نص المؤتمر الصحافي الذي ألقاه رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية لبنان في بيروت تعليقاً ...
التفاصيل
التاريخ الهجري 28 من شوال 1431
التاريخ الميلادي 2010/10/07م
رقم الإصدار: ح.ت.ل 19/31
نص المؤتمر الصحافي الذي ألقاه رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية لبنان في بيروت
تعليقاً على أجواء الفتنة التي تطل برأسها على لبنان وأهله
أيها المسلمون في لبنان
أنتم أرقى من أن تتحولوا طائفتين لبنانيتين تتقاتلون تنفيذاً لمشاريع أعدائكم
من جديد يطل شبح الفتنة برأسه في هذا البلد البائس الذي أنشأه الغربيون ليكون بؤرة صراع فيما بين مجموعاته الطائفية ومَنْ وراءها من الأطراف الإقليمية والدولية. ولطالما عانى هذا البلد من الفتن الطائفية بكافة أشكالها.
فمنذ القرن التاسع عشر تفاقم تدخل الدول الأوروبية في شؤون السلطنة العثمانية بذريعة حماية الأقليات الدينية. وكان من نتائج هذا الاختراق الأوروبي للبلاد الإسلامية أن اندلعت الفتن الطائفية في جبل لبنان وسُفكت فيها الدماء، حيث كانت القنصليات الأوروبية تسعّر نار هذه الفتن لتوفير مزيد من الذرائع للتدخل في شؤون السلطنة. فكان أن ضغطت تلك الدول على السلطنة كي تنشئ نظاماً خاصاً في جبل لبنان، فأنشأت نظام المتصرفية الذي قضى بأن يتولى حكم جبل لبنان والٍ عثماني نصراني تعيّنه السلطنة شرط موافقة الدول الأوروبية الكبرى، وقد تضمن نظام المتصرفية إنشاء مجلس إداري يعاون المتصرف وتتوزع مقاعده على الطوائف المختلفة التي استمرت في التنافس على المكاسب والمناصب في هذه المنطقة الجغرافية الضيقة (3500 كلم2). وفي ذلك الوقت كان مصطلح "الطوائف" يُطلق على أهل الملل الذين كانوا من رعايا السلطنة، ولم يكن المسلمون معنيين بهذه التسمية، فهم ليسوا طائفة، وإنما هم الأمة العابرة للحدود الجغرافية والعرقية والقومية، والتي مثلتها دولة الخلافة مئات السنين.
وبعد الحرب العاليمة الأولى ووقوع جزء من بلاد الشام تحت الاحتلال الفرنسي، عمد الضابط الفرنسي غورو إلى إنشاء كيان جديد سماه لبنان الكبير، زاعماً أنه مجرد توسيع لمتصرفية جبل لبنان، فجمع إلى جبل لبنان ولاية بيروت العثمانية ومنطقة البقاع التي كانت جزءاً من ولاية دمشق العثمانية أيضاً، فبلغت مساحة الكيان الجديد الذي أعلنه أول أيلول 1920م ثلاثة أضعاف مساحة المتصرفية. وقد أراد الفرنسيون لهذا الكيان أن يكرس النزاع الطائفي الذي كان سائداً في الجبل من قبل، فجعلوا المحاصصة الطائفية أساساً للحكم والإدارة فيه مع فارق أن المسلمين الذين كانوا القيمين على نظام المتصرفية -باعتبارهم الأمة الحاضنة للجميع- قرر لهم الفرنسيون أن يكونوا جزءاً من هذا النظام الطائفي البغيض. ويعرف جميع الدارسين لهذه الحقبة من التاريخ القريب أن المسلمين كانوا رافضين كل الرفض لهذا الكيان الذي أُلحقوا به إلحاقاً رغم أنوفهم وفصلهم عن سائر إخوانهم في المحيط الإسلامي.
إلا أن الأمر الواقع الذي ثبّته الفرنسيون جعل المسلمين مع مرور الوقت يقبلون بالاندماج نسبياً في الكيان الجديد، فكان من أسوأ ما انجرف إليه المسلمون في لبنان تدريجياً أنهم قبلوا أن يكونوا طائفة من الطوائف اللبنانية، بل الأسوأ والأنكى أنهم انقسموا طائفتين تتنافسان على النفوذ والمناصب والمكاسب، تستقوي كل منهما على الأخرى بدول إقليمية أو قوى عالمية، حتى بات عنوان المشهد السياسي الحالي في لبنان هو النزاع السني الشيعي، فراح زعماء كل من الفريقين يتوسلون كل الوسائل ليرجحوا كفتهم في توازن القوى أمام خصومهم، كمخاطبة الغرائز وإثارة النعرات الطائفية، والحملات الدعائية، واستخدام الأجهزة الأمنية المتنافسة، وتجاذب الصلاحيات الدستورية وشراء الذمم بالمخصصات والإعانات والإعاشات والتسابق على خطب ود القوى الطائفية الأخرى. وحين لا يبقى لديهم من خيار سوى استخدام القوة العسكرية، فإنهم لا يتورعون عن تسليح الأتباع والأزلام للتقاتل وسفك الدماء، من أجل السيطرة على الأحياء والأزقة والزواريب، ليكسب كل فريق أوراقاً جديدة يضغط بها على خصمه. وحين يحين وقت التسوية بقرار من السادة في الخارج ينسى الزعماء الدماء التي سالت في الشوارع ويجتمعون في العواصم العربية يتبادلون القبل والنكات ويؤاكل بعضهم بعضاً ويذعنون لما تقرره العواصم من تسويات. وما أحداث أيار 2008 وما تلاها عنا ببعيدة.
هذا في العوامل الداخلية للفتنة في لبنان. إلا أن الخطر لا يكمن فقط في طبيعة التركيبة اللبنانية الطائفية. فإثارة الضغائن والعصبيات بين المسلمين في شتى أنحاء العالم لطالما كانت وسيلة اعتمدها أعداؤهم من دول الغرب ومن اليهود الذين احترفوا هذا النوع من المكائد. ففي أواخر عهد الدولة الإسلامية نجحوا في تقسيم المسلمين قومياً؛ عرباً وتركاً وأكراداً... وتمكنوا بهذا التقسيم من القضاء على دولة الخلافة. ثم عمدوا إلى تقسيم المسلمين قطرياً من خلال إنشاء دول قطرية مصطنعة، فاخترعوا عصبية جديدة لتكريسها هي العصبية الوطنية. واليوم ومع تحسبهم لاحتمال قيام دولة خلافة جديدة في العالم الإسلامي وما تشكّله من خطر مؤكد على هيمنتهم الحضارية والسياسية والاقتصادية، ودرءاً لهذا الخطر، تعمد دول الغرب وصنيعتها (إسرائيل) إلى إثارة عصبية جديدة وفتنة كانت نائمة منذ قرون، ألا وهي الطائفية المذهبية. فها هم الأمريكيون بعد احتلالهم العراق أنشأوا نظاماً سياسياً مشابهاً للنظام الطائفي في لبنان، وأمعنوا مع حلفائهم في إثارة الفتنة بين السنة والشيعة، فسفك بعض هؤلاء دماء بعض دونما تمييز بين مذنب وبريء. وها هي الفتنة نفسها تؤجَّج في دول الخليج وفي اليمن وفي باكستان وأفغانستان والهند... ومن يراقب الإعلام والصحافة يلمس لمس اليد أن دول الغرب وصنيعتها (إسرائيل) وأتباع الدول الغربية من حكام العالم الإسلامي دائبون على إثارة هذه الفتن. فهم في الوقت الذي يمنعون فيه القنوات الفضائية المعادية لهم ويغلقونها، يدعمون أخرى تثير الضغائن والعصبيات في كلا الفريقين من المسلمين وتحرضهم على التقاتل الطائفي. ويدفعون أشخاصاً مشبوهين وهيئات مصطنعة إلى استفزاز المشاعر وانتهاك الحرمات الدينية، إذكاءً لنار الفتنة، وما فعلة ذلك الدعيّ المدفوع الذي أمعن في الطعن بأم المؤمنين وما أعقبها من ردود فعل عنا ببعيدة.
أيها المسلمون في لبنان: لقد انزلقتم منزلقاً مريعاً حين قبلتم بأن تتحولوا عن الولاء لأمة عالمية إلى أن تكونوا طائفتين لبنانيتين متنازعتين، وحين قبلتم بأن تكونوا أتباعاً لزعماء قبليين يستقوون بالأنظمة الإقليمية والقوى الدولية، وحين قبلتم بأن تكونوا وقوداً لنزاع لا ناقة لكم فيه ولا جمل. وأقبح ما تُستدرجون إليه اليوم هو أن تتقاتلوا وتسفكوا دماءكم ويضرب بعضكم رقاب بعض.
أيها المسلمون في لبنان: أنتم أرقى من أن تكونوا طائفة لبنانية، فكيف بكم وأنتم تنقسمون طائفتين؟! بل أنتم جزء من أمة دان لها العالم قروناً من الزمان وجعلها الله سبحانه وتعالى الأمة الوسط إذ قال: [وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ]. فتمثلوا كتاب ربكم واسمعوا وأطيعوا أمره سبحانه القائل: [وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا]، وقول نبيكم صلى الله عليه وسلم: «فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» وقوله عليه الصلاة والسلام: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ». واعلموا أن صاحب المصلحة الكبرى في إيقاع الفتنة بينكم هم أعداؤكم من اليهود وحلفائهم، فإن تطيعوهم فقد انحرفتم انحرافاً بعيداً، وفي هذا قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)]