محاور سوريا من حيث الصراع
فيما يلي جواب سؤال ورد عبر صفحة أمير حزب التحرير، العالم والسياسي الشيخ عطاء بن خليل أبو الرشتة، للفاتح الجديد Alfateh Akjadeedأحد رواد الصفحة.
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أميرنا الكريم
نحن بأمس الحاجة الآن للرأي السياسي، وأرى أن الأسئلة تدور حول جزئيات فقهية علمية بحتة، ومكانكم يتطلب أن تكونوا بمستوى الأحداث، دوركم السياسي يا سيدي مهم بقدر شخصيتكم العلمية، يمكنكم تحويل الحوار بطرح جولة أفق سياسية، وتحليلات سياسية، وأعمال سياسية تحركون بها العالم، الشباب ينتظرون منكم التوجيهات المفتوحة المرافقة للتوجيهات الحزبية، هذه الصفحة يا سيدي إن لم تحرك العالم فلا كانت ... وإن كانت ستجر الشباب إلى الأبحاث الفقهية كنوع من الترف الفقهي فلا كانت ... جزاكم الله خيرا، ويقيني بالله ان الخلافة قادمة بالأمة ومع الأمة ونحن جميعا نسير في تدبير يصنع الله فيه للبشرية خيرا .... يتجسد في هذا المسير معنى (النصر من عند الله)... اللهم إنا نبرأ من حولنا وقوتنا إلى حولك وقوتك وقدرتك العليا يا رب العالمين والسلام عليكم
الجواب :
إلى الفاتح الجديد Alfateh Akjadeed
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
تسأل إن كانت الصفحة للأمور السياسية أو الفكرية أو الفقهية...
يا أخي الصفحة هي لكل خير يُرتجى من هذا التواصل، فلا يمنع أي سؤال في أي باب من أبواب الخير إن شاء الله.
أما سؤالك عن محاور سوريا من حيث الصراع فإن المسألة كالتالي:
1- إن النفوذ السياسي الفعلي منذ عهد حافظ وبشار هو النفوذ الأمريكي، فكان هذا النظام محققاً مصالح أمريكا في المنطقة، وحافظاً أمن كيان يهود ليس فقط في المحتل 48 بل كذلك في الجولان المحتل 67.
2- عندما حدثت التحركات الشعبية في سوريا وتصاعدت، وأصبح بشار أعجز من أن يعيد الأمور كما كانت، أدركت أمريكا أن عمليها الطاغية أصبح ساقطاً حكما، وصار همها كيف تضمن العميل البديل بعده، فجدت واجتهدت وأقامت المجلس فالائتلاف... ولكنها لم تستطع إيجاد جذور لهما في الداخل، وأصبحت تخشى أن يتمكن الثائرون من إسقاط الطاغية قبل إنضاج البديل ومن ثم تملأ المكان قوى غير محسوبة لأمريكا.
3- فصارت تعطي المهلة تلو المهلة لبشار بمشاريع عبثية غير حاسمة عن طريق الجامعة والأمم المتحدة، فتشكل مراقبين لا يستطيعون حماية أنفسهم، واجتماع هنا واجتماع هناك دون حسم وإنما لتمضية الوقت لكي تستطيع تسويق صنائعها المقيمين في الخارج فيقبلهم الناس حكاماً لهم في الداخل.
4- الذي فاجأ أمريكا أن الغالب على الداخل هو المشاعر الإسلامية، سواء أكان أصحابها من الواعين على أفكار الإسلام وأحكامه أم من غير الواعين... وقد قضَّ مضجع أمريكا كذلك نداءات الناس بالخلافة وصيحاتهم، حتى إن الأصوات الأخرى العلمانية...الخ كادت تضيع في الزحام مع أن التركيز مكثف عليها من وسائل الإعلام!
5- هذا الجو يُدخل الرعب في قلب أمريكا وأحلافها وتخشى أن تفلت الأمور من يدها، لذلك تركز على ثلاثة أمور:
الأول: الضوء الأخضر لبشار في القتل والبطش بأكبر قدر ممكن كضغط على الناس في الداخل ليقبلوا صنائع أمريكا في الخارج، ثم إدخال هذه الصنائع وإقامة حكم مدني علماني في سوريا، أي تغيير وجوه وإبقاء بنية النظام الأساسية.
الثاني: فإن لم تستطع تسويق صنائعها بمجازر بشار فالمتوقع أن تلجأ للتدخل الدولي لفرض حكومتها، وهي تُعدّ المسرح بحجج وأعذار للتدخل عندما يلزم، ولكن لكثرة مشاكلها وأزماتها الداخلية والخارجية، فإنها تجعل التدخل هو في الخطوط الخلفية من مشاريعها، ولا تلجأ إليه إلا بعد فشل الخط الأول المذكور أعلاه.
والثالث: خلال هذه المدة تكون قد أوصلت البلد إلى الدمار حتى إذا غلبها الإسلام على الحكم في سوريا كان البلد قد كثر فيه الدمار والخراب ظناً من أمريكا وأحلافها أن هذا سيجعل الأمة تيأس وتقنط وتقعد عن النهوض والحركة، ولكن أمريكا وكل أعداء الإسلام لا يدركون عظمة هذه الأمة، فإن في أصلابها الرجالَ الرجال الذين يعمرون الأرض رغم أنف الظالمين، ويُكثرون الزرع والضرع رغم كيد المنافقين، ولقد عهدت هذه الأمة أشياعهم من قبل: الصليبيين والتتار الذين عاثوا في الأرض فساداً وإفساداً وقتلاً وتدميرا، ومع ذلك فقد قهرتهم الأمة، وطردتهم شر طردة، وأصبحوا أثراً بعد عين كأن لم يغنوا بالأمس، وعادت الأمة تحيا من جديد، تدمر أعداءها، وتقضي عليهم من حيث لا يحتسبون، وتعود الأمة خير أمة أخرجت للناس (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).
6- هذا عن أمريكا... أما روسيا وتركيا وإيران وأحلافها في لبنان فهي خطوط أمامية لأمريكا تزود بشار بالسلاح وتدعمه... وتسخِّن المسرح أو تبرده وفق المخطط الأمريكي، وفي هذا السياق كان الاجتماع الأخير لوزير خارجية أمريكا مع وزير خارجية روسيا، فهو "تمضية وقت" أقرب إلى حديث الدواوين منه إلى قرارات...
7- أما أوروبا فهي تحاول "المشاغبة" عن طريق عملائها وبخاصة قطر والأردن، علماً بأن أمريكا لا تقيم لهم وزنا، فهي تركت أوروبا سيدتهم تسعى خلفها، فبعد أن ذهبت أمريكا إلى روسيا واجتمعت معها في موضوع سوريا إهمالاً لدور أوروبا! قام رئيس وزراء بريطانيا بالذهاب إلى روسيا مقتفياً خُطا أمريكا ليرى إن كان هناك شيء يستطيع أن يستطلعه حفظاً لماء وجهه كأن لبريطانيا دوراً في هذه المسألة، ولا يختلف عن ذلك موقف فرنسا إلا في صراخ صوت فرنسا المرتفع وانخفاض صوت بريطانيا في خبث ودهاء، والمحصلة واحدة في عدم دورهما الفاعل في سوريا.
8- بقي محور الأمة في سوريا، والحركة هناك كما يلي:
- قلةً مخدوعةً بثقافة الغرب، مضبوعةً بأفكاره ومفاهيمه، تقول ما يقول، وتنادي بالدولة المدنية الديمقراطية العلمانية، التي تفصل الدين عن الحياة...
- فئةً أخرى أكثرَ عدداً من تلك القلة، وأثقلَ وزناً... إنهم مسلمون على أعينهم غشاوة: يحبون الإسلام ويريدون الخلافة، ويعشقون راية الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنهم لا يعلنون ما يحبون ويريدون خشيةَ استفزاز الدول الاستعمارية، ولا يرفعون الراية خشيةَ إثارة أدعياء الوطنية!
- فئة تنادي بالحكم الإسلامي، وهي قسمان:
قسم يستعمل الأعمال المادية وينادي بالحكم الإسلامي، ولكنه غير واع الوعي الكامل الصحيح على أفكار الإسلام وأحكامه، وعلى الوقائع الجارية...الخ.
وقسم صادق مخلص يريد الحكم الإسلامي "الخلافة الراشدة"، بالطريقة التي سار عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطلب النصرة من أهلها...
إننا أيها الأخ الكريم في كل أعمالنا نلتزم طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم ونضع الخط المستقيم بجانب الخط الأعوج، ونظهر الحق ونحث عليه، ليس في الشام فحسب، بل هناك أعمال نقوم بها في المناطق الأخرى، وبخاصة فيما يجاور الشام، وهي أعمال مشهودة بإذن الله، ونسأله سبحانه العون والتوفيق.
وفي الختام فإن أمريكا وأحلافها يُعِدُّون العدة لإيجاد صفقات تضمن سلامة الطاغية، وإحلال وجوه كالحة مكانَ أخرى أكثر سواداً، مع بقاء بنية النظام العلماني الجمهوري قائمة، وهم يبذلون الوسع ليؤخروا حكم الإسلام القادم إلى أرض الشام، ففي حكم الإسلام هلاك الكفار والمنافقين، والأتباع والأشياع، فالواجب على الأمة أن لا تمكنهم من تحقيق أهدافهم الشريرة، بل تثبت على الحق وتعاهد الله على أن لا تقبل عن الخلافة بديلا، وأن لا تنخدع بصنائع أعداء الإسلام الذين يتداولون حكومة انتقالية أو حكومة مؤقتة، فهي حكومات تسبح بحمدهم وتكيد للإسلام والمسلمين كما هو شأن الكفار المستعمرين والمنافقين، فلا المجلس الوطني السابق، ولا الائتلاف اللاحق، ولا هيتو القادم من بعيد، سيقدمون خيراً لهذه الأمة، بل هم على نهج أمريكا وأحلافها سائرون...
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
08 رجب 1434هـ
18أيار/مايو 2013 م