بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ... ﴾

رحل الطاغية بن علي فهل رحل نظامه؟

 

انهار الطّاغية بن عليّ وفرّ هاربا ومن ورائه هتافات جماهير المسلمين المبغضة له ولنظامه الفاسد تصدح بإسقاطه وقد أذاقهم الويلات، وجرَّعهم المرارات. ولكن هل سقط النّظام حقّا؟؟

 

إنّ النّظام ليس شخصا أو مجموعة أشخاص ولو كانوا عصابة من الفاسدين تتحكم في رقاب العباد، إنّما النّظام هو أساس الحكم؛ وهو السّياسة المسطّرة لتسيير شؤون النّاس وفق أمر خالقهم رب العالمين، ورعايتها في النّواحي الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسة الخارجيّة والتعليم... والنّظام الذي ساد بلادنا منذ أن تمكن الكفار المستعمرون من اقتطاعها من دولة الخلافة العثمانية هو نسخة مشوهة من النّظام الرّأسمالي الديمقراطيّ الذي طبّقته فرنسا الديمقراطيّة، فعاثت في بلادنا فسادا، وأخذت أهلها بالقهر والبطش والطُّغيان..، ثمّ خلفها بورقيبة ومن بعده بن علي فتنافسا في فصل الإسلام عن حياتنا وتفنّنا في رهننا للغرب الاستعماريّ الكافر ليهيمن علينا ويسومنا سوء العذاب.

 

أيّها المسلمون:

إنّ خضوعنا للنّظام الرأسماليّ هو سبب الظلم والتخلّف والقهر، ولم يكن بن علي سوى عبد ذليل من عبيد الاستعمار يُنفّذ فينا سياسة الدّول الاستعماريّة الغربيّة، فهرب بن علي مذموما مدحورا وبقي النّظام الفاسد. وتنادى زمرة من عشاق الغرب وعملائه والمضبوعين بثقافته يدعون إلى المحافظة على النّظام. وصوّر إعلامهم بتركيزه المفرط على الفاسدين أنّ المشكلة لم تكن إلا في فساد من كان ينفّذ النّظام. ثمّ راودوكم بانتخابات صوّروها المنقذ والمخلّص، وما هي إلا مواصلة لتنفيذ النظام الرأسمالي ذاته الذي أذاقكم الويلات عقودا طويلة، فانتخبتم من أحسنتم به الظنّ لإسلامه، فنادى مناديهم، ولمّا يستقرّ له الأمر بعد، أنّهم سيُحافظون على كلّ المعاهدات والاتفاقيّات الجائرة الظالمة التي أبرمها بن علي، وراح الحكّام الجدد يجهدون في طمأنة الغرب الاستعماريّ على مصالحه، وصارت بلادنا قبلة ومزارا لقادة الاستعمار من أمريكان وبريطانيين وفرنسيين.... يطمئنّون على مصالحهم وأنّ التغيير انحصر في إزالة الطاغية دون اختراق أسس النظام نفسه، ومن ثمّ بدؤوا يُعطون شهادات الاستحسان للقادة الجدد كما كانوا يُعطونها لبن علي وأركان نظامه، ويَعِدُون بالتعاون وإنجاح هذه المسيرة حتى تكون نموذجا لثورات في البلاد الأخرى. فكيف نرضى أن نُساق نحن ونسوق أمّتنا مرّة أخرى إلى جحيم الرأسماليّة ومذبح الدّول الاستعماريّة؟

أيّها الأهل في تونس، أيّها المسلمون:

إنّ بطولاتِكم ضاربةٌ جذورُها في عمق التاريخ منذ أكرم الله سبحانه بلادكم بالإسلام، فأصبحت من مناراته التي بها يُهتدى، وانطلقت منها شرارة الفتح لشمال أفريقيا والأندلس.

 

ولقد انطلقت الثورة من هذا البلد الطيّب لتمتدّ إلى سائر بلاد المسلمين ضد الحكام العملاء للدول الاستعمارية، والذين ظلّوا يحرسون حدود سايكس بيكو بل وحدود كيان إسرائيل المغتصبة لأرضنا، فكيف نرضى أن تنحبس الثورة ضمن خطوط اختلقها استعمار مجرم مزّق أوصال جسدنا؟ وكيف نرضى بحدود سايكس بيكو التي تسيطر على عقليّات السياسيين الذين صاروا يزاحمون الثوار على قيادة الثورة؟

 

ولقد انطلقت الثورة ضد الأوضاع السياسية والاقتصادية التي أنتجها النّظام الرّأسماليّ الديمقراطيّ وكرّسها خضوع السياسيين والحكام للمؤسسات الدوليّة الاستعمارية ولشروطها. فكيف نرضى بالخضوع مجدّدا لسياسات رأسماليّة جائرة ظالمة وفق اشتراطات مُهلكة لصندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي؟

 

أيّها الأهل في تونس، أيّها المسلمون:

إنّا نراكم اليوم سعداء لفرار الطاغية، ولقد سعدتم من قبلها حين خرجت فرنسا بجندها ووُضع دستور 1959 الذي أذاقكم الويلات وأوردكم المهالك، وسعدتم من بعدها يوم 07 نوفمبر 1987 يوم زال حكم الهالك بورقيبة، فأخذكم الطاغية الهارب بالبطش والطغيان. فكيف تنخدعون مرّة أخرى بتغيّر الوجوه والنظام الرّأسماليّ سبب بلائكم ومآسيكم ما زال جاثما على صدوركم؟ بل كيف تنخدعون وقد رأيتم وسمعتم هؤلاء الحكّام الجدد يُقسمون بالله العظيم وأيديهم على كتاب الله العزيز أن لا يحتكموا إلى كتاب الله وأنّهم سيحكّمون النّظام الرّأسماليّ الكافر؟ إنّ في هذا لدليلا على أنّ النّظام لم يتغيّر، وأنّ التغيير لم يطل سوى الأسماء والوجوه وأنّ الحكّام الجدد لن يكونوا أفضل حالا من سابقيهم.

 

إنّ النّظام الرّأسماليّ الديمقراطيّ هو "دين" الغرب الاستعماري الذي يجعل الناس عبيدا للبشر الذين يشرّعون لهم، ويجعلهم عبيدا للدول المهيمنة وشركاتها، ويجعلهم عبيدا للمؤسسات الدولية التي أنشأها الغرب لتنفيذ مصالحه، كهيئة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية وغيرها. أمّا دينكم فهو الإسلام العظيم الذي ارتضاه لكم ربّكم، وهو دين الرّحمة والهدى الذي يحرّر النّاس، كلّ النّاس، ويُخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ومن ظلم الرّأسماليّة الديمقراطيّة إلى عدل الإسلام ورحمته.

 

أيها الأهل في تونس، أيها المسلمون:

إن الرائد لا يكذب أهله، وإنّنا في حزب التحرير كنّا قد حذّرناكم في نشرة وزّعناها عليكم  يوم 23 نوفمبر 1987 أن لا تنخدعوا بالطاغية بن علي، وإنّنا اليوم نستنهض هممكم لتجيبوا داعي ربّكم:

- أن لا تُهدروا ثورتكم بسكوتكم على النظام الوضعي الجائر فوق رقابكم...

- أن تَقْلعوا النفوذَ الغربي وأدواتِه وعملاءَه المضبوعين بثقافته والعاملين لتمكينه...

- أن تعملوا لإقامة الإسلام وتنفيذ أحكامه بدولة الخلافة الراشدة الثانية، فهي وعد اللهِ سبحانه وبشرى رسوله صلى الله عليه وسلم لكم...

- أنْ هكذا تكون الحياةُ الطيبة ويزول الشقاء، بنبذِ قوانين البشر، واتباع قوانين رب البشر.

 

قال تعالى: (... فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )

 

19 من صـفر 1433

الموافق 2012/01/13م 

 حزب التحرير 

    تونس 

للمزيد من التفاصيل