فيما يلي نص الحوار الذي أجرته جريدة اللواء مع رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في لبنان أحمد القصص.
أجرى الحوار: عبد القادر الأسمر
رأى المسؤول الإعلامي في حزب التحرير أحمد القصص أنّ قضيّة الموقوفين الإسلاميين هي وصمة عار على جبين أصحاب القرار. وأشار الى أنّ الحل النهائي للاقتتال بين التبانة وجبل محسن بانتظار ما ستسفر عنه الثورة في سوريا. ولفت الى أن النظام السياسي اللبناني لم يكن محققا لآمال أهالي طرابلس.
جاء ذلك في الحوار الذي أجرته «لواء الفيحاء والشمال» وتناول قضايا محلية وعربية.
ما تصوّركم لأسباب الاقتتال بين التبانة وبعل محسن، والحلول الناجعة لإيقاف هذا النزف؟
- لا شك أن جماعة بشار الأسد في بعل محسن لها دور أساسي في نقل التوتر إلى طرابلس. ولكن يبقى أن هذه المنطقة لا زالت صندوق بريد لتبادل الرسائل بين الأطراف المتنازعة في لبنان، ولولا الخط الأحمر الذي اعتاد زعماء هذا البلد الوقوف عنده لحسمت المعركة ولانتهى هذا المسلسل الدامي والمأساوي الذي نكب كافة الأحياء التي كانت مسرحاً للاقتتال. ولكن إصبع الاتهام لا بد أن يوجَّه أيضاً لأصحاب القرار السياسي والأمني في البلد، فها هو الجيش أُدخل من جديد إلى المنطقة وأوقف الاقتتال، فلمَ انتظر أصحاب القرار سقوط هذه الأعداد من الضحايا والأضرار قبل أن يُرسَل الجيش؟ ولماذا كان يُسحَب عند بوادر كل جولة من جولات الاقتتال؟! ولكن يبدو أننا مضطرون لانتظار ما ستسفر عنه الثورة في سوريا لنعرف مصير التبانة والقبة وبعل محسن، بل مصير لبنان برمّته
ما موقفكم مما يجري في سوريا؟
- لا نبالغ إن قلنا إن الثورة السورية هي ملحمة هذا العصر. فهي ليست حربا أهلية كما يحلو للبعض أن يروِّج. فهؤلاء الذين حكموا سوريا منذ وصول حزب البعث إلى الحكم ليسوا من هذه الأمة ولا ينتمون إليها، لا ولاءً ولا ثقافةً ولا حضارة. إنهم ينتمون إلى عالم ثقافي وشعوري مختلف كل الاختلاف عن السواد الأعظم من أهل الشام. فالصور السافرة التي يظهر فيها السجود للطاغية بشار وإجبار الناس على السجود له والشهادة بأن لا إله غيره والتباين النوعي بين شعارات كل من الفريقين في خضم الصراع كلها تؤكد أن الصراع في حقيقته صراع على الهوية الحضارية للشام، ويكفي تصريح رأس النظام أنه يشكل الضمانة الأخيرة للعلمانية في المنطقة بل في العالم الإسلامي برمته. وما يبشّر في مشهد ثورة الشام أن المشروع الوحيد الذي يلقى القبول بين الثوار وفي المجتمع عموماً هو مشروع الدولة الإسلامية واستئناف الحياة الإسلامية، وأن مشاريع الدولة العلمانية التي يسمونها مدنية ليست سوى نداءات يتيمة لا تحظى بشعبية في أهل سوريا وإن حظيت بترويج إعلامي واسع في فضائيات الأنظمة العربية والدول الكبرى. وبالنسبة لأهل لبنان فإن عودة الحكم إلى أهله في سوريا تشكّل الأمل في الخروج من قمقم الفتن الطائفية، وذلك مع عودة الأمل في تغيير شامل في منطقة الشام يكون لبنان جزءا لا يتجزأ منه.
كيف تنظرون إلى قضية الموقوفين الإسلاميين في مقابل الإفراج عن العملاء سريعاً؟
- قضية الإسلاميين الموقوفين منذ سنوات بلا محاكمات ولا أحكام قضائية هي وصمة عار على جبين جميع أصحاب القرار السياسي في هذه الدولة، بما في ذلك الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2007 وحتى يومنا هذا. فهذا الملف ملؤه الظلم والعدوان على مئات الأشخاص وعائلاتهم وذراريهم، ولا يتمتع بأي مسوِّغ معتبر يمكن أن يبرره، بل إن الذريعة التي يكررونها من عدم وجود قاعة تتسع لمحاكمة الموقوفين هي فضيحة بكل معنى الكلمة! فالسلطة تعرف كيف تستأجر أو تبني القاعات لعقد مؤتمرات بروتوكولية لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكنها لا تعرف كيف تستأجر قاعة لمحاكمة أشخاص أوقفوا سنوات زوراً وبهتاناً. على كل حال لم تنظر الطبقة السياسية في هذا البلد إلى القضاء يوماً على أنه وسيلة لإحقاق الحق، بل لطالما اتخذوه أداة لتحقيق مصالحهم وتصفية حساباتهم. وأقرب مثال على ذلك أن المخابرات حوّلت مجموعة من أعضاء حزب التحرير مؤخراً إلى القضاء العسكري، بمن فيهم رئيس لجنة الاتصالات المركزية ورئيس المكتب الإعلامي بتهم واهية من بينها إساءة مزعومة للبطريرك الماروني! والسبب الحقيقي هو موقف الحزب من ثورة الشام ورفضه إقامة علاقات مع المخابرات. أما عملاء العدو الإسرائيلي، وكذلك الذين نزلوا بمدافعهم إلى الشارع وقتلوا ودمروا، سواء كانوا من المحسوبين على هذا الفريق أو ذاك، فإخلاءاتهم جاهزة ومحاكماتهم سريعة وأحكامهم مخففة، هذا إن حُوِّلوا إلى القضاء أصلاً.
كيف تقرؤون التهديدات الموجهة إلى سماحة مفتي طرابلس؟
- هذه التهديدات لا تخرج عن محاولات نظام بشار الأسد اليائسة لإشعال فتنة في لبنان يساوم بها الأطراف السياسية لتخفف عنه وطأة المأزق الذي علق به.
ما موقفكم مما يجري في مصر؟
- كانت ثورة مصر كسائر الثورات من أروع مشاهد العام 2011، إذ عادت الثقة والحيوية إلى أمة لطالما اعتراها اليأس والخنوع. ولكن المؤسف أن هذه الطاقة العظيمة التي أسقطت هؤلاء الطغاة لم تتمكن من إسقاط أنظمتهم العلمانية لأنها لم تكن مصحوبة بمشروع سياسي إسلامي يستأنف الحياة الإسلامية ويطرد نفوذ الدول الكبرى من البلاد. قراءتنا لما يجري في مصر هو أن أميركا التي اعتمدت تدبيراً عاجلاً لاستيعاب الثورة يقضي بقبول وصول ما يسمّى بالإسلام المعتدل إلى الحكم تعمد الآن إلى بناء توازن بين الكتلة الحاكمة والمعارَضة العلمانية، وذلك حتى تحتفظ بقدرتها المستمرة على الضغط والابتزاز، وعلى التحكم بالتالي بالقرار السياسي في مصر. ولو عرف الذين انتخبهم الناس في مصر معنى الدولة من أنها كيان تنفيذي لمجموعة القناعات والأفكار والمقاييس الإسلامية التي تعتنقها الأمة لما أوقعوا أنفسهم في هذه الورطة. والمشكلة هي لوثة التفكير الغربي التي تسللت إلى عقول العاملين في السياسة والتي جعلت فكرة الديمقراطية والتعايش مع النظام الدولي المتسلط على رقاب الأمم ثقافة تتحكم بتفكيرهم ومسلّمات أفسدت تفكيرهم السياسي. ولو أنهم حملوا مشروعاً إسلامياً صافياً على مقاس أمة تمتد من المحيط إلى المحيط لعرفوا كيف يلتقطون اللحظة التاريخية ليغيّروا وجه التاريخ ويعيدوا للأمة سيرتها الأولى.
لماذا تردى الوضع الاقتصادي والاجتماعي في طرابلس؟ من المسؤول؟
- لطالما عوقبت طرابلس منذ أن نشأت دولة لبنان لأنها لم تنس هويتها الحضارية. حين أعلن غورو دولة لبنان سنة 1920 كانت طرابلس من أشد الرافضين لفصلها عن امتدادها الشامي، وكُتب التاريخ التي تدرَّس في المدارس الرسمية والخاصة حتى الآن تصرح بأن مدن الساحل وعكار والبقاع قُدِّمت هدية لأهل جبل لبنان لكي يصبح لهم دولة ذات مساحة مقبولة ومرافئ وسهول زراعية ومعالم أثرية سياحية. فكان إنشاء الكيان اللبناني مطلبا لفئة معينة من أهل جبل لبنان. ومن هذا المنطلق نظر حكام لبنان الأوائل إلى طرابلس على أنها تكملة جغرافية واقتصادية وإلى أهلها على أنهم عبء سياسي وديمغرافي. واليوم مع انطلاق ثورة الشام وتحوّل النفوذ في لبنان إلى فئة تقود حلف الأقليات تحوّل هذا الكيان في نظر هذا الحلف إلى حصن صغير يتحصّنون فيه من المستقبل الآتي في سوريا. وتظهر طرابلس مجدداً عبئاً ثقيلاً على النافذين الجدد لأنها وأهلها جزء عضوي من المشهد في سوريا، ومنها أطلق حزب التحرير المظاهرات الأولى المناصرة لثورة الشام على الرغم من الإرهاب الرسمي وغير الرسمي الذي مورس عليها لمنعها من ذلك، فلا بد إذًا من معاقبتها.
وإن كان لي من كلمة نهائية أوجهها إلى زعماء طرابلس، فهي: أنكم منذ عشرات السنين شاركتم في شغل مقاعد في العهود المتعاقبة الحاكمة في هذا الكيان، على الرغم من أن هذا الكيان لم يكن يوماً محقِّقاً لآمال أهل طرابلس لا من قريب ولا من بعيد، في الماضي كانت مشاركتكم سنداً للمارونية السياسية التي من أجلها أنشئ لبنان، واليوم مشاركتكم تشكّل سنداً لمشروع حلف الأقليات الموجّه ضد أمتكم بالدرجة الأولى. فهلا ركبتم سفينة أمتكم بدلاً من السير في ركاب خصومها!
1-1-2013