آلية العداد مسبقة الدفع في التحصيل لتكون مقدمة لخصخصة قطاع الحاجات الأساسية (الماء والكهرباء) وقد تم النص على سعي السلطة للخصخصة في خطتها (خطة الإصلاح والتنمية 2008-2010) حيث تحدثت عن شراكة القطاع الخاص في قطاع الخدمات بحجة ضمان الفاعلية والاستدامة لهذه الخدمات: "نعتقد أنه يمكن الارتقاء من خلال التنظيم الناجع والمدروس بإدارة العديد من الخدمات التي يقدمها القطاع العام حاليا على أساس فعال ومستدام عن طريق رفع مستوى مشاركة القطاع الخاص فيها، وفي اطار الجهود التي نبذلها لبناء اقتصاد يقل اعتماده على الإنفاق العام، سوف نواصل العمل مع القطاع الخاص من أجل تعزيز نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص في فلسطين"
وبحسب ما جاء في الخطة فإن آلية الدفع المسبق يمكن لها أن تحقق أمرين للسلطة:
· الاستجابة لسياسات وتوجيهات البنك الدولي وصندوق النقد.
· رفع الاعتماد على القطاع العام – خصوصا بعد تراجع الدعم المالي من الدول المانحة – وذلك عن طريق خصخصة الخدمات التي يقدمها. وقد كانت السلطة تدعم القطاع العام للخدمات – الماء والكهرباء -عن طريق تسديد الالتزامات للشركات الإسرائيلية من مقاصة السلطة، فسعت الحكومة الفلسطينية لتخفيض نسبة ما تسميه (صافي الإقراض) وهو دعم السلطة غير المباشر للعملاء أو البلديات الذين فشلوا في سداد فواتير الخدمات العامة المستحقة للشركات الإسرائيلية، ونجحت في تقليصه من 10.6 % في العام 2007 إلى 7.8 % في العام 2010
2- البرنامج الذي تحمله السلطة والبلديات برنامج خصخصة للملكية العامة – الماء والكهرباء- وربما أكثر مثل مجمعات مواقف السيارات والطرقات وغير ذلك، كما حصل في مدينة رام الله، يقول الباحث إياد الرياحي أن الأمر بلغ حد خصخصة الشوارع العامة في مدينة رام الله التي تقاسمتها الشرطة والبلدية، فالأولى وضعت الكثير من الخطوط الحمراء لمنع التوقف، والثانية طلت الشوارع بالخطوط الزرقاء كإشارة إلى منطقة دفع مسبق مقابل التوقف، ويستكمل الباحث إياد تصوره بالقول: لقد تجاهل الكثيرون أن ذلك المشروع يأتي ضمن سياق تحويل كل الخدمات الأساسية إلى خدمات مسبقة الدفع. مستقبلا سيتم تحويل الجباية إلى شركة قطاع خاص، وستحصل البلديات على القليل، القليل جدا، وذلك لاتهام البلدية بعدم الكفاءة، وبالتالي يجب تحويل إدارة هذا المشروع إلى القطاع الخاص، هذا الحاصل أصلا في مجمعات مواقف السيارات والباصات المركزية، حيث تشرف على نظافتها البلدية بينما تخضع إدارتها إلى شركة قطاع خاص أخذت امتياز بنائها في العديد من المدن الفلسطينية.
3- كشفت الدراسة المشتركة لشبكة المنظمات الأهلية ومركز بيسان للبحوث والإنماء لسنة 2012 عن وجود قرار لمجلس الوزراء صدر بتاريخ 7-6-2012 حيث نصت الدراسة على التالي: "أقر مجلس الوزراء تركيب عدادات الدفع المسبق للمياه وذلك ضمن الشروط والمواصفات الفنية التي سيتم إعدادها لهذا الغرض من قبل سلطة المياه ووزارة الحكم المحلي، وكذلك النواحي التنفيذية ومن خلال المنح المخصصة لشراء عدادات الدفع المسبق من قبل سلطة الطاقة في مجال الكهرباء بتمويل من البنك الدولي، ما يعني القيام بدور تمهيدي تنظيمي يسهل على الشركات الخاصة عملها في هذين القطاعين الحيويين، ....."
لم يتسن لنا الوصول إلى نص ذلك القرار بسبب صعوبة التعاطي مع موقع رئاسة الوزراء على الشبكة الالكترونية، وقد وردت هذه المعلومة في دراسة مشتركة للمنظمات الأهلية ومركز بيسان كما تم ذكره، وأكدها المحامي غسان الشكعة رئيس مجلس إدارة كهرباء الشمال حيث قال: إن مجلس الإدارة صادق على العمل بقرار مجلس الوزراء والذي يتضمن بتركيب عدادات مسبقة الدفع ...
4- يبدو من النصوص المتداولة أن قرار مجلس الوزراء قرار لا يُلزم بتغيير العدادات حيث ورد على لسان الرئيس التنفيذي لشركة توزيع كهرباء الشمال المهندس يحيى عرفات قال: إن قرار مجلس الوزراء يلزم شركات التوزيع والهيئات المحلية المزودة للخدمة برفع قوائم شهرية لوزارة العدل تتضمن أسماء المشتركين الرافضين للالتزام بالقرار، ليتم اتخذا الإجراءات القانونية بحقهم، مضيفا أن من لا يلتزم بهذا القرار سيجبر على تسديد كامل الديون السابقة بعد جدولتها
5- موقف المؤسسات الأهلية
إذا استثنينا مراكز الدراسات والأبحاث من جملة المؤسسات الأهلية فلا يبدو أن تلك المؤسسات اعتنت بالأمر غير واحدة هي جمعية أو اتحاد جمعيات حماية المستهلك.
وقد كان لهذه الجمعية موقف المقاوم حيث صدر بيان عن الجمعية بتاريخ 01-02-2013 جاء فيه:
"إن احد حقوق المستهلك الفلسطيني التي يجب صيانتها حقه في الاختيار وان فرض عداد مسبق الدفع فيه انتهاك صارخ لحق المستهلك في الاختيار ما بين العداد العادي والعداد مسبق الدفع وان فرض تغيير عدادات الكهرباء بعدادات كهرباء مسبقة الدفع مخالف للقانون وفيه انتهاك صارخ لحقوق المستهلك الفلسطيني وخصوصا حقه في الاختيار"
وفي نفس الإطار قال رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني في فلسطين المهندس عزمي الشيوخي:"أن أصحاب عدادات الكهرباء التي تم تركيبها في السابق في جميع المحافظات الفلسطينية قام المستهلكون المشتركون بدفع أثمانها من جيوبهم الخاصة وأصبحت ملكا لهم بحكم القانون وأصبحت حقا مكتسبا لجميع المستهلكين لسلعة الكهرباء ولا يجوز بأي حال من الأحوال إرغام أصحابها على تغييرها بعدادات مسبقة الدفع ولا يجوز المساس بحق ملكيتهم الخاصة لهذه العدادات من قبل أي جهة مهما كانت" .
وأضاف :"إن عقود الكهرباء ما بين المستهلكين والبلديات وشركات الكهرباء التي وقع عليها المستهلكين لا تحتوي على أي بند يلزم المستهلكين بتغييرها في أي وقت من الأوقات بعدادات مسبقة الدفع".
وقال:"إن القانون لا يجيز لأي شركة كهرباء إن تقوم بفصل التيار الكهربائي عن المشتركين الذين يتخلفون عن الدفع ولكن القانون كفل لشركات الكهرباء أن يقوموا بتحصيل مستحقاتهم من المشتركين بطرق قانونية.....
ومن الجدير ذكره أن الجمعية تستقبل شكاوى المستهلكين لمتابعتها قانونيا لتعويضهم عن أضرارهم وفق نصوص القوانين الفلسطينية.
6- التقدم في تنفيذ المشروع
بدأ العمل بتركيب عدادات الدفع المسبق منذ سنوات 5 سنوات، وقد كان ذلك سابقا لقرار مجلس الوزراء وكانت تقوم به البلديات بناء على أسس مختلفة أو برامج خاصة، ويبدو أن المنطقة الأكثر تقدما في البرنامج هي جنين حيث كانت هي السباقة سنة 2007 في تطبيق نظام الدفع المسبق في قطاع الكهرباء ثم منطقة طولكرم التي يجري فيها تطبيق نظام الدفع المسبق بخطى متسارعة. وقد قال الجلاد رئيس بلدية طولكرم ان الآلية المتبعةلجباية أثمان المياه والكهرباء متبعة منذ أكثر من عامين.
إلا ان الحملة في السابق لم تكن بقوة ما نراه اليوم إذا استثنينا مدينتي جنين وطولكرم، فهناك مؤشرات قوية تدل على استعار الحملة والتحمس الشديد لتنفيذ البرنامج. وما يمكن ان يفسر هذا هو ما يفترض من حرص السلطة على تنفيذ المشروع بعد التراجع في حجم المعونات الخارجية.
ويأتي في مقدمة تلك المؤشرات التصريحات التي تخص شركة كهرباء القدس التي تمتد خدماتها إلى خارج مدينة القدس.
وما تقوم به بلدية الخليل من حملة تركيب العدادات مسبقة الدفع بعد الإعلان عن قرار بلدية/شركة كهرباء الخليل القاضي بإلزام جميع المستهلكين تحويل عداداتهم من عداد الفاتورة العادي إلى عداد مسبق الدفع.
وكذلك ما أعلن عنه راديو سراج من أخبار بلدية الخليل بتاريخ7-8-2013 :
....من جانبه أوضح " ديفيد مربخ " أن الفرصة متاحة لتقديم دعم من قبل البنك الدولي لصالح بلدية الخليل بخصوص عدادات المياه مسبقة الدفع بما قيمته ثمانية ملاين دولار أمريكي تقريبا وقال إننا سنعمل على دراسة المشروع بجدية و بحث سبل تمويله بالشكل الذي يؤهل لنجاحه وتحقيق الأهداف المرجوة منه. وقد جاء ذلك خلال الاجتماع المطول الذي عقد في دار بلدية الخليل شارك فيه إضافة للدكتور الزعتري "ديفيد مربخ " مسئول المياه و الصرف الصحي في البنك الدولي و "كملي كيردنت " مسئولة المشاريع في المؤسسة الفرنسية للتعاون الدولي و......
7- أساليب تنفيذ المشروع
· السلطة من جهتها تقدم سببين رئيسيين لبرنامج الدفع المسبق:
الأول : عدم قدرة البلديات على تحصيل أثمان المياه والكهرباء، ومن ذلك ما قاله مدير عام الإدارة التنظيمية أيمن جرار في سلطة المياه قال : إن ديون البلديات تراكمت بشكل كبير ووصلت إلى 880 مليون شيقل، نتيجة عدم مقدرة هذه الجهات على تحصيل الديون من المواطن والمؤسسات، ويتم تحصيل فاتورة المياه الشهرية المزودة من قبل شركة 'ميكروت' الإسرائيلية من فاتورة المقاصة.
الثاني : خصخصة القطاع العام، الذي سوف يوفر مستوى أعلى من الخدمات - حسب زعمهم - ويخفف العبء عن كاهل خزينة السلطة .
· أما البلديات فهي تتذرع بعدم قدرتها على تحصيل المستحقات عن الماء والكهرباء بسبب تخلف المنتفعين عن السداد.
· أما الأساليب التي تتبعها البلديات في الميدان خلال قيامها بتركيب العداد مسبق الدفع فهي أساليب تعتمد التضليل والاتكاء على جهل المواطنين بحقوقهم أحيانا والتلويح باستخدام القوة أحيانا أخرى، حيث جرت عمليات استبدال العدادات بمرافقة أجهزة الأمن في بعض الأحيان.
8- نتائج تطبيق المشروع وما يجري على الأرض[1]
· تناولت بعض وسائل الإعلام أخبار العدادات مسبقة الدفع، وقد نقل مراد ياسين في (حياة وسوق) من واقع مدينة طولكرم التالي:
لم يتمالك المواطن حسين الشيخ علي نفسه و استشاط غضبا بعد أن خصم موظف شحن أرصدة الدفع المسبق للكهرباء حوالي 50 % من قيمة ثمن سعر الكهرباء بحجة جباية ديون سابقة عليه، مؤكدا أن هذه السياسة التي تتبعها بلدية طولكرم في تحصيل ديون المواطنين قاسية وصعبة ولا تراعي الحد الأدنى من ظروف المواطنين الصعبة.
ويرى المواطن معتصم جراد، وهو صاحب محل للحلاقة، ان طريقة شحن أرصدة عدادات الدفع المسبق مذلة ومهينة للمواطنين على حد رأيه وتحديدا في ساعات المساء، حيث يقف الناس في طوابير أمام موظف شحن أرصدة الكهرباء في ظل انعدام الخدمات في هذا الموقع من حيث عدم توفر مقاعد كافية للزوار مع العلم ان المقاعد المتوفرة مزرية وغير صالحة للاستخدام البشري حسب وجهة نظره، وأثناء الانتظار تقع مشادات كلامية بين الموظفين والمواطنين نتيجة خلاف على خصم الديون السابقة على المواطنين ما يطيل الانتظار في المكان، مؤكدا أن المواطنين لا يمانعون تسديد أثمان مستحقات المياه والكهرباء لكن ليس بهذه الطريقة، ويضيف: «لا يعقل أن تقوم البلدية بالتصادم مع المواطنين وتخصم 50 % من قيمة الشحن كل مرة.
ويقول المواطن محمود بشير حسان (ميكانيكي) إن طريقة شحن الأرصدة غير مرضية لغالبية المواطنين حسب تصوره، إلا أن الجميع مجبرعلى التعامل معها كونها الوسيلة التي فرضت على المواطنين دون استثناء، مؤكدا انه يلاحظ ارتفاع أسعار الكهرباء رغم الترشيد والتقنين في استهلاك الكهرباء على حد قوله، ما دفع الكثير من المواطنين إلى التخلي عن وسائل التدفئة الأخرى كي لا تنفد قيمة شحن عداد الكهرباء بسرعة. ويقول المواطن أيمن أبو شمس إن عدادات الدفع المسبق تشكل عبئا كبيرا على كاهل المواطنين خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطنون وتتسبب في انقطاع التيار الكهربائي عند انتهاء رصيد الشحن تحديدا أثناء ساعات الليل ولا يتمكن الكثير من المواطنون من شحن العدادات وخاصة ممن يسكنون في مناطق بعيدة عن مركز الشحن وتحديدا كبار السن والمرضى، إضافة إلى تلف الكثير من هذه العدادات والخلل في برمجتها ما يتسبب بضياع قيمة الشحن على الكثير من المواطنين.
وعبر المواطن هيثم جراد الذي يعيل عائلة من سبعة أنفار عن اندهاشه من ارتفاع أسعار الكهرباء في المدينة مؤكدا انه يستهلك من 200 إلى 250 شيقلا شهريا مع انه لا يستخدم مكيفات منزلية أو وسائل تدفئة أخرى، مشيرا أيضا إلى مشكلة عدادات المياه حيث قامت البلدية قبل نحو عام بتغيير الساعات القديمة للمياه واستبدلتها بأخرى حديثة ما أدى إلى ارتفاع معدل أسعار المياه من 90-70 شيقلا شهريا سابقا إلى 250 شيقلا شهريا حاليا، مؤكدا انه تم إبلاغ الجهات المسئولة في بلدية طولكرم ووعدت بحل تلك المشكلة إلا أنها لم تقدم أي شيء جديد لغاية الآن، على حد قول المواطن.
· الحديث عن مشاكل فنية وتقنية كبيرة في عدادات الدفع المسبق تؤدي في كثير من الأحيان إلى فقدان العدادات لبياناتها (ضياع الرصيد) بالإضافة إلى العديد من المشكلات المتعلقة بالصيانة وعدم توفرها أو تأخرها لفترات طويلة. وفي مقابلة نقلتها الدراسة المشتركة سابقة الذكر مع المهندس معاوية الهدمي المدير التنفيذي للشركة الفنية للتطبيقات الهندسية المستورة لجميع عدادات الدفع المسبق للمياه في الضفة الغربية وقرابة 100 ألف عداد كهرباء أكد أنه في الغالب لم تكن تتوفر إمكانيات الصيانة للعدادات، وكذلك لم يتم اختيار العدادات الجديدة والاستفادة من تجارب سابقة في حالات أخرى ودول أخرى، أي تم اعتماد النظام قبل التحضير له، ومن المشاكل المهمة ما يحدث للعداد عند انقطاع التيار الكهربائي. فالكثير من العدادات كانت تفقد البيانات بمجرد انقطاع التيار، وبالتالي يضيع الرصيد من حساب المستخدم ولا تعلم الشركة المبلغ الذي تبقى في العداد، وباختصار كان انقطاع التيار يسبب مشاكل كبيرة في العدادات ولا إمكانية للصيانة على الأقل في مراحل تطبيق النظام الأولي .
9- الآثار والمخاطر
· من المسائل المؤكدة أن هناك ربطا في التحصيل بين قطاعي المياه والكهرباء، وقد صرح رئيس بلدية طولكرم المهندس اياد الجلاد قال : "إن الآلية المتبعة لجباية أثمان المياه والكهرباء متبعة منذ اكثر من عامين وتم ربط دفع ثمن الكهرباء بالمياه لعدة أسباب ...... وبالتالي كان لا بد من ربط المياه بالكهرباء."
· لم تر بلدية الخليل على لسان رئيسها غضاضة في تحصيل كافة مستحقات البلدية من نفايات ومعارف عن طريق بطاقة الشحن الخاصة بالكهرباء، وهذا يعني وجود النية لتطبيق هذه الاجراءات.
· هناك مخاطر ليست قائمة الآن ولكنها محتملة، وتتمثل في أن تقوم السلطة في ظل ظروف معينة بتحصيل كافة المستحقات مثل ضرائب الأملاك ومخالفات السير وضريبة الدخل وقرارات المحاكم وغيرها من خلال الخصم على بطاقة شحن الكهرباء أو الماء، أي أن تصبح البطاقة أسلوب لجباية أي مال تريده السلطة من الشخص، دون أن يكون لديه القدرة على التأخير أو المفاوضة أو حتى اللجوء للقانون (الذي يأخذ مدداً طويلة للبت في القضايا)، لأنه لا يريد أن يبيت في بيت مظلم، وأجهزة بيتية معطلة. ووضع صاحب المشغل والمتجر أشد صعوبة لأنه لا يريد أن تتعطل مصالحه وإنتاجه.
10- ملخص وتفنيد
· مشروع الدفع المسبق عمل تمهيدي لخصخصة المرافق العامة والتضييق على الناس، ودفعهم للاستسلام لسياسات السلطة، وهي سياسة إجرامية من المؤسسات الغربية، البنك الدولي وصندوق النقد وبرنامجهما . السير فيها سير مناقض للحكم الشرعي في الملكية العامة. والسلطة تتصرف فيها كأنها أصبحت هي المالك للكهرباء والماء وكل شيء دون أن تقيم وزنا للناس المالكين الحقيقيين.
والذي يؤكد ان مشروع الدفع المسبق برنامج خصخصة بالإضافة للتصريحات الرسمية هو ما حصل مع بلدية جنين حيث كانت السباقة في تطبيق نظام الدفع المسبق في قطاع الكهرباء، وتفاخر البلدية بتسديدها كامل ديونها للشركة القطرية الإسرائيلية، ثم في النهاية سلمت قسم الكهرباء في البلدية لشركة كهرباء الشمال، وقد سار الموضوع على النحو التالي: حصلت سلطة الطاقة على تمويل من الدول المانحة لشراء قرابة 200 ألف عداد دفع مسبق للكهرباء وبدأ التركيب مجانا في عدة مناطق وتم تمويل بلدية جنين سنة 2007 للبدء بتطبيق النظام في المدينة، ليتم بعد ذلك تأسيس شركة كهرباء الشمال ومساهمة بلدية جنين فيها، وتم نقل قسم الكهرباء بكامل منشآته وأقسامه ومحتوياته للشركة، وهو نفس ما قامت به البلديات المساهمة في الشركة أيضا.
فالسلطة تتعامل مع الفقراء والمعوزين على اعتبار أنهم عقبة تعيق تطور شركات القطاع الخاص في قطاعي المياه والكهرباء نتيجة لتراكم الديون المستحقة لها على الناس، ويمكن لنظام الدفع المسبق ان يزيل هذه العقبة وأن يسحقها.
· الذين يعملون على الترويج للمشروع يحاولون تسويقه من خلال البعد التقني في الموضوع من مثل الميزات الفنية للعدادات مسبقة الدفع والاستهلاك وترشيده وتيسير جمع المستحقات ....الخ ، ومع وجود كثير من التضليل في طرحهم، مثل القول أن تكلفة الكهرباء في برنامج الدفع المسبق أقل تكلفة وغير ذلك ....فإنه لا يجوز أن ينظر إلى هذه المسألة من زاوية تقنية، لأن هذه الزاوية تخالف الأساس الذي وجدت المؤسسة (البلدية) من أجله، حيث لا يجوز أن يصبح العائد المالي مقدما على الأساس الذي وجدت من أجله المؤسسات وهو تقديم الخدمات للمواطنين.
وبسبب اعتماد الزاوية التقنية في الموضوع كان من نتائج برنامج الدفع المسبق في منطقة الشمال أن أدى البرنامج إلى تسجيل انخفاض في كمية الاستهلاك - ما يسمونه ترشيدا - ولكن ما تم تسجيله في نفس الوقت هو تراجع لمستوى النظافة الأمر الذي ينعكس على الصحة العامة.
· إن اعتماد نظام الدفع المسبق يعني ( تسليع الخدمات الأساسية ) بحيث يصير الماء والكهرباء سلعة كأي سلعة في السوق، باستطاعة المرء الحصول عليها إذا توفر له الثمن الآني، وفي هذا هضم لحق الناس فيها، حيث يصبح موقعهم من الخدمات الأساسية مشابها لموقعهم من أموال الأفراد الآخرين ليس لهم فيها أدنى حق ولكن باستطاعتهم شراؤها والحصول عليها إذا توفر لهم المال.
· اعتماد نظام الدفع المسبق يعني ضرب طوق فولاذي على رقاب الناس لا يستطيعون منه فكاكا، وفي موضوع المياه مثلا لا يمكن للعائلة الحصول على شربة الماء حتى تستوفي سداد ما عليها من التزامات مالية تجاه البلدية في أحسن الأحوال وتجاه كل من هب ودب من المؤسسات إذا ساءت أحوال الرعاية أكثر فأكثر عند من في مواقع صنع القرار والمتحكمين في مصائر الناس. ليصبح شعار الحياة : تستطيع شرب الماء فقط إذا كنت نظيفا بريء الذمة من كل مستحق عليك، والخلاصة يصبح الناس كالأسرى عند السلطة القائمة ومؤسساتها.
ومن المعروف أن الأنظمة القائمة تضع قيودا على سفر البعض أحيانا، فتمنع من السفر من على ذمته استحقاقات مالية حتى يؤديها ، وسوف يبدو هذا الإجراء لطيفا ومخففا جدا إذا ما تمت مقارنته بما يمكن أن تقوم به السلطة والمؤسسات التابعة لها (كالبلديات) من خلال برنامج الدفع المسبق للحاجات الأساسية . حيث يمكنه معاقبة الأسرة بأكملها، صغارا وشيوخا ونساء عندما يربط حصولهم على الحاجات الأساسية ببراءة ذمة معيلهم من كل الاستحقاقات المالية، مهما كانت فاحشة وظالمة.
· كما أن القائمين على هذا المشروع لا يهمهم إلا النفع المادي فقط، فالسلطة الفلسطينية عاجزة عن حماية الناس وعاجزة عن توفير العيش الكريم لهم، فكيف يكون مصير الناس إذا تعرضت قرية او مدينة لمنع التجول لمدة أسبوع مثلا فهل السلطة قادرة على شحن عدادات الكهرباء أم ستترك الناس في الظلام وتعرض أموالهم للتلف حتى يرفع منع التجول، وكيف يكون حال الناس إذا انقطعت الرواتب أو منعت التصاريح، فهل ستؤمن السلطة الكهرباء لموظفيها أو للعاطلين عن العمل الذين تقطعت بهم السبل؟! إن السلطة تريد تحصيل أثمان الكهرباء والماء مسبقا فهل هي تعطي موظفيها رواتبهم مسبقا؟ لقد راينا معاناة الموظفين عندما تأخرت الرواتب ورأينا معاناة الفقراء وهم يستدينون من اجل شحن عداداتهم، ورأينا من يشحن عداده بعشرين شيقل. فهل السلطة وشركات الكهرباء تشعر بمعاناتهم.
· قد يقول قائل إن نظام الدفع المسبق بالنظر إلى نوع الخطاب الذي تتصدره البلديات وشركات القطاع الخاص للماء والكهرباء يقوم على أهمية التنظيم والالتزام وتحمل المسئولية من قبل الأفراد. وهذا ينم عن فهم معكوس للعدالة والرعاية حيث يتم من خلاله تحميل (الفقير) مسئولية فقره وحالته المتردية، فيظهر أن سبب تراكم الديون للمؤسسة هو عدم قدرة الفقير على ضبط استهلاكه وتنظيم الدفع وانتظاره للمساعدة، دون النظر إلى طبيعة النظام الاقتصادي الذي أدى بالفقير إلى هذا الحال مع غياب أي رؤية أو سياسة أو برنامج لرعاية هؤلاء الفقراء وسد احتياجاتهم، وهذا الخطاب يندرج ضمن خطاب سائد في النظام الاقتصادي العالمي الذي يتقن ((لوم الضحايا)) وتقديمهم لقمة سائغة للقطاع الخاص، خاصة الشركات الرأسمالية الجشعة.
· والخلاصة أن برنامج العدادات مسبقة الدفع، هو ظلم كبير وعدوان على الناس، إذا كان بغير إرادتهم وعن فهم وإدراك منهم لواقعه، وهو طوق فولاذي حول اعناقهم يمكن السلطة أن تجبي منهم ما تشاء من خلاله دون أن يكون أمامهم أي خيارات أو بدائل، وقد حصل هذا بالفعل.
28/08/2013
[1]فيما يتعلق بنتائج تطبيق المشروع على الأرض، فإن بعض الشواهد المذكورة تحت هذا البند، قديمة نوعاً ما، وقد تكون حصلت فيها تغييرات، ولكنها تغييرات لا تخرجها عن جوهرها، فمثلاً، علمنا أنه في طولكرم تم افتتاح مراكز شحن إضافية، وفي مناطق أخرى تم فتح مراكز شحن في المحلات التجارية مثل محلات السوبرماركت ونحوها، ولكن هذا لا يغير من الأمر سوى قصر فترة الانتظار والطوابير، وربما تكون هذه المراكز الخارجية شيئا مؤقتاً لتشجيع الناس على التعاون مع المشروع، أما إمكانية "أسر" المواطن من خلال الكرت مسبق الدفع للماء أو الكهرباء من خلال المراكز الخارجية، فهي هي لم تختلف، فهذه النقاط أو مراكز الشحن مرتبطة بالكمبيوتر الخاص بالبلدية أو الشركة المزودة، ولذلك يمكن حتى من خلال المراكز خارج البلديات والشركات جباية أموال من المواطنين لا علاقة لها بالكهرباء، مثل الضرائب والنفايات والغرامات الخ....، فالقضية هي مجرد برمجة، تستطيع من خلالها عمل ما تشاء وجباية ما تشاء.