بسم الله الرحمن الرحيم

يحتدم الجدل بين الأطراف الفلسطينية حول ما أُطلق عليه حكومة الوحدة الوطنية والمخرج من "الأزمة" وكان سبق ذلك وصاحَبَه اقتتال سالت فيه دماء زكية وأُزهقت نفوس مؤمنة، وما يزال شبح هذا الاقتتال يُطل برأسه الشيطاني من حين لحين. وكأن المتقاتلين لم يسمعوا قول الله تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) وقوله r في حجة الوداع (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض). فقتال المسلم للمسلم جرم عظيم، والله تعالى جعل لقاتل أخيه أربع عقوبات مهلكات: جهنم خالداً فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعدّ له عذاباً أليماً. ووصَفَ الحديثُ المتقاتلين بأنهم كالكفار في الإثم والمعصية. وفوق ذلك فإن هذا الاقتتال جرى في رمضان شهر التقرب إلى الله وشهر العزة وإلحاق الهزائم الماحقة بالكفار أعداء الله، فبدلاً من أن يوجه السلاح إلى العدو الذي من أجله وجد إذا به يوجه للإخوة فيُسقِط منهم القتلى والجرحى بالعشرات، أما العدو فإنه كان في مأمنه ينظر بارتياح وسرور، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

            وبدلاً من الاقتتال على أُطروحاتٍ لا تختلف إحداها في الجوهر عن الأخرى، إذ كلها تؤدي إلى الاعتراف بكيان يهود والتعامل معه وهضمه في المنطقة كياناً طبيعياً، فإن الأصل أن يتنافس الفريقان في أنجع الطرق لإزالة كيان يهود من فلسطين كلها وليس للتعامل معه سواء أكان التعامل اعترافاً صريحاً به فهو جريمة، أو كان التعامل معه هدنةً معه فهو كذلك جريمة، لأنه كيان قائم على أرض المسلمين والهدنة معه هي اعتراف به، ولا ينطبق عليها هدنة (صلح) الحديبية لأن ذلك كان مع كيان قائم على أرضه قبل فتح مكة، فتجوز الهدنة المحددة مع دولة كافرة قائمة على أرضها إذا كان ذلك في مصلحة المسلمين ، ولكن لا تجوز الهدنة مع دولة قائمٌ كل كيانها على أرض المسلمين لأن أية هدنة معها تعني اعترافاً بذلك الكيان وتقوية وتثبيتاً له.

            أما اللغط الذي يدور حول حكومة الوحدة الوطنية فإنه مفعم بالتضليل السياسي ويحمل في طياته الترويج للحلول الاستسلامية، فهم يدجلون على الناس فيصورون لهم أنهم بين خيارين لا ثالث لهما: اقتتال وفتنة أو حكومة وحدة وطنية وسير مع الكفار في الحلول، وكلا الخيارين يخالف الإسلام. ثم ما هي حكومة الوحدة الوطنية هذه؟!. إن من البديهي أن مثل هذه الحكومة لن تتشكل على مشروع سياسي لاجتثاث كيان يهود من الوجود ولا حتى على مشروع جهاد ومقاومة بما هو متاح من الوسائل، فعلام إذن ستتشكل حكومة الوحدة إن شُكّلت؟!. لا شك أن أساسها سيكون الحلول الاستسلامية والاعتراف بكيان يهود مهما اختلفت التسميات والأشكال والحيل اللفظية، سواءٌ أكانت شروط الرباعية أم المبادرة العربية أم وثيقة الأسرى ومن ثم وثيقة الوفاق فهي جميعاً تعترف بكيان يهود. وإن محمود عباس قد أوضح هذا بشكل جلي في كلمته مؤخراً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث قال (كل حكومة فلسطينية قادمة ستعترف بإسرائيل). 

والاعتراف بكيان يهود لا يقتصر على أن يخرج مسئول يقول (إننا نعترف بإسرائيل)  بل التفاوض مع كيان يهود، أو عقد اتفاقية معه هو اعتراف، ونقل القضية من احتلال فلسطين في 1948 إلى احتلال كيان يهود للضفة وغزة في 1967 هو اعتراف، والموافقة على القرارات الدولية التي تقر بكيان يهود هو اعتراف، وكل تضليل للمسلمين وتزوير للحقائق، أو ترويض لأهل فلسطين باللف والدوران ليقبلوا تقاسم فلسطين في دولتين لليهود، وللسلطة، كل هذا هو اعتراف، وكل افتراء على الله ورسوله بتصوير اتفاق الهدنة أو الصلح مع يهود أنه مثل صلح الحديبية، هو اعتراف.

      إن الحصار والأزمة التي يمر بها أهل فلسطين هي من صنع الكفار أولاً وأخيراً، والمقصود منها كسر إرادة أهل فلسطين حتى يعطوا الدنية في دينهم وكرامتهم، فتُمرر الحلول الخيانية عليهم وهم في غفلة الراتب والرغيف. وهو نتيجة شد وتجاذب بين الدول الكبرى الكافرة ومصالحها، وهم جميعاً يعملون لضرب الإسلام والمسلمين وجعل سلطان كيان يهود يعلو فوق كل المسلمين. فليس من المصادفة أن يزور توني بلير الضفة وغزة على عجل ويعِدُ بأن حكومة الوحدة الوطنية إن شُكّلت فإن بريطانيا (ومعها أوروبا) سترفع الحصار ويبدأ تدفق الأموال، وليس صدفة أن تجيبه الخارجية الأمريكية في الليلة ذاتها بأن الحصار سيظل مفروضاً ولو شُكلت حكومة الوحدة حتى يحقق الفلسطينيون جميع الشروط المطلوبة، وليس صدفة كذلك أن يرجع محمود عباس من أمريكا يقول إن المفاوضات بشأن تشكيل الحكومة عادت إلى نقطة الصفر.

إن الله تعالى قد حرم علينا موالاة الكفار فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). فلا يصح بعد هذا أن تكون علاقتنا مع الأوروبيين تختلف عن علاقتنا مع الأمريكيين، لأن ملة الكفر واحدة، وإن أوروبا وأمريكا ويهود، كلهم يقرون بقاء دولة يهود وتقويتها، ولذلك فأي حلٍّ عن طريق أمريكا أو أوروبا أو يهود سيكون ضرراً بالغاً على الإسلام والمسلمين. أما دول العالم الإسلامي والدول العربية خاصة فأيهم ليس نظاماً عميلاً ؟ وأيهم لا يخدم يهود ؟ وأيهم لا يحارب الإسلام ؟ فكيف إذن نسير في ركابهم ونرجو منهم الخير ؟! والله تعالى يقول (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ).

 

ولا يجوز التفكير بالخروج من الأزمة الحالية إلاّ على أساس الإسلام، أما التفكير على أساس الخبز والرواتب فإنه يحقق مآرب الكفار الذين يفرضون هذا الحصار، والحقيقة أن الأزمة الحقيقية هي السير في قضية فلسطين نحو هاوية الاعتراف والتصفية، وتشديد الضغوط على أهل فلسطين ليقبلوا ذلك، وعليه يكون العلاج في أمرين: أولهما أن تصبروا يا أهل فلسطين يا أحفاد الفاتحين وأن تعتصموا بحبل الله المتين وأن لا تلينوا ولا تخضعوا للكفار مهما ضغطوا عليكم، والله معكم ولن يتركم أعمالكم. وثانيهما أن حركة حماس رغم أننا حذرناها من حرمة وخطورة المشاركة في الانتخابات في ظل الاحتلال ثم عدنا وبينّا لها أن إيصالها إلى السلطة كان شَرَكاً لها، نقول رغم ذلك فإننا نعيد على إخوتنا الحل الشرعي للوضع القائم: إن حركة حماس – وهي اليوم تمثل أكثرية قانونية - عليها أن تعيد قضية فلسطين إلى أصلها وأن تنقض كل ما تم توقيعه من اتفاقيات باسم أهل فلسطين، وأن تنـزع الشرعية عن منظمة التحرير التي عقدت كل تلك الاتفاقيات الخيانية زوراً وبهتاناً باسم أهل فلسطين، وأن تعيد القضية إلى الأمة الإسلامية وتُحَمِّلها مسئولية تحرير فلسطين كل فلسطين، ثم تعلن عدم شرعية هذه السلطة التي أنجبها الاحتلال وتخرج منها.

 أيها المسلمون في فلسطين، انبذوا حكومة الوحدة الوطنية، وانبذوا الحرب الأهلية والحلول الاستسلامية، وإياكم السير وراء مخططات أمريكا وأوروبا ويهود وأعوانهم في فلسطين، وانبذوا من بين ظهرانيكم كل مجرم داعٍ للفتنة والحرب الأهلية، قال النبي r (..فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم  هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا - أعادها مراراً) ، واعلموا أنه لا يوجد حل وسط ولا قاسم مشترك بين طاعة الله ومعصيته ولا بين الحكم الشرعي وحكم الطاغوت ولا بين الإخلاص لدين الله والسير في مخططات الكفار وأذنابهم من حكام المسلمين العملاء.

واعلموا أن الحل الحقيقي الجذري لقضية فلسطين هو ما أخبر عنه الصادق المصدوق r (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون ... الحديث). وسيكون هذا بإذن الله تحت إمرة خليفة المسلمين الذي نرجو الله أن يجعل بيعته قريبة إنه سميع مجيب.

 (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)

 حزب التحرير – فلسطين 23 رمضان 1427هـ                                               الموافق 15/10/2006