كشف موقع 'ويكيليكس' مؤخرا عن برقية دبلوماسية سرية بين السفارة الأمريكية في نيروبي ووزارة الخارجية الأمريكية، قال فيها سفير الولايات المتحدة لدى كينيا أنّ السياسيين البارزين في كينيا هم أركان الفساد وأنّ ضباط الحكومة الرئيسيين مشاركون في التجارة الدولية للمخدرات ويستغلون مناصبهم لأغراض إجرامية، وذكرت التسريبات أيضا أنّ الرئيس كيباكي ورئيس الوزراء رايلا أودينغا هما من أكبر العقبات التي تحول دون 'الإصلاح' حيث إنّ ذلك يضر بمصالحهم الخاصة الأنانية، ومن ثم أعلن لويس مورينو اوكامبو، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، أنّه يعتزم مقاضاة 6 أشخاص متورطين في جرائم ضد الإنسانية في أعقاب عمليات القتل الجماعية التي اندلعت بعد فشل انتخابات كانون الأول/ديسمبر 2007، منهم خمسة لاعبين رئيسيين في الحكومة! ثم جاء رد كيباكي وأودينجا ووزرائهم علنا، حيث دحضوا كل هذه الادعاءات، وادعوا بأنهم أبرياء من كل الاتهامات، وأنّهم يفخرون بقيادتهم لبرنامج الإصلاح عن طريق تمرير الدستور الجديد، وأظهروه كما لو أنّه كان أعظم مشاريع الخلاص للشعب في كينيا!
يجب على أهل البلاد أن يعرفوا أين يكمن الخلاص الحقيقي، وقبل أن نناقش المسائل المحددة التي أثيرت نبدأ مع ثلاث نقاط مهمة فيما يتعلق بالبرقية الدبلوماسية التي تهيمن حاليا على عناوين الأخبار.
أولا: تبين هذه التسريبات بكل وضوح أنّ الدول الغربية لا تزال استعمارية في طبيعتها وأنّها تستخدم جميع مؤسساتها بما في ذلك السفارات للقيام بالتجسس على بلادنا، وذلك للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية، على الرغم من التضليل الذي طالما روجوا له بأننا حققنا الاستقلال منذ وقت طويل!
ثانيا: لم تكشف تلك التسريبات سرا، فمنذ منذ فترة طويلة يدرك المواطنون الطبيعة الحقيقية الخبيثة للقادة الذين يتقلدون زمام الأمور، فهم الفاسدون الأشرار، وما السياسيون إلا شياطين متخفية تحت عباءات بشرية!
ثالثا: السياسيون أغبياء وهم حكام عملاء، يعتمدون على الغرب لدعم حكمهم، بالرغم من أنّ الأمم الغربية نفسها تغدر بهم في الخفاء وتتظاهر بتقديم الدعم لهم في العلن، ومن ناحية أخرى، فإنّ الإنسان العادي ومنذ زمن طويل يدرك الشر في القادة، وهم يخشون من اندلاع ثورة شعبية وشيكة عليهم كما حدث في تونس ومصر.
وبدءا من قضية الفساد، فما تسمى بلجنة مكافحة الفساد الكينية (KACC) بإدارة مديرها المعيّن حديثا تتظاهر بأنّها تقضي على الفساد في جميع الوزارات، ومع ذلك فإنّ الواقع هو أنّها تتجاهل حقيقة أنّ الركائز الأساسية للفساد هي شبكات الفساد من رجال الأعمال الرأسماليين الكبار والتي تدعمهم، ومديرو هذه اللجنة! ففضائح الفساد الضخمة من مثل غولدنبرغ، انجلو ليسينج، المتورطون فيها هم من كبار القادة ولذلك لم يتم المساس بهم، مع أنّ البعض صرحوا بأنصاف الحلول! فكم عدد الوزراء الذين وضعوا في السجن لأنهم نهبوا الأموال العامة؟ وكم نائبا وضع في السجن بعد الاستيلاء على الأراضي العامة؟ ومن هو رجل الأعمال البارز في السجن بسبب فضيحة الذرة أو فضيحة أموال التعليم؟ لا أحد طبعا!
منذ حصول كينيا على استقلالها الكاذب ولغاية الآن، فقد تم تشكيل لجنة بعد لجنة لمكافحة الفساد ومع ذلك فإنّ "القادة" يسرقون كل يوم المليارات من الأموال العامة في وضح النهار، مما يثبت حقيقة أنّ هذه اللجان ليست سوى وهم، القصد منها إغراق الجمهور في النوم.
أما بالنسبة للتعامل بالمخدرات، فإنّ الواقع هو أنّ العديد من القادة أصبحوا من الأثرياء من هذه 'التجارة' على مستوى العالم، فقد كشفت بعض الدراسات بأنّ هذه التجارة هي ثالث أكبر تجارة مربحة في العالم بعد بيع النفط والسلاح.
وبطبيعة الحال، فإنّ هذه الجرائم المتطورة تتطلب مشاركة موظفي الحكومة الكبار في العديد من مؤسسات الدولة، على مستوى عالٍ مثل الشرطة والمخابرات الوطنية والبحرية والطيران... الخ، وهذا يفسر لماذا يتم القبض على الباعة المتجولين والمستهلكين في ما يسمى بـ 'حملات مكافحة المخدرات' بينما تُترك السمكة الكبيرة المعروفة بجمع المليارات، وهو ما يساهم في تدمير الشباب في البلاد. لذا يجب ألا يتوقع أحد من النظام الحالي الفاسد اعتقال أي من تجار المخدرات الرئيسيين باستثناء الاعتقالات التجميلية لخداع الناس لفترة من الوقت. وفي المقابل نرى كيف يتم اعتقال وتعذيب وترحيل المسلمين على 'شبهة' كاذبة اسمها 'الإرهاب'، فمثل هذه التصرفات يقوم بها رجال الأمن على الفور لسعي الحكومة لاسترضاء الولايات المتحدة. على الرغم من أنّ الضباط أنفسهم يدّعون عدم معرفتهم بمن يقف وراء تصدير واستيراد الحاويات المحملة بالمخدرات من وإلى البلاد! والأسوأ من ذلك، فإنّ ضباط الأمن الذين يرفضون التعاون في التحقيق في تجارة المخدرات يتم قتلهم بالرصاص وتذهب التحقيقات في سبب وفاتهم أدراج الرياح، وكل ذلك من أجل تجارة "النواب الشرفاء"، أليس هذا دليلاً كافياً على أنّ أيادي بارزة في الحكومة تدعم هذه التجارة الشريرة؟! أما بالنسبة لسفير الولايات المتحدة الذي يدعي التحدث علنا وبحزم ضد المخدرات، فهل هو حقا لا يعلم بأنّ الولايات المتحدة هي المستهلك الأول في العالم للمخدرات وقد فشلت حكومته في منع هذه التجارة؟ وكذلك فهي خلال الاحتلال الغاشم للجيش الأمريكي لأفغانستان، بدلا من تضييق الخناق على إنتاج المخدرات، فقد ازدادت التجارة فيه، بالمقارنة مع ما كان عليه الحال إبان حكم طالبان؟! فهل هذا السفير الجاسوس لا يرى هذا؟ ولكن الخطأ الأخطر هو أن نرى ما يسمى بقائد مسلم حريصاً على الثناء على هذا الجاسوس ويسعى علنا إلى مساعدة حكومة الولايات المتحدة، بينما تقود الحكومة الأمريكية نفسها الحملة الصليبية الشرسة والقذرة والعالمية ضد الإسلام، فهل ستكترث بمكافحة خطر المخدرات في كينيا!
أولم تتذكر أيها القائد أنّ الله سبحانه وتعالى قد حرم علينا اتخاذ أعدائنا أولياءً وهو القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}
أما بالنسبة لمحكمة الجنايات الدولية، والتي تهيمن عليها الدول الغربية فهي تعمل على تسويق الديمقراطية متعددة الأحزاب كمخلص لبلداننا، ولكن الواقع أنّ الانتخابات الديمقراطية التي جرت في 2007 تسببت بالقتل الجماعي وتدمير البلاد، وعلاوة على ذلك فإنّ محكمة الجنايات الدولية هي 'عوراء'؛ فالمحكمة لا ترى شرور مجرمي الحرب من البلدان الغربية الكبرى الذين ارتكبوا عمليات القتل لمئات الآلاف من البشر في العراق وأفغانستان، فإنّ المحكمة لا تحاسبهم لأنهم هم سادة العالم بنظرها! فهذه المحكمة لا يمكن أن تخدم الحقيقة والعدالة، بل يتم استخدامها كسلاح لفرض السياسات الاستعمارية الغربية، ومع ذلك فمن الواضح أنّ جميع السياسيين في كينيا من أعلى الهرم إلى أدناه مرتبطون بالفوضى وأعمال القتل التي وقعت بعد انتخابات عام 2007، فلماذا لا تقوم محكمة الجنايات الدولية بمعاقبة هؤلاء الساسة الشريرين؟
أما بالنسبة للدستور الجديد، فقد مرت بضعة أشهر فقط منذ صدوره، وبالفعل تبين أنّه سراب، فنفس السياسيين الذين أقسموا على حمايته والحفاظ عليه يقومون الآن علنا ودون خجل على انتهاكه، والمجاعة تهدد الملايين، وزعماء عصابات المخدرات هم الدعائم التي تقوم عليها هذه الحكومة، والفساد مازال مستشريا بلا حدود، ومع ذلك فإنّ الدستور لا يمكن أن يساعد المواطن، بل ما زال المواطن هو الضحية حتى اليوم! ويرجع ذلك أساسا إلى حقيقة أنّ هذا الدستور هو من صنع الإنسان، في حين أنّ الإنسانية بحاجة لدستور عادل من عند خالق البشر، وبالتالي فإنّ الحل الصحيح هو أن يحل محل هذا الدستور التجريبي والفكر الرأسمالي الاستعماري والسياسيين الأشرار دستور رب العالمين.
يا أهل كينيا:
ألم تفتحوا بعد أعينكم على هذا الواقع؟ ألم تروا أنّ محكمة الجنايات الدولية ذكرت الستة الذين هم من ركائز النظام الفاسد، من الذين جمعوا المال العام، ولا تزال الحكومة تسيء معاملتكم باستخدام الأموال العامة لدفع المصاريف القانونية في محكمة الجنايات الدولية، لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال ((إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ))، ولجعل الأمور أسوأ، فإنّ هؤلاء الساسة بالفعل يخططون لمشاريعهم الانتخابية عام 2012 عن طريق التحالفات القبلية التي من شأنها التحريض على الحرب الأهلية في البلاد مرة أخرى، بعد كل هذا فإنّه يجب أن يثبت لكم بأنّ هؤلاء السياسيين، مهما تغيرت أسماؤهم وأحزابهم وتحالفاتهم فإنهم سيظلون الشياطين الذين يحرضون على الكراهية بينكم، وأنّهم لا يهتمون ولو احترق الجميع من أجل تحقيق غاياتهم الأنانية.
نعم، لقد حان الوقت لتدركوا المغالطات والكذب في السياسة الديمقراطية، إنّ السياسيين جميعا من طينة واحدة، فليس لهم أصدقاء دائمون أو أعداء دائمون، فهم يتحالفون عندما تتّحد مصالحهم وينفضّون عندما تختلف مصالحهم، فهم يعتقدون عقيدة فاسدة من أسيادهم الغربيين وهم عملاء عندهم، ومع ذلك فإنّ الغرب نفسه غير قادر على حل الأزمات الاقتصادية والسياسية باستخدام نفس الفكر الرأسمالي، فضعف الطالب والمطلوب!
إن حزب التحرير في شرق أفريقيا يحمل الفكر الإسلامي وعنده حلول لجميع شئون الحياة وطريق الخلاص الحقيقي، وهو قادر على حل مشاكل الفقر المستعصية، والقبلية الخطيرة، والفساد المدمر، والسياسيين الأشرار! وبالتالي فإنّ الوقت قد حان لتحرروا أنفسكم من التقليد الأعمى للغرب والمستعمرين، لتقبلوا على الإيديولوجية التي ارتضاها لكم خالقكم، فهو الحكيم العليم بكم وبما يصلح أحوالكم.