بسم الله الرحمن الرحيم
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
الإسراء والمعراج معجزة كبرى رأى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من آيات ربه الكبرى؛ إذ فُتحت له أبواب بيت المقدس وأبواب السماء بعد أن استيأس من أهل مكة والطائف، فكانت تثبيتاً وبشرى للمؤمنين، ثم نزلت سورة الإسراء بقضاء الله في بني إسرائيل وإفسادهم، فقال تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي سْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾، وهذا الربط الحكيم بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى وفساد بني إسرائيل في الأرض، هو رسالة وعيد لبني إسرائيل وبشرى خير لخير أمة أخرجت للناس.
أيها الناس: لقد بغى بنو إسرائيل في الأرض وعلوا علواً كبيراً بفسادهم حتى طال فسادهم الأرض كلها وليس بيت المقدس فحسب، لقد رأيتم ساديّتهم واحتقارهم للناس، فهم ينظرون إلى الناس بدونية مقيتة بل يعتبرونهم أقل من الحيوانات، ويحسبون أن تقديم الدعم لهم والدفاع عنهم هو استحقاق على دول العالم يجب عليها أن تؤديه، وهذا مما ذكره الله عنهم ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾، بل تطاولوا على الله عز وجل ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا﴾، ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، فهل من قوم أعظم جرماً فساداً من قتلة الأنبياء؟! قاتلهم الله أنى يؤفكون.
إنهم رأس حربة في الربا، والرشوة، وشراء الذمم، والعري، والإباحية والمثلية، والكذب والبهتان، وسبحان الله العظيم عند تتبع هذه المفاسد تجد "المغضوب عليهم" سباقين فيها مسارعين في إشاعتها بين الناس، حتى أصبح العالم كله يعاني من هذه المفاسد، بل تعاني منها الدول الغربية بشكل فظيع، وهذه حقيقتهم ي كتاب الله ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾، ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً﴾.
وقد أوغل كيان يهود في إفساده، وأظهر شدة عداوته في حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من أربعة أشهر في الأرض المباركة، إذ ارتكبوا المجازر وقتلوا النساء والأطفال، ومنعوا الطعام والشراب، وهدموا البيوت والمساجد والكنائس والمدارس والجامعات والمستشفيات، ودمروا المرافق العامة والطرقات، قطعوا الاتصالات، واستهدفوا الطواقم الطبية والإعلامية في مشهد إجرامي فظيع انتهكوا فيه الحرمات والقوانين والأعراف والقيم الإنسانية والأخلاقية، وهذا الإجرام يُنقل إلى العالم في بث حي ومباشر! إمعاناً في إذلال المسلمين، وسحقاً لكل القوانين والأعراف الدولية.
أيها المسلمون: لقد بانت لكم حقيقة حكامكم العملاء، وحقيقة الدول الغربية ومؤسساتها الإجرامية، وتعلمون أن ما أصابكم ويصيبكم من قتل وفرقة وذل ونهب ثروات لم يكن ليصيبكم في ظل الإسلام وسلطان الإسلام، فغياب الحكم بما أنزل الله أورثكم ضنك العيش، وحكام الطاغوت حراس مخلصون ليهود والدول الغربية، إذ فتحوا بلاد المسلمين على مصراعيها لأعداء الإسلام يعيثون فيها فساداً ونهباً حتى أضحى الربا يطرق كل باب والعري أمام كل عين، وكبلوا جيوش المسلمين وأفسدوها لتكون حامية للعروش والحدود لا جيوشاً مجاهدة ترهب العدو وتذود عن عزة الأمة وتحفظ بيضة الإسلام.
انظروا إلى حالكم أيها المسلمون، "المغضوب عليهم" يدنسون المسجد الأقصى صباح مساء، ويمعنون في قتلكم وإذلالكم، وإمدادات السلاح والغذاء تصل إليهم من بلاد المسلمين، وفي المقابل الأنظمة الخائنة وعلى رأسها النظامان الأردني والمصري، تُحكم قبضتها على الناس، وتُحاصر الأرض المباركة وتَمنع عنها أسباب الحياة إلا ما يأذن به يهود، انظروا إلى الشام والعراق وما حل بهما، وإلى السودان والصومال وما أصابهما، وهذه ليبيا واليمن وأرض الحجاز، وتلك الكنانة وباكستان، وهناك تركستان وكشمير وبورما،...الخ، فكل بلاد المسلمين ترزح تحت صنوف من الإذلال والفقر والقهر والظلم والطغيان.
أيها المسلمون: أما آن لكم أن تثوروا ثورة تقطعون بها دابر الكفر وحكام الطاغوت من بلاد المسلمين؟! أما آن لكم أن تدركوا أن سكوتكم على الأنظمة الخائنة خشية على أنفسكم وأموالكم قد كبدكم خسائر هائلة من دمائكم وأعراضكم وأموالكم وكرامتكم؟! أما آن لكم أن تبصروا أن استجابتكم لله ورسوله فيها حياتكم ونجاتكم ورضوان ربكم، فتهبوا جميعاً لخلع عروش الخائنين وتوحيد بلاد المسلمين على قلب رجل واحد يؤمن بالله ويخشى اليوم الآخر؟! يا أمة الشهادة على الناس... يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم: إن مسؤوليتكم عن الإسلام توجب عليكم أن تنهضوا لدين الله أعزةً لا تخشون في الله لومة لائم، توجب عليكم أن تخاطبوا أبناءكم في القوات المسلحة ليقوموا بواجبهم تجاه دينهم وأمتهم ومسرى رسولهم.
إن مسؤوليتكم تجاه العالم مسؤولية عظيمة لإخراجه من ظلمات الرأسمالية وجورها إلى نور الإسلام وعدله، وستسألون عنها يوم العرض بين يدي الله تعالى، وهذا يوجب على قوى الأمة الإسلامية العمل بكل طاقتها لإقامة دين الله في الأرض وإسقاط أنظمة الطاغوت وتوحيد الأمة تحت راية واحدة.
إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة اجتباها الله تعالى لإقامة دينه وحمل وحيه ورسالته إلى الناس كافة فاستحقت بهذا الفضل مقام الرسل والأنبياء من أقوامهم، فكانت شاهدة على الناس، وحسبكم في هذا قول الله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾.
وفي الختام: هذا ما أردنا أن نخاطب به أمتنا في ذكرى الإسراء والمعراج وفي ذكرى هدم الخلافة، مذكّرينكم بسورة الإسراء، وبإمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنبياء في المسجد الأقصى، والتي فيها بشارة وإشارة إلى هيمنة الإسلام على ما سواه، وأن موقع الأمة الإسلامية هو موقع الإمامة والقيادة، مذكرين أيضاً بمسؤوليتكم تجاه الإسلام والناس كافة، ومستنصرين جيوشَكم لتقوم بواجبها نصرة لله ورسوله فتزحف إلى بيت المقدس حاملة إليه العزة والتحرير حيث مهبط الخلافة التي ستملأ الأرض قسطاً وعدلاً بإذن الله.
وإننا في حزب التحرير نتطلع إلى نصر الله تعالى وخلافة راشدة على منهاج النبوة تعيد نظم العلاقات الدولية من جديد على أساس واحد هو نشر الإسلام حتى يبلغ ما بلغ الليل والنهار مصداقاً لما أخرجه البيهقي وغيره بإسناد صحيح عن تميم الداري رضي الله عنه قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قول: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزّاً يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلّاً يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ».
وأخيراً تدبروا قول الله تعالى: ﴿وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً * وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾ [الإسراء: 104-105]
السابع والعشرين من رجب 1445هـ حزب التحرير
الموافق 8/2/2024م الأرض المباركة فلسطين