أورد الكاتب (طارق المغربي) في عموده (أما بعد) بصحيفة الحرة العدد (532) بتاريخ الخميس 5 ذو الحجة 1431هـ الموافق 11 نوفمبر 2010م قال فيه:
يحرص حزب التحرير ولاية السودان على إرسال بيان صحفي بشكل يومي يكتبه الناطق الرسمي باسم الحزب؛ الشيخ ابراهيم عثمان. وعلى ما أظن فهو مسؤول التنظيم في السودان للصحف، وهذا كنشاط حزبي يدل على حرص الحزب على التواصل مع وسائل العلام، وتمليكها رأيه فيها ساعة بساعة، ولكن من النادر أن تهتم الصحافة بنشر كل نشرات الحزب، برغم أن فيها آراء يمكن نشرها والتعامل الصحفي معها، إلا أن هذه النشرات اليومية خلقت نوعاً من الاعتيادية لدى الصحف والصحفيين، الذين يحرص الحزب على إرسال بيانات لهم بصفة شخصية مما ينتج عنه اهمال دائم لها إلا ما ندر.
الأمر الآخر أن الحزب أو بالأحرى مسؤوله بالسودان يكتب بشيء من العاطفة والتي لا تقدم ولا تؤخر في السياسة، والأفضل منها في هذه الحال التزام الصمت، لأن في الصمت نجاة، والمرء مخبوء تحت لسانه، وفي بعض الأحيان تلازم بياناته بعض السطحية في التناول والتحليل، وكأن الموضوع المطروح للنقاش لا يمر على جهاز سياسي يقلب فيه النظر من كافة الجوانب ثم يدلو بدلوه فيه.
يدلني على ذلك الكثير والكثير من منشورات الحزب اليومية، والذي تبدو أهدافه أهدافاً مثالية لا يرجى لها التحقق في المنظور القريب، وقد يشكك العديد من المراقبين في جدوى الدعوة لها في ظل الراهن المعاصر، ومن الصحيح أنه ستعود خلافة على منهاج النبوة، ولكن ليس الطريق لها على وجه من التأكيد نهج حزب التحرير، وليست طريقته هي المثلى.
لست هنا في موضع المناظر، ولكن على قيادة الحزب سواء أكانت القطرية أو المركزية، التفكير بصورة واقعية للمساهمة بحق في استئناف الحياة الإسلامية من جديد، وإلا فإن طريقتهم تلك لا نهاية لها.
لفت نظري بيان الحزب الصحفي الأخير، والذي ذهب فيه إلى أن الحكومة بدأت تستجيب للضغوط الأمريكية وتتعهد بتمزيق البلاد، وهو اتهام خطير يلزمه من البينات الشيء الكثيرن ثم يتكلم عن الرئيس البشير دون لقبه الذي يحمله، اتفقنا معه أم اختلفنا فإننا ملزمون باحترامه لأنه أمير البلاد، وقائدها، من جانب آخر فهم الناطق الرسمي للحزب في بيانه رقم ح ت س 58 من تصريحات الرئيس في مؤتمر الأمومة والطفولة، فهم منها أنها استسلام للرغبة الأمريكية في تمزيق البلاد، والزامها ما لا يلزم منها، وقطع بأن تعهد الحكومة باجراء الاستفتاء في ميعاده المضروب هو الاصرار في السير في تنفيذ المخطط الأمريكي، وهو كما يرى التزام باتفاق موقع رضينا به أم لم نرض.
الحزب نجح في حشد جمع كبير للرافضين للانفصال في مظاهرته الأخيرة بميدان المولد بالخرطومن بجانب جمع الآلاف من التوقيعات التي لن تؤثر على نتيجة الاستفتاء، لأنه بين الجنوبيين وحدهم، أو على الأصح الحركة الحاكمة هناك.
كان على الحزب انتقاء مبدأ اعطاء الجنوب للحركة واطلاق يدها فيه. ولكن برغم ذلك العتب ليس على حزب التحرير الذي يريد أن يلغي الاتفاقية في نهاياتها بعدما أتت على كل شيء ومكنت الحركة الشعبية، وأصبحت بفضلها قوة في الجنوب والشمال.
ولكن بنظر فقه حزب التحرير هل الجنوب أرض إسلام بالأساس أم أنه دار لغيره؟ وهل يلزم الجنوبيين تبعيتهم للشمال إذا أرادوا غير ذلك؟ وهل تكون لهم نفس الحقوق إذا ارتضوا الوحدة مع الشمال؟ أي هل يجوز لهم أن يحكموا الشمال ويتسلطوا عليه بفقه حقوق الأقلية وأهل التهميش؟ كثير من الأسئلة التي على حزب التحرير الإجابة عليها دون مداراة أو تقية]انتهى.
وقد رد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان على المقالة، تم نشره في صحيفة الحرة يوم 21/11/2010 في الصفحة السابعة كاملاً تحت عنوان:
(رد على مقالة الأستاذ طارق المغربي).
الأخ الكريم/ رئيس تحرير صحيفة الحرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الموضوع: رد على مقالة الاستاذ/طارق المغربي
طالعنا بصحيفتكم الحرة العدد (532) بتاريخ الخميس 5 ذو الحجة 1431هـ الموافق 11 نوفمبر 2010م مقالة للكاتب طارق المغربي في عمود (أما بعد) تحت عنوان: (حزب التحرير)، انتقد فيها الحزب ثم وجه عديداً من الأسئلة في ختام مقالته. نرجو كريم تفضلكم بنشر الرد أدناه على المقالة:
أولاً: إن حزب التحرير حزب سياسي مبدئي، فالسياسة عمله، والإسلام مبدؤه، وهو يعمل بين الأمة ومعها لتتخذ الإسلام قضية لها، وليقودها لإعادة الخلافة والحكم بما أنزل الله، وهو يعتمد على الفكر العميق المستنير في فهمه للواقع، وفي انزاله للمعالجات من الإسلام على الواقع، فكيف يوصف حزب هذه طريقته بالسطحية؟! والغريب أن الكاتب وصف الحزب بالمثالية بعد أن وصفه بالسطحية فلا ادري كيف تجتمع المثالية والسطحية في آن واحد؟! فحزب التحرير يعلم القاصي والداني انه الحزب الوحيد الذي له رأي واضح في كل قضية ومسألة محلية كانت أم إقليمية أم عالمية ويشهد الأعداء قبل الاخوة ان حزب التحرير هو الحزب المقاتل الرئيس في حرب الأفكار، ويمكن للكاتب أن يرجع إلى ما كُتب عن الحزب في مراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية.
فالحزب لا يجعل الواقع مصدراً لتفكيره، كما هو الحال عند كثير من الأحزاب والجماعات، وإنما يجعل الواقع موضعاً للتفكير بالتغيير، حيث ان الواقع فاسد باتفاق، وما هذا التخبط في السياسات والوقوع في حبائل الغرب الكافر المستعمر إلا نتيجة لهذه الطريقة العقيمة في أخذ المعالجات من الواقع.
ثانياً: قال الكاتب: (ومن الصحيح أنه ستعود خلافة على منهاج النبوة، ولكن ليس الطريق لها على وجه من التأكيد نهج حزب التحرير، وليست طريقته هي المثلى). ولم يذكر لنا كيف ستعود الخلافة، وما هي الطريقة لعودتها؟ أما جزمه بأنها لن تقوم بطريقة حزب التحرير فلا ندري على اي شيء استند على ما قال (ربما الواقع). إن طريقة حزب التحرير طريقة شرعية، وهي ذات الطريقة التي أقام بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلطاناً ودولة للإسلام، ورغم أننا بينا كثيراً هذه الطريقة إلا أنه لا مانع من ايرادها، وهي باختصار:
1/ إيجاد كتلة واعية على الإسلام فكرة وطريقة (ومثال ذلك كتلة الصحابة).
2/ خوض الصراع الفكري والكفاح السياسي في المجتمع لايجاد الرأي العام الواعي عن الإسلام، ونعني بذلك ضرب العقائد الباطلة والأفكار المغلوطة، والمفاهيم الخاطئة وإيجاد مكانها الفهم الصحيح من الإسلام.
3/ طلب النصرة لإقامة سلطان للإسلام من أهل القوة والمنعة.
هذه هي الطريقة التي يسعى حزب التحرير بها لاستئناف الحياة الإسلامية باقامة الخلافة، وأي طريقة غير هذه الطريقة لن تؤدي إلى استئناف حياة إسلامية لإقامة الخلافة، وشرعاً يحرم اتخاذ طريقة غير هذه الطريقة تماماً كما يحرم أن نصلي بطريقة غير الطريقة التي بينها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «صلوا كما رأيتموني أصلي»، أو أن نحج بطريقة غير الطريقة التي طلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اتباعها «خذوا عني مناسككم»، فأي طريقة غير طريقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في تطبيق أحكام الله في الأرض تؤدي إلى الضلال، يقول الله عز وجل:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وقال سبحانه:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
ثالثاً: لو كان الكاتب متابعاً فإننا أصدرنا عشرات النشرات والبيانات والكتيبات وعقدنا عشرات المؤتمرات والندوات، بل وسيرنا مسيرة إلى القيادة العامة، وآخر مسيرة جابت مدن الخرطوم طالبت المسلمين رفض الاستفتاء والضغط على الحكومة لنفض يدها من اثم نيفاشا؛ أس البلاء ورأس الداء، كل ذلك قبل نيفاشا بل وقبيل ميشاكوس، وأثناء نيفاشا وبعدها.. ثم من الذي أعطى الجنوب لحركة التمرد وأطلق يدها فيه وفي الشمال؟! أليست نيفاشا التي وقعتها الحكومة؟! أما أننا نضغط في الخرطوم وليس في الجنوب لأن صناعة القرار ليست في الجنوب، والحكومة وحدها من بيدها الغاء الاستفتاء أو تمريره وليكن معلوماً لدى الكاتب أن الاستفتاء مجرد مسرحية كما كانت الانتخابات وان الذي يقرر الانفصال أو عدمه هي أمريكا، والذي بيده التنفيذ أو الرفض هي الحكومة، لذلك نحن نكشف مؤامرة أمريكا ونحض الحكومة على نفض يدها من هذا الجرم.
رابعاً: أما الأسئلة التي وجهها الكاتب فنجيب عنها استناداً على مبدأ الإسلام وليس العاطفة أو الواقع، وهي كما يلي:
1/ نعم إن أرض الجنوب أرض إسلامية فتحها المسلمون وحكموها، وأي أرض يفتحها المسلمون ويسيطرون عليها ولو ساعة واحدة تصبح أرضاً إسلامية (خراجية رقبتها للمسلمين ومنفعتها لأهلها)، ولذلك لا يجوز شرعاً التنازل عنها مهما كانت الظروف.
2/ إن الجنوب والشمال بل كل العالم الإسلامي يلزمه أن يكون تحت ظل دولة واحدة هي دولة الخلافة الإسلامية، وحتى تقوم تلك الدولة لا يجوز للمسلمين التفريط في أي أرض إسلامية سواء أكان سكانها مسلمين أو غير مسلمين.
3/اما الحقوق والواجبات فقد حددها رب العزة وطبقها رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده الخلفاء حتى سقوط دولة الإسلام، وهي أن لغير المسلمين ما للمسلمين من الانصاف والانتصاف، ولو طُبق الإسلام لما ظُلم أحد فقد عاش غير المسلمين في كنف الدولة الإسلامية آمنين، أما في ظل دويلات الضرار فالكل مظلوم مسلماً كان أو غير مسلم.
4/ أهل الجنوب ليسوا جميعهم غير مسلمين فهناك أكثر من مليوني مسلم، والقضية ليست أن يحكم أهل الشمال الجنوب أو يحكم أهل الجنوب الشمال، القضية أن يُحكم أهل الجنوب والشمال بالإسلام، ولا يهم بعد ذلك من يحكمهم إن كان من أهل الجنوب أو من أهل الشمال.
ختاماً ذكر الكاتب أن هناك كثير من الأسئلة التي علينا الإجابة عنها، ونتمنى من الكاتب أن يزورنا ليقف عن قرب على طرح حزب التحرير، أو إن أراد أن نزوره نحن في المكان الذي يحدده.