معهد جيمس تاون: ما زالت موسكو حتى الآن لا تدرك مع من تتعامل

 نشر معهد "جيمس تاون" مقالا تحت عنوان "موسكو تعترف بأنّ حزب التحرير يعمل داخل روسيا". واليكم ترجمة المقال كما جاء في المصدر:

مع أنّه مضى 460 سنة على دمج المجموعات الإسلامية في الدولة الروسية، إلا أنّ موسكو لم تتقدم على الإطلاق نحو فهم أفضل للعالم الإسلامي. ابتداءً من الاستيلاء على قازان سنة 1552 وحتى تولّي السوفييت على السلطة في القرن العشرين، اعتبر الروس تنصير رعاياهم من المسلمين أمرا مفيدا ومقبولا. وما زالت موسكو حتى بداية القرن الحادي والعشرين، لا تدرك مع من تتعامل.

نشر الموقع الرسمي لوزارة الداخلية الروسية بتاريخ 12/11 إعلان جاء فيه: أن "ضباط من المديرية العامة لمكافحة التطرف التابعة لوزارة الداخلية الروسية بالاشتراك مع جهاز الأمن الفدرالي وكبير مديري وزارة الداخلية، أحبطوا نشاطات التنظيم الديني العالمي، حزب التحرير الإسلامي، الذي اعتبرته المحكمة العليا الروسية تنظيما إرهابيا فحظرته على الأراضي الروسية". وكما يجري عادة في مثل هذه الحوادث، تم العثور على بعض الأسلحة بما في ذلك قنابل بحوزة المشتبه بهم، لإقناع الرأي العام بأنّ المشتبه بهم، إسلاميون متشددون، حيث أعلن مسئولون أنّه خلال التفتيش، تم الكشف عن مطبوعات ذات توجه متطرف، و "دليل يستخدم كأداة لكسب مناصرين وتشجيع الأفكار الإسلامية المتطرفة".

وقد وصلت الفدرالية الروسية في تعريف "مطبوعات إسلامية متطرفة" إلى مستويات سخيفة، لدرجة أنّ المحكمة الروسية حظرت النشر، وقراءة وحيازة سيرة النبي محمد في مكتبات شخصية. كما تم حظر كتب معروفة في جميع أنحاء العالم الإسلامي من قبل الحكومة الروسية، مثل الأربعين حديث للإمام النووي، وتم وضع كتاب رياض الصالحين على القائمة السوداء من قبل المشرعين الروس. حتى أنّ الكتب التي تحتوي على تعاليم الصلاة وفيها قصص عن الأنبياء وعناوين أخرى مشابهة، أثارت حفيظة وغضب مراقبي الدولة.

لذلك، بدا ذلك التقرير عن العملية ضدّ شبكة إسلامية محظورة إلى حد بعيد مثيرا للاهتمام. في أفضل تقاليد الدعاية السوفييتية، أدرجت بعض المعلومات المضللة في الأخبار، مثل ادعاء ضبط مليون دولار ومليوني يورو "على اعتبار أنّها مزورة". بعد أربعة أيام، أعلنت وزارة الداخلية الروسية عن اعتقالها 18 عضوا يشتبه بانتمائهم لحزب التحرير الإسلامي. وفي هذه المرة استخدمت الداخلية الروسية اسم حزب التحرير باللغة العربية، غير المألوف لدى معظم الروس.

ونقل المقال عن الموقع الرسمي لحزب التحرير قوله أنّ الشرطة قامت بعمليات تفتيش على مستوى أكثر بكثير مما أعلن رسميا. وفقا للحزب، فإنّ الشرطة فتشت 40 موقعا في موسكو والمناطق المجاورة، و30 موقعا في مدينة يوفا. وقال الحزب أنّه تم اعتقال 60 شخصا. وأشارت الداخلية الروسية أنّ الحزب جلب انتباه السلطات في سنة 2010، عندما تم ربط أعضاء من مجموعة شمال القوقاز بأعضاء من آسيا الوسطى في نشاطات ممنوعة، بما في ذلك دعوات للإطاحة بالحكومة الروسية وإقامة خلافة إسلامية في الجزء الأوروبي من روسيا. سيكون من السخف أن يقوم حزب التحرير بمثل هذه الدعوات. ولتقوية القضية ضدّ التنظيم الإسلامي أوردت وكالات الأنباء الروسية أنّ أعضاءً من التنظيم تآمروا على إخراج قطار عن سكته سنة 2010، وأنهم استأجروا مؤخرا شققا "بالقرب من محطات النقل". بالإضافة لذلك ربط الإعلام الروسي هذا التنظيم بمحاولة اغتيال مفتي تترستان وبقتل نائبه بتاريخ 19/7.

حظرت المحكمة العليا رسميا حزب التحرير بتاريخ 14/2/2003. صنفت المحكمة هذا التنظيم على أنّه جماعة إرهابية. ووفقا "لمنظمة ميموريال لحقوق الإنسان الروسية"، فإنّ قرار المحكمة يتناقض مع التشريع الروسي القائم، الناتج عن الخوف غير المبرر من الإسلام "اسلاموفوبيا"، الذي انتشر في وسائل الإعلام الروسية الرئيسية. وقد أكّدت منظمة حقوق الإنسان الروسية "ميموريال" أنّه تم تلفيق قضايا جنائية باستخدام التعذيب.

كان بيان منظمة "ميموريال" منطقيا، لأنّ حزب التحرير لا ينظر إلى روسيا على أنّه يجب إقامة حكم الإسلام فيها. ومع ذلك فإنّه يمكن أن تكون الخطوات العدائية التي اتخذتها السلطات الروسية ضد الحزب، قد أجبرت قادة التنظيم على مراجعة موقفهم وإعلان السلطات الروسية عدوا لهم، لتتيح لأعضائها العمل في الخفاء والتصرف وفقا لقواعد جديدة. لغاية الآن شارك أعضاء التنظيم في روسيا بشكل رئيسي في عمل دعوي بشكل قانوني. لذلك تحاول السلطات الروسية ربط رجال الدين المسئولين من المسلمين من حزب التحرير الذين يتعاونون بشكل وثيق مع السلطات، بالهجمات الإرهابية في قازان، ليدل على عدم كفاءة المتخصصين الروس في الإسلام، الذين يميلون  لرؤية جميع المسلمين كأعداء للدولة. فقبل أن يجف حبر بيان الداخلية الروسية حول نشاطات حزب التحرير غير القانونية، بسرعة نأى مجلس الإفتاء الروسي بنفسه عن التنظيم ودعم الاعتقالات. في الحقيقة هناك بعض الأعضاء من مجلس الإفتاء عُرفوا بتقبلهم واعترافهم بشرعية أهداف حزب التحرير ونشاطاته، حتى لو لم يكونوا حقيقة أعضاء في الحزب.

لقد اعترفت السلطات الروسية رسميا بوجود تنظيم حزب التحرير الإسلامي وبعمله داخل روسيا. ولم تتوقف نشاطات التنظيم في البلاد منذ اعتباره تنظيماً إرهابياً، بل حتى أنّ نشاطاته قد توسعت. فقد أفاد بيان الشرطة: "خمسة من تسعة متهمين هم قادة لخلايا موسكو وروسيا تابعين لحزب التحرير الإسلامي".

الأمر الرئيس والمهم من كل ذلك هو أنّ روسيا لا تبدو أنها تعرف من هو حليفها ومن هو عدوها، مع من يمكن أن تتفاوض ومن لا يمكنها التفاوض معه. هذا يعني أنّ التوتر بين السلطات الروسية والمسلمين –الذين يبلغ عددهم وفقا لتقديرات مختلفة ما بين 15 مليون إلى 24 مليون نسمة- سيستمر في التصاعد.

26/11/2012