يسرد السيد جهاد الخازن (الحياة، عيون وآذان، 23-5-2011)، وقائع حدثت في تاريخ المسلمين يرى أنها تكشف الوجه الأسود للخلافة الإسلامية، ليذم مشروع الخلافة الذي يعمل له "بعض الجماعات المتطرفة في البلدان العربية والخارج"، ويختم قائلا "لا أريد أن أرى في أي بلد عربي دولة الخلافة، وإنما دولة مدنية تتسع لجميع المواطنين تستهدي قوانينها من القرآن والسنة، ولا تخالف الشريعة، دولة قانون عصرية، الحكم فيها للشعب لا لديكتاتور حتى لو كان متنورا".
ولنا مع ما كتبه السيد الخازن وقفات لا بد منها:
1- وإن كنا نوافق السيد الخازن أن قراءتنا للتاريخ يجب ألا تكون انتقائية، وما ذكره من وقائع، وغيرها، إنما تكشف عن طبيعة النفس البشرية الأمارة بالسوء، والإسلام لم يقل قط بأن جماعة المسلمين هم جماعة من الملائكة الذين لا يخطئون أو لا يخطيء بعضهم ويسير وراء نزوات شيطانه، ولقد حصل في عهد الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم، والوحي يتنزل عليه وهو بين ظهرانيهم، أن ارتكب بعضهم آثاماً ومعاصيَ عوقب عليها، ولعل هذا ما عناه النبي في قولته المشهورة «وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها»، فكون السرقة حراماً والزنا حراماً في شرع الله، وغير ذلك من التشريعات، لا يعني أن أفرادا من المسلمين معصومون من ارتكاب الخطئية، فالعصمة (لجهة ارتكاب الحرام ومخالفة أمر الله) للرسول فقط، وليس لما عداه من البشر، فـ «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» كما جاء في الحديث الشريف.
2- من هنا جاء قول حزب التحرير أن الدولة الاسلامية هي دولة بشرية يتوجب على الحاكم والمحكوم أن يخضعا لحكم الله ويتنافسا في نيل مرضاته، فإن تجاوز أيٌّ منهما حدود الله وجب الأخذ على يده ومنعه من ذلك. فواجب الحاكم (الدولة) السهر على تطبيق أحكام الاسلام بالعدل والمساواة بين الناس دون تمييز ولا تفريط، فإن فرّط الحاكم (الدولة) أو أحد مرؤوسيه أو قصّر في القيام بواجبه وجب على الأمة، أفراداً وجماعات، الإنكار عليه وإلزامه العودة إلى الحق. كما قال عمر رضي الله عنه: يا معشر المسلمين، ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا؟ إني أخاف أن أخطىء فلا يردني أحد منكم تعظيما لي، إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، فقال رجل: والله يا أمير المؤمنين لو رأيناك معوجا لقومناك بسيوفنا، فقال: رحمكم الله والحمد لله الذي جعل فيكم من يقوّم عمر بسيفه.
3- يهمنا أن نوضح أن دولة الخلافة التي يدعو لها حزب التحرير إنما هي التي أمر الشرع بإيجادها، وأحكام الشرع هي الحجة والفيصل حين النزاع فيما ارتكبه هذا الحاكم أو ذاك، وليس ما يقوم به البشر هو الحجة على الشرع.
4- لقد اعترف الخازن في سياق مقالته أن "التاريخ السياسي للخلافة لا يلغي أن العرب بنوا نهضة فكرية وحضارة من أرقى مستوى عالمي، وكانوا الجسر الذي عبرت به أوروبا من عصور الظلام إلى عصر النهضة..."، مع أنه في مقالته يوم الأربعاء (25-5-2011) يقول بأنه يفضّل ديمقراطية من نوع غربي على كل نظام آخر، ولعله لو أنصف قليلا لبيّن للقارىء (أو لعله يفعل ذلك في مقالاته اللاحقة) أين تكمن عظمة الحضارة الأوروبية التي بُنيت على جماجم الشعوب المستعمرة في العالم الثالث (القديم)، وفي العالم الجديد الذي شهد أشنع مجازر عرفتها البشرية حين أباد رسل الحضارة الأوروبية أمة الهنود الحمر، ثم قاموا بقتل تسعة أشخاص ليأسروا العاشر عبداً من شعوب أفريقيا ليسوقوه إلى العالم الجديد. فعن أي نهضة يتحدث الخازن؟! عن نهضة ستالين؟ أم هتلر؟ أم موسوليني؟ أم عاصمة الأنوار باريس التي فرضت أنوارها بقوة الحديد والنار على أهلنا في الجزائر مزيحةً من طريقها أكثر من مليونين ممن تجرأوا على رفض حضارتها الدنسة؟ أم لعله يقصد نهضة لندن، صاحبة وعد بلفور المشؤوم، التي ناخت، مرغمةً وبشكل يثير الشفقة، بعبء الرجل الأبيض في تمدين وتحضير الشعوب الهمجية، تلك الشعوب التي نظّر داروين لوجوب إزالتها بحسب نظريته في "أن البقاء للأصلح" وبالتالي فالرجل الأبيض معذور في إبادة تلك الشعوب الهمجية التي هي عبارة عن حشرات أو قاذورات ينبغي التخلص منها لنشر حضارة الغرب القادمة؟! ومن ثم جاء الآباء المؤسسون في أمريكا ليرفعوا تمثال الحرية بيدٍ بينما تقوم اليد الأخرى بحرق أهل فيتنام بالعامل أورنج بغية تمدينهم ودمقرطتهم، كما صنعت من قبل حين ألقت قنبلتين نوويتين على أهل هيروشيما وناغازاكي (الذين كانوا من الشعب الأصفر)!، أو تقوم باستعراض مفاتنها الديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان في غوانتانمو وأبي غريب وباغرام، تماما كما تحترمها حين تزود ربيبتها "إسرائيل" بالقنابل الذكية (والذكية جدا)؛ إذ تقصف بها أطفال قانا مرات ومرات كما صنعت من قبل في بحر البقر في مصر، ومن قبل في دير ياسين، ولاحقا في صبرا وشاتيلا....!!
5- هل هذه هي الدولة المدنية ذات القانون العصري التي يبشر بها السيد الخازن؟؟
6- فإذا صدق أنه يريد دولة تستهدي بالقرآن الكريم والسنة النبوية فإن القرآن يحرم حصرا الشرك بالله ويحرم حصرا أن يكون التشريع لغير الله. وإذا كان الرسول الأكرم يقول «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» والبيعة إنما تكون للخليفة لا لغيره، فهل يقبل الخازن بهدي النبي، أم يريدنا حصرا أن نهتدي بمتفذلكي الغرب الذين يتغنون بشعارات خدّاعة تكذبها جرائم أيديهم في الواقع؟
7- ختاما لا بد من لفت النظر إلى أن الغمز واللمز بجانب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم والطعن في مناقبهم لهو أمر جلل ما كان ينبغي لكاتب يحترم نفسه وقُرّاءه أن ينزل إلى هذا الدرك. وشتان بين مناقشة ما قاموا به من أعمال، وكما ذكرنا أعلاه فلا عصمة لأحد، وبين الهبوط إلى مستوى التجريح كما في قوله أن عمر عزل خالداً (رضي الله عنهما) لخلاف بينهما في الصغر، فإنما هذا دأب المستشرقين الحاقدين، نربأ بالخازن أن يقتفي أثرهم.