بسم الله الرحمن الرحيم
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
إنّ المتابع لتحرّكات أهلنا في تونس في المدّة الأخيرة ليرى رأي العين أنّ المسلمين يسيرون في اتجاه، والحكّام وكثيراً من وسائل الإعلام تسير في اتّجاه مناقض؛ فقد خرج النّاس حشودا مكبّرة مهلّلة رافعة راية العُقاب راية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تنادي بتحكيم شرع الله المنبثق من عقيدة الإسلام الصافية النّقيّة، فتواطأت وسائل الإعلام والحكّام لاحتواء هذه المشاعر الصادقة وخنقها، وتطابقت لغة الإعلام والسياسييّن على تهميش هذه التحرّكات وتصغيرها وإظهار أنّها تحرّكات لفئة قليلة من فئات الشعب لا تمثّل أهل تونس، وأمّا الحكّام فالعلمانيّون منهم أنكروا على المسلمين مطالبتهم بتطبيق شرع ربّهم، وأمّا من يزعم الصفة الإسلاميّة منهم فقد سارعوا إلى التصريح بأنّهم سيعارضون الإشارة إلى الشريعة الاسلامية في الدستور الجديد معتبرين أنّ الدّعوة إلى تطبيق الإسلام "قضية تهدد بإفساد عملية انتقال البلاد إلى الديمقراطية" (دين الغرب الكافر وشريعته). وقال قائلهم أنّهم سيكتفون بالاحتفاظ بالفصل الأوّل من الدّستور السّابق والذي ينص على أنّ الإسلام دين الدولة دون أيّ إشارة إلى دور الشريعة (التي ارتضاها الله لعباده)،
وأمام هذا التشويه المتعمّد لتحرّكات المسلمين المتتالية فإننا نبيّن الحقائق التالية:
1ـ إنّ المسلمين من أهل تونس ليسوا فئة قليلة ضمن فئات أخرى، بل هم أهل هذا البلد، هم أحفاد الصحابة الفاتحين والقادة المجاهدين الذين انطلقوا من هذا البلد الطيّب لنشر الإسلام في الشمال الأفريقي والأندلس، ولقد عاد الإسلام اليوم مطلبَهم وأملَهم إلا نفرا قليلا من الذين ضُبعوا بالثقافة الغربيّة الكافرة وتربّوا في أحضان الكافر المستعمر وجعلوا من أنفسهم خدما أذلّاء تحت أقدامه يصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجا.
2ـ إنّ تطبيق الإسلام، ليس مجرّد مطلب مشروط بموافقة أكثريّة من البشر، بل هو فرض من الله تعالى خالق الناس ومالكهم، الذي بعث إليهم محمّدا صلّى الله عليه وسلّم وأوحى إليه وحيا هو القرآن الكريم والسنّة صحيحة ثابتة، وأمره أن يطبق كل ما أنزله الله إليه، وأن يحكم به، وأن لا يحكم بغيره في أيّ شأن من شؤون الحياة، قال تعالى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ كما نهاه عن أن يتبع أهواء الناس، وعن أن يحكم بغير ما أنزل الله، وحذره من أن يفتنه النّاس عن بعض ما أنزل الله إليه من الحق. قال تعالى ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ وقال جل شأنه ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ وإنّه من المعلوم بداهة أنّ خطاب الله لرسوله هو خطاب لأمّته، فكما أنّ الحكم بما أنزل الله واجب على الرسول فهو كذلك واجب على المسلمين جميعا، وقد أمر الله المسلمين بأن يحكموا بما أنزل الله بصريح القرآن قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، وجعل من لم يحكم بما أنزل الله كافرا وظالما وفاسقا، حيث قال ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ وجعل الإيمان مربوطا بتحكيم ما أنزل الله على رسوله ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ وأوجب على المسلمين أن يسلموا تسليما مطلقا بحكم الله ورسوله، وأن لا يجدوا في أنفسهم أيّ حرج، أو ضيق لتحكيم الإسلام، حيث قال: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. وقال ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ مهما قلّ وإلى أي أجل مهما قرب.
3ـ إنّ الإقرار بالمادّة الأولى من دستور 1959 هو تصريحٌ بالإعراض عن كتاب الله وسنّة نبيّه الأكرم صلّى الله عليه وسلّم، ويدلّ دلالة واضحة لا لبس فيها أنّ الحكّام والمتنفّذين في المجلس التأسيسيّ يسيرون على خُطى الهالك بورقيبة ومن بعده بن علي في خداع الناس بأن ينصّ على الإسلام بأنّه دين الدّولة في فصل واضح للإسلام عن الحياة والإصرار على إخضاع المسلمين مرّة أخرى لأحكام الكفر وترك بلادهم منفصلة عن باقي بلاد المسلمين سهلة طيّعة بيد الكافر المستعمر.
وفي هذا المقام نتوجّه إلى من أنكر على المسلمين مناداتهم بتحكيم شرع الله مذكّرين وناصحين: أنتم مسلمون فتوبوا إلى الله توبة نصوحا وتبرؤوا من هذا القول الذي يناقض صريح القرآن، وبيّنوا للناس الحقّ بلا مواربة وأعرضوا عن أهوائكم وما توسوس لكم به شياطين الانس والجنّ واعملوا لإرضاء ربّكم بدل اللّهاث وراء غرب كافر لن يتوانى في التبرؤ منكم بعد أن يستخدمكم كما تبرّأ من بن علي، ونتلو عليكم ما أمر ربُّنا نبيَّه صلّى الله عليه وسلّم أن يتلوه على قومه حيث قال جلّ وعلا: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ﴾
﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾
ونتوجّه إلى علمائنا الأفاضل الذين دعوا النّاس إلى دعوة الحقّ دعوة تطبيق الإسلام وحده:
أنتم ورثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والأمناء على دينه وقد أخذ الله عليكم ميثاقا لَتُبيّننّ الحقّ للنّاس ولا تكتمونه، وإنّكم لتعلمون أنّ عودة الإسلام إلى الحياة لا تكون بوضع مادّة في دستور يشرعه بشر تنصّ على أنّ الشريعة مصدر من مصادر التشريع أو مصدر أساسيّ ، بل إنّ عودة الإسلام لا تكون إلاّ بدولة تجعل القران العظيم وسنّة نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وسلّم المصدر الأوحد للدّستور وكلّ القوانين. واعلموا أنّ الله ناصركم ولن يخذلكم إن صدقت منكم النّوايا وصحّت العزائم. فانصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم. واعلموا أنّ الله متمّ نوره ولو كره المشركون. وكونوا عبادا لله ينطبق عليكم وصف ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾
أيّها الافاضل:
لقد أدركنا في حزب التحرير أنّ إقامة الدّولة خالصة لله تطبّق شرع الله في الدّاخل وتحمل راية لا إله إلاّ الله إلى العالم بالدّعوة والجهاد، هي قضيّة المسلمين المصيريّة، فعملنا لإقامتها منذ نصف قرن، رغم كلّ مكائد الكفّار وعملائهم. وإنّنا نحبّ الخير لنا ولكم، فأحببنا مشاركتكم في الدّعوة إلى جعل الإسلام هو المنظّم الوحيد لعلاقات النّاس، ونحبّ أن تتمّوا هذه الدّعوة المباركة بجعلها دعوة إلى إقامة الخلافة الدّولة التي يكون دستورها مأخوذا من الكتاب والسنّة ولا سيادة فيها إلا لله ربّ العالمين، ومَنْ أولى منكم بأداء هذا الفرض العظيم فإنّ العالم التقيّ النقيّ هو أحقّ بهذا الأمر. ونطلب منكم أن تواصلوا مشاركتنا العمل لهذا الخير حتىّ يُتمّ الله نصره بفضله ونعمته بدولة تمكّن للإسلام كاملا غير منقوص.
أمّا أنتم أيّها المسلمون يا أحفاد عقبة وطارق بن زياد:
لقد كانت تكبيراتكم ورفعكم لراية رسول الله، عملا عظيما نسأل الله تعالى أن يكتبه في ميزان حسناتكم، وكانت صفعة قويّة في وجه الكافر المستعمر، الذي أسقط دولتكم دولة الخلافة ومزّق كيانكم إلى أكثر من خمسين مزقة، ثمّ نصّب عليكم عملاءه يسوسونكم بالقهر والبطش وهو من ورائهم. وإنّ تكبيراتكم لتدلّ دلالة واضحة على أنّ الإسلام عميقة جذوره في وجدانكم، وإنّ تكبيراتكم وتلبيتكم نداء الانتصار لشريعة ربّ العالمين في كلّ مرّة تبيّن أنّه آن أوان الجدّ، فدعوتنا هذه جدّ وليست بالهزل. ولذلك اعملوا أن يطغى على فعالياتكم وشعاراتكم الفهم الشرعي الصحيح لتطبيق الشريعة، ولا تقبلوا بديلاً عن الحل الجذري الذي ارتضاه ربّكم لكم، تطبيق الإسلام كاملاً غير منقوص، في كيان يكون حاكمه خليفة لكل المسلمين يجمعهم على دين الله ويرعاهم بأحكام الله، ويكون لهم حامياً كما قال صلى الله عليه وسلم (الإمام جنة يُقاتل من ورائه ويُتقى به)، ويطهّر بهم ومعهم بلادهم وكلّ بلاد المسلمين من رجس الكافر المستعمر.
﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)﴾
07 من جمادى الأولى 1433
الموافق 2012/03/30م
حزب التحرير
تونس