بيان صحفي
كلمة مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير المهندس عثمان بخاش
لمؤتمر "دور العلماء في إقامة دولة الخلافة" في إندونيسيا
شارك المهندس عثمان بخاش مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير بكلمة ألقاها عبر السكاي بي في مؤتمر "دور العلماء في إقامة الخلافة" الذي انعقد في جاكرتا بإندونيسيا يوم الثلاثاء 18 ذو القعدة 1434هـ الموافق 24 أيلول/سبتمبر 2013م. وفيما يلي نص الكلمة كاملاً:
----------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل في كتابه الكريم، وقوله الحق: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)) [آل عمران: 110].
والصلاة والسلام على رسول الله قائد المجاهدين، وهو القائل: «لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، وَلَتأْطِرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَ بني إسرائيل» [رواه أبو داوود والترمذي].
أيها الأحبة العلماء الأجلاء المجتمعون في جاكرتا لنصرة هذا الدين ولإعلاء كلمة الله، أحييكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إنه لمن دواعي سروري أن أتحدث إليكم، ولو عبر السكايب، بعد أن أكرمنا الله سبحانه بالمشاركة في مؤتمر الخلافة الذي احتضنتموه في شهر رجب الماضي، ورأيت بأم العين الأحبة الذين وصلوا الليل بالنهار لإنجاح ذلك المؤتمر، فجزاهم الله عن الأمة خير الجزاء.
أيها العلماء الأفاضل
يا من استودعكم رسول الله أمانة تبيين العلم للناس، فجعلكم ورثته في تعليمهم ما جهلوا من أحكام دينهم، كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي «... وإن العلماء ورثة الأنبياء»
فالناس بلا علماء هم جهال تتخطفهم شياطين الإنس والجن ويتكالبون عليهم من كل حدب وصوب وتعصف بهم الضلالات والأهواء من كل جانب. ومن هنا كان العلماء من نعم الله على أهل الأرض، فهم مصابيح الدجى وأئمة الهدى، وحجة الله في أرضه، بهم تُمحق الأفكار الضالة وتنقشع غيوم الشك من القلوب والنفوس، شبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنجوم بقوله: «إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. فإذا انطمست النجوم أو شكت أن تضل الهداة» [رواه أحمد].
وفي تاريخ المسلمين المضيء صفحات وصفحات من مواقف العز والبطولة التي وقفها علماء المسلمين في الصدع بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتصدي لمظالم الحاكم متى جار في حكمه، فكانوا دوما قادة الأمة وموجِّهيها، وكانت الأمة تلجأ إليهم في الملمّات والشدائد لتتلقى علم الدين منهم، وتتجه إليهم ليشيروا عليها في أمورها المهمة، ولرفع ظلم الحكام عنها، فيقوم العلماء بتذكير الحكام والولاة بربهم... وكان العلماء يُضطهدون من قبل ذوي السلطان أحيانا، ويُلقَوْن في السجون أحيانا، ويُؤذَوْن في أبدانهم وأموالهم وكراماتهم أحيانا أخرى، ولكنهم يصمدون أمام هذا كله تقديرا لمسؤوليتهم أمام الله سبحانه، متخذين من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» [أخرجه الحاكم] ...نعم هذا كان ديدن العلماء فيما مضى، ثم جاء الاستعمار الأوروبي أولا، والأمريكي ثانيا، فعمل الكفار على تخريج نفر ممن يزعمون أنهم من "العلماء"، ولكنهم يفتون بحسب ما يلقي شيطان المستعمرين في روعهم من فتاوى تبيح الباطل الذي حرمه الله، وتحرم الفريضة التي أوجبها الخالق سالكين في فتاويهم سبلا معوجة ليلبسوا على الناس دينهم، ويصدروا من الفتاوى ما يوافق هوى المستعمرين من إخضاع للأمة لسلطانهم واحتكامها لقوانينهم الوضعية الفاسدة الباطلة.
وأكتفي بذكر بعض الشواهد:
1- فمن ذلك فتوى محمد عبده صنيع الاستعمار الإنجليزي في مصر فيما عرف بالفتوى الهندية، حين سئل أيجوز للمسلم المستخدَم عند الإنجليز الحكم بالقوانين الإنجليزية وفيها الحكم بغير ما أنزل الله، وبعد جواب طويل مليء بالاستشهاد المنحرف خلص إلى نتيجة "إن قبول المسلم للعمل في الحكومة الإنجليزية في الهند وحكمه بقانونها هو رخصة تدخل في باب قاعدة ارتكاب أخف الضررين"، ولم يكتف بهذا بل استمر ليقول: "إن لم تكن عزيمة يقصد بها تأييد الإسلام وحفظ مصلحة المسلمين". فيا سبحان الله، كيف أصبحت معصية الله وطاعة الكافر المستعمر عزيمة!!
2- فتوى ابن باز، ومن معه ممن يسمون بهيئة كبار العلماء للحكومة السعودية بجواز الاستعانة بقوات الكفر الأمريكية لمقاتلة جيش العراق وإخراجه من الكويت في حرب الخليج الثانية (1990-1991)، مع مناقضة هذه الفتوى كل المناقضة لقول الحق تعالى: ((ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا))، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تستضيئوا بنار المشركين»، بل حتى مناقضته لمذهب محمد بن عبد الوهاب الذي عد مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين من نواقض الدين مستدلا بقوله تعالى: ((وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ))، ولكن ابن باز ومن معه صمّوا آذانهم عن كل هذه الأدلة واعتمدوا الفتوى التي صيغت في البيت الأسود وطبخت في واشنطن، فباء هؤلاء العلماء بإثم دماء المسلمين في العراق...
3- وأخيرا، وهذا من قبيل الشواهد لا الحصر، وقوف شيخ الأزهر أحمد الطيب، إلى جانب الجنرال السيسي في انقلابه ضد حكم محمد مرسي، رغم أن هذا الأخير لم يقم بتطبيق الإسلام، بل كان وفيا لمبادئ "الشرعية الديمقراطية" الكافرة. ومع هذا لم يتحمل شيخ الأزهر ديمقراطية مزورة يقودها رئيس ملتحٍ، ففضّل الوفاء لساسة واشنطن بتشريع وتبرير إطاحة محمد مرسي...
أيها العلماء الأجلاء
بعد أن هدمت دول الغرب الكافر دولة الخلافة في 1924 /1342هـ قامت بفرض التجزئة على الأمة الإسلامية، ونصبوا حكاما عملاء لهم يسهرون على تطبيق أحكام الكفر وسياسة الناس بالقهر والجبروت، فقام مصطفى كمال وأقرانه من الحكام بحملات شعواء لفرض التغريب على المسلمين لحملهم على تجرع سموم الحضارة الغربية المادية الكافرة مستعملين الترهيب والترغيب، فمن سايرهم في سياساتهم قربوه وألقموه بعضا من لعاعة الدنيا الفانية من مناصب ومكاسب، ومن قاومهم وأصر على الصدع بالحق والتصدي للباطل كان جزاؤه التنكيل، من سجن ونفي وقتل واضطهاد هو وأهله ومن شايعه وناصره من المسلمين، وآخر ذلك في هذا الشهر، على سبيل المثال لا الحصر، ثلة الشهداء من شباب حزب التحرير الذين لقوا ربهم وهو عنهم راض - إن شاء الله - في روسيا، والعراق، وطاجيكستان، وأوزبكستان...
وها هو العالم كله يشهد استمرار حمام الدماء في سوريا الشام التي باركها الله سبحانه في كتابه ووصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها «عُقْرَ دَارِ الإِسْلامِ».
فأهل الباطل من دول الكفر، ومن يسير في خططهم من حكام المسلمين في إيران والخليج وتركيا والأردن، يخيرون أهلنا في الشام: إما القتل وإما القتل سواء بالكيماوي أو بالمتفجرات حتى يرضوا بسمّ العلمانية الكافرة.
الحديث ذو شجون ويطول...
ولكن حسبي أن أُحيّيَ جمعكم المبارك هذا، وأن أنشدكم الله فيما ائتمنكم عليه من أمانة العلم أن تبينوا للناس فرائض الدين، وأول ذلك العمل لإقامة دولة الخلافة التي فيها عزُّهم وكرامتهم ومرضاة ربهم.
والمتابع لما يجري من سجالات ونقاشات في بلاد المسلمين شرقا وغربا يدرك الحاجة الماسة لقيامكم بتحطيم أفكار الكفر وإبراز الأفكار الإسلامية وقيادة الناس في التصدي لمخططات دول الكفر، وكشف حقيقة العملاء من السياسيين والمفكرين الذين يضللون المسلمين ويروجون لمخططات الأعداء، فنرجو أن تضعوا أيديكم معنا لدعوة الأمة إلى:
1- حمل الدعوة من أجل استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة، التي هي رئاسة عامة للمسلمين، أي ليست دولة قطرية ولا وطنية، بل تقوم على العقيدة الإسلامية وتطبيق أحكام الإسلام كاملة في الداخل، وحمل دعوته للعالم لإخراجه من الظلمات إلى النور.
2- وقيادة الأمة لأخذ الحكم بالصراع الفكري والكفاح السياسي تأسيا بمنهج الرسول الكريم.
3- وعدم مهادنة الأنظمة القائمة ولا بحال من الأحوال، مع كشف مؤامراتها وبيان سياساتها الزائفة وتحطيم الشخصيات المضللة.
4- وأن يكون شعارنا في هذا كله قول الرسول صلى الله عليه وسلم «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه»
ونحن لا نشك لحظة أن الله سبحانه منجزٌ لنا وعدَه،((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ))
نسأل المولى سبحانه أن ينصرنا بدينه وأن ينصر دينه بنا عاجلا غير آجل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم
عثمان بخاش
مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير