إن المتابع لفعاليات الذكرى الثالثة والستين لإنشاء كيان اليهود، والتحضير لها في فلسطين وخارجها، ليلمس لمس اليد أن الأمة تسير في واد والحكام (ومعهم السلطة الفلسطينية) يسيرون في واد آخر، فهذا ما تنطق به مثلا وقائع يوم الجمعة 13/5/2011 الذي أطلق عليه (جمعة النفير)، فقد صلى المشاركون في الفعاليات صلاة الفجر المليونية فبدؤوا فعالياتهم بذكر الله، والتسبيح والتكبير والتهليل، ثم صدحوا في حشودهم المليونية بعبارات التحرير والجهاد والاستشهاد.
أما الحكام وأشباههم ووسائل إعلامهم المضللة، فقد تواطؤوا على احتواء هذه المشاعر الصادقة والعزائم المتوثبة عند رجال هذه الأمة بكل الأساليب، وهم يحاولون تضليلها وحرفها عن الطريق المنتج الصحيح، فقد تطابقت لغة الحكام والإعلام في توجيه هذه الفعاليات وهؤلاء الرجال المشتاقين للشهادة نحو القرارات الدولية، والتعويضات، والأمم المتحدة، لإبعادهم عن حقيقة التحرير. أما الانتفاضة فإن رئيس السلطة محمود عباس كان في 20/4/2011 قد تعهد بمنعها فقال (ما دمت رئيساً للسلطة الفلسطينية لن اسمح أبداً باندلاع انتفاضة جديدة مهما كان شكلها).
أيها المسلمون في بلاد الإسلام، يا أهل فلسطين، أيها المنتفضون، أيها الثائرون،
لا يخدعنكم الحكام وأجهزتهم الإعلامية، ولا يلفتُنكم عن شيء من أحكام دينكم، فإن هتافاتكم وشعاراتكم قد أرعبتهم وأرعبت أسيادهم المستعمرين، ولذلك يعملون وإعلامهم المضلل لحرفكم عنها وتزوير حقيقة توجهاتكم.
لقد كانت هتافاتكم صفعة على وجوه الحكام الذين ما فتئوا يذكرون السلام والمفاوضات مع اليهود أكثر مما يذكرون الله، وإن هتافاتكم تدل على أنكم تدركون حكم ربكم في قضية فلسطين، وأن حلها الحقيقي يكون بالجهاد والجيوش الجرارة التي تستأصل كيان يهود، وأنكم تتوقون إلى الشهادة في سبيل الله جنوداً في جيش تحرير فلسطين، إن الكفار وأعوانهم من الحكام يعلمون أنكم حين هتفت حشودكم (عالقدس رايحين شهداء بالملايين) من صميم قلوبكم، فإنكم لا تعنون بذلك أن تستشهدوا على طاولات المفاوضات، ولا أن تستشهدوا وانتم تطالبون الأمم المتحدة بالتدخل، ولا وأنتم تطالبون بتعويض اللاجئين، بل أن تستشهدوا في ساحات الوغى، ساحات الجهاد والشرف والعزة، وإن الحكام والكفار المستعمرين من ورائهم يعلمون أن من يهتف مخلصاً قلبه – كما هتفتم – (كلنا صلاح الدين هنحررك يا فلسطين)، فإنه يعني أن يكون مجاهداً في سبيل الله، وعبداً من عباد الله الأتقياء أولي البأس الشديد، فإن صلاح الدين رحمه الله أقسم ألا يبتسم حتى يحرر المسجد الأقصى من دنس الكافرين، وقد أكرمه الله بهذا الشرف العظيم.
لقد كانت هتافاتكم صفعة قوية على وجه منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية الذين يزعمون أن فلسطين هي قضية الفلسطينيين، وأثبتم بشكل محسوس ملموس أن قضية فلسطين هي قضية مليار ونصف مليار مسلم. وإن على المسلمين في بلاد العرب والعجم أن يستنقذوا هذه القضية من أيدي منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، الذين اختطفوا هذه القضية بتواطؤ دولي، ليعيثوا فيها فساداً وليوقعوا لليهود صكوك الملكية في هذه الأرض المقدسة. وإننا في هذا السياق نعود فنحذر حركة حماس من خطورة السير مع المنظمة والسلطة في المسار السياسي، لأن هذا يضفي "الشرعية الدولية" على اتفاقيات المنظمة والسلطة مع اليهود، ويجعل من حماس خاتماً "إسلامياً" على بيع معظم فلسطين، قصدت حماس ذلك أم لم تقصد. فالواجب عليهم أن يهدموا منظمة التحرير بدلاً من ترميمها والدخول فيها، فإن الممثل الشرعي يلزم للتفاوض مع اليهود، ولا يلزم للتحرير.
أيها المسلمون، يا أهل فلسطين، أيها المنتفضون، أيها الثائرون،
إياكم أن تطالبوا بتحكيم القانون الدولي في قضية فلسطين، فهل القانون الدولي إلا حكم الطاغوت، أو تطالبوا بالتعويض عنها، فهل التعويض إلا بيعاً لفلسطين تحت اسم خادع برّاق، وإياكم أن تطلبوا تنفيذ القرارات الدولية بخصوص فلسطين، فهل ضَيّع فلسطينَ بعد الحكام إلا هذه القرارات، أوليست هذه القرارات هي التي أوجدت كيان اليهود (إسرائيل) خنجراً في خاصرة الأمة. وهل يحل لنا أن نجعل هذا الطاغوت يحكم بيننا وبين اليهود في الأرض المقدسة، فنكون من الضالين (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ).
إن مسيراتكم ورفعكم أصواتكم لتذكير الأمة بواجبها الحقيقي تجاه فلسطين، ألا وهو التحرير الكامل، هو أمر عظيم يأجركم الله عليه بإذنه تعالى، ولكن اعلموا أن فلسطين لا يحررها زحف العزل إلى حدودها من أجل الهتاف، أو محاولة المرور، بل يحررها زحف جيوش المؤمنين الذين أعدوا ما استطاعوا من قوة ترهب عدو الله وعدوكم، وإن روح الجهاد والاستشهاد المنبعثة في الأمة اليوم، تجعل ذلك أقرب للتحقيق من أي وقت مضى، ولقد أثبتت حرب رمضان 1973، أن استئصال كيان اليهود هو مسألة يوم أو بعض يوم، إن أخلصنا النية لله تعالى، ولم يتواطأ حكامنا مع أعدائنا.
ولأجل هذا فإن عليكم أن تتوجهوا إلى معسكرات الجيوش ومقراتها وأفراد الجيوش وضباطهم حيثما كانوا، وان تخاطبوهم وتذكروهم بواجبهم العظيم تجاه مسرى رسول الله، قولوا لهم فليحركوا آليّاتهم وطائراتهم التي علاها الصدأ، فهي للتحرير وجدت، لا لحماية الحكام ولا لقمع المسلمين صنعت، ذكروهم بأن الله وعدهم إحدى الحسنيين، قولوا لهم قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
إن حكامكم والسلطة الفلسطينية، لا يريدون تحرير فلسطين، بل يريدون السلام مع اليهود، فهو خيارهم الاستراتيجي كما يقولون في كل مناسبة، والسلام هو نقيض التحرير، فإن التحرير يعني إزالة كيان اليهود من فوق أرض فلسطين، أما السلام فيعني بقاء كيان اليهود، وإلا فمع من يكون السلام.
ولذلك اعملوا أن يطغى على فعالياتكم وشعاراتكم هذا الفهم الشرعي لقضية فلسطين، وخاطبوا جماهير الأمة وعلى رأسهم الجيوش بذلك، ولا تقبلوا بديلاً عن الحل الجذري الذي يرضاه رب العالمين، وأعلموا أننا على مثل اليقين أن الحكام الحاليين وإن تبدلت وجوههم، لن يحرروا فلسطين، ولذلك فالواجب عليكم أن تعملوا على تغييرهم وتغيير النظام الذي تُحكم به بلادكم، وأن تعملوا على تطبيق الإسلام كاملاً غير منقوص، في كيان يكون حاكمه خليفة لكل المسلمين يجمعهم على دين الله ويرعاهم بأحكام الله، ويكون لهم حامياً كما قال صلى الله عليه وسلم (الإمام جنة يُقاتل من ورائه ويُتقى به)، ويحرر بهم ومعهم فلسطين وكل بلاد المسلمين المحتلة.