احتجاجات تونس: إلى متى الصبر على ظلم الحكام وفسادهم؟
التفاصيل
التاريخ الهجري 23 من محرم 1432
التاريخ الميلادي 2010/12/29م
رقم الإصدار: 1432 هـ / 8
احتجاجات تونس:
إلى متى الصبر على ظلم الحكام وفسادهم؟
بعد ما يقارب أسبوعين على الاحتجاجات العارمة خرج الرئيس التونسي ابن علي عن صمته، فألقى يوم أمس خطاباً حذّر فيه "المتطرفين والمحرّضين المأجورين!" الذين يقفون وراء الاحتجاجات، التي وصفها بـ "مظهر غير حضاري يعطي صورة مشوهة تعوق إقبال المستثمرين والسواح"! وقد جاء خطاب ابن علي بعد فشل نظامه القمعي فشلاً ذريعاً في التصدي للاحتجاجات، التي بدأت في محافظ سيدي بوزيد بسبب تفشي البطالة والفقر والفساد والرشوة، عقب إقدام مواطنيْن على الانتحار احتجاجاً على ظلم النظام التونسي، الذي حوّل البلاد إلى جنة سياحية لأهل الفساد والفجور، يقصدونها من كل حدب وصوب، وجحيماً يفرّ منه أهل البلاد مهاجرين طلباً للرغيف والأمن.
لقد واجهت قوات الشرطة والأمن -كعادتها- المتظاهرين بالرصاص وقنابل الغاز، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، كما شنّت حملة اعتقالات ومداهمات للمنازل وأثارت الرعب في صفوف الأهالي، ظناً منها أن أساليب الإرهاب والترويع هذه، التي قام عليها النظام التونسي على مدى ربع قرن، ستنجح في إخماد الغضب والسخط على النظام. لكنها لم تجْدِ نفعاً هذه المرة. بل على العكس، فقد اتسعت الاحتجاجات وخرجت التظاهرات في العديد من المدن في جميع أنحاء البلاد، وهو ما حمل النظام على محاولة امتصاص الغضب المتصاعد، خشية تحوله إلى ما لا تُحمد عقباه.. فأرسل الرئيس ابن علي وزيره للتنمية إلى منطقة سيدي بوزيد للإعلان عن مشاريع تنمية لمعالجة مشكلة البطالة. وبعدما تبيّن أن هذه الحيل قد لا تنطلي على الناس، أخرج النظام من جعبته ورقة المعارضة الصورية التي صنعها على عين بصيرة ووظّفها كصمام أمان لإحكام قبضته على السلطة والمجتمع، ولحمايته من السقوط.
ومع أن شدة البطش والقمع، الذي مارسته أجهزة "الأمن!" تجاه الأهالي، قد ساهمت في اتساع رقعة الاحتجاجات إلى المدن الأخرى، إلا أن السبب الحقيقي لذلك هو استفحال فساد النظام القائم وسوء رعايته لسنوات طويلة، ودأبه على ممارسة الإرهاب تجاه جميع مخالفيه، واستفزازه لمشاعر المسلمين وتحديه السافر للإسلام وأهله وقيمه وكل ما يمت له بصلة.
لقد جعل النظام التونسي نفسه وقفاً على حرب الإسلام واستئصاله من جميع نواحي الحياة في هذا الثغر العزيز من بلاد الإسلام، مدعوماً من الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا، التي لم يجد رئيسها السابق شيراك أفضل من تونس منبراً لإعلان هجومه على الخمار تمهيداً لمنعه في فرنسا. ولا تنفك التقارير الدولية تصدر مشيدة بالنظام التونسي وإنجازاته في مجال التنمية والاستقرار. فقد أشاد تقرير صندوق النقد الدولي الصادر لعام 2010م بحسن إدارة الحكومة التونسية للتوازنات والإصلاحات الاقتصادية! كما وضع منتدى دافوس الاقتصادي العالمي تونس في المرتبة الـ 35 من بين 122 دولة، فجعلها، من حيث معدل النمو، الأولى أفريقيا والثانية عربياً! ولا عجب، فهي "توازنات وإصلاحات اقتصادية" لا تشبع ملايين الجوعى من الفقراء ولا توفر لهم عيشاً كريماً، بل هي "إصلاحات موزونة" لخدمة الدول الغربية الرأسمالية والمستثمرين الغربيين، وطبعاً السواح، وهم الذين يخشى الرئيس التونسي أن يغيروا وجهة فسادهم وإفسادهم!
هكذا يكافَأ النظام التونسي على حرب الإسلام، وأسبقيته في محاربة الخمار في المؤسسات التعليمية وسوق العمل، ومحاربته للدعوة الإسلامية، على مدى عقود، بالاعتقال والسجن والتعذيب، حتى إن جرائمه طالت حرائر المسلمات سجناً وتعذيباً.
والحقيقة هي أن الفشل في رعاية شؤون الناس وتأمين الحاجات الأساسية لهم، من مأكل ومسكن وملبس، ورعاية صحية وتعليم وأمن، وتوفير العيش الكريم عبر توزيع عادل للثروة.. هذا الفشل ليس مقصوراً على النظام التونسي وحده، بل هو سمة عامة لجميع أنظمة الحكم القائمة في بلاد المسلمين. فإلى متى تبقى هذه الأمة الكريمة ترزح تحت أنظمة حازت جوامع الشر: ظلم الشعوب، والتبعية للغرب، والحكم بغير ما أنزل الله؟