واثقون بما نقول، أسلوبنا راق، ومستعدون للقاء والحوار
التفاصيل
واثقون بما نقول، أسلوبنا راق، ومستعدون للقاء والحوار
خصص النائب ميشال عون جانباً من مؤتمره الصحافي أمس السبت للرد على نشرة صادرة عن حزب التحرير-ولاية لبنان، ويدور موضوعها حول الظلم اللاحق بحق أهالي المخيمات. وبما أن كلام النائب عون تضمن انتقادات قاسية نراها في غير محلها، كان لا بد لنا من تعليق سريع عليها.
أولاً: إن النشرة التي رد عليها النائب عون ليست نشرة جديدة ولا علاقة لها بالجدل المحتدم والتجاذب الدائر مؤخراً حول حقوق اللاجئين الفلسطينيين والتي تحركها سياسات خارجية وعصبيات محلية. فالنشرة صدرت ووزعت السنة الماضية وبالتحديد في 12/10/2009. فلماذا تأخر سعادة النائب بالرد حتى هذه الأيام؟ وهل للتوقيت علاقة بالمؤتمر الذي يزمع حزب التحرير تنظيمه في بيروت الأحد المقبل؟ وهو الأمر الذي لمح إليه النائب عون خلال مؤتمره.
ثانياً: وصف عون كلام الحزب بالخطير جداً واتهمه بالتحريض والتحفيز على الاصطفاف الطائفي. ونحن من جهتنا نستغرب هذا التعليق من النائب عون على موقف الحزب، إذ من الواضح أنه متابع لإصدارات الحزب ونشراته ومؤتمراته، وبالتالي لا بد أنه عرف موقف الحزب الرافض للنظام الطائفي في لبنان، بل هذا ما تنص عليه النشرة نفسها التي قرأها في مؤتمره الصحافي. وأما من ناحية التحفيز على الاصطفاف الطائفي، فهو يعرف أكثر من غيره أن الحزب لطالما كان بعيداً كل البعد عن الاصطفافات الطائفية التي أدت إلى تمزيق هذه الرقعة الصغيرة من الأرض "لبنان"، ولم يكن يوماً جزءاً من الانقسام والاقتتال الطائفي أو المذهبي، بل كان دائماً يرفع الصوت محذراً من الفتن الطائفية فيما بين الملل المختلفة، فضلاً عن الملة الواحدة.
ثالثاً: أما عن الفقرة التي قرأها النائب عون من نشرة الحزب المذكورة ونعيد إيرادها حرفياً: "فبينما ترتفع أصوات مطالبة بمنح الجنسية اللبنانية أناساً ولدوا من آباء بل من أجداد هاجروا من هذا البلد منذ أجيال وانقطعت كل صلة لهم به حتى نسوا لغته، لتمكينهم من التصويت في الانتخابات، تُحرم أجيال ولدت وعاشت في هذه البلاد من أدنى حقوق الكرامة الإنسانية." فمن الواضح أنه لم يكن القصد من هذه الفقرة رفض تجنيس أبناء المغتربين من لبنان، فإنه من آخر ما يهتم له الحزب أن يُمنح هؤلاء الجنسية أو يُحرموها وليست هذه قضية يشغل حزب التحرير نفسه بها. وإنما كانت عملية مقارنة بين هذا المسعى وبين رفض حصول اللاجئين الفلسطينيين وأبنائهم وأحفادهم على أدنى حقوق الكرامة الإنسانية. ولا عقدة لدينا في أن نسمي الأمور بأسمائها، فنحن مصرّون على أن الدافع وراء ذلك الموقف هو دافع طائفي، وإلا لماذا لم نسمع هذا الكلام بشأن تجنيس الأرمن الذين لديهم دولة قومية تسمى باسمهم، وكذلك بشأن تجنيس النصارى من لاجئي فلسطين؟!
رابعاً: وأما عن دفاعه عن النظام العالمي والحدود السياسية التي تقسم العالم الإسلامي ووصفها بأنها "موجودة لحل مشاكل العالم وليس لزيادتها إذ إنهم ليسوا بغجر"، فكنا نتمنى أن لا يقع في هذه المغالطة. إذ هو يعرف أن الحدود التي أنشأها المستعمر في البلاد الإسلامية عبر مؤامرات من مثل سايس-بيكو وسان ريمو لم تكن لحل مشاكل الناس، وإنما كانت بغاية تقسيم العالم الإسلامي على أساس القاعدة الاستعمارية الشهيرة "فرق تسد"، ولا نحسب سعادة النائب يصنّف الأوروبيين الذين يتنقلون بين أرجاء القارة، والأمريكيين الذين يتنقلون بين أكثر من خمسين ولاية دون تأشيرة دخول غجراً، فهل يكون المسلمون غجراً إذا طالبوا بتوحيد بلادهم وإزالة هذه الحدود المشؤومة؟!
وعن وصفه أعضاء الحزب بأنهم يعيشون في خلايا، فكنا نتمنى أن لا تصدر هذه العبارة من سعادة النائب، ولا يخفى على أحد ما تتضمنه من أسلوب تحريضي. إذ شباب الحزب يعيشون كسائر الناس في بيوتهم ويمارسون أعمالهم ووظائفهم ويجتمعون في مراكز علنية ممتدة من شمال لبنان إلى جنوبه. ولهم تنظيمهم الإداري كأي حزب في الدنيا.
خامساً: دعا النائب عون إلى احترام حقوقهم، ونظنه يعني بذلك حقوق النصارى. ونحن نجيبه بما قرأه مراراً في إصدارات الحزب ومؤتمراته، بأن مشروع حزب التحرير لاستئناف الحياة الإسلامية ووحدة البلاد الإسلامية ليس في مواجهة أهل الأديان والملل الذين يعيشون بسلام ووئام مع المسلمين، وإنما هو في مواجهة الهيمنة الغربية بكل أشكالها الحضارية والسياسية والاقتصادية والعسكرية... وفي مواجهة الأنظمة التي ترعى هذه الهيمنة والتي لا يراها النائب عون ولا غيره من أقرانه أنظمة صالحة. ولقد أوضح الحزب في مؤتمر السنوي سنة 2008 وما صدر عقبه من وثيقة سياسية حول المشكلة اللبنانية أن النظام السياسي الإسلامي لا يميز في رعاية شؤون الناس بين مسلمين وغير مسلمين، من حيث الحقوق والواجبات وفق ما شرعته أحكام الشرع الإسلامي.
وإننا ننتهز هذه الفرصة لننصح جيراننا النصارى الذين يعيشون معنا في لبنان، أن الرهان على ما يسمى بالتوازن الديمغرافي -ويعنون بذلك التوازن الطائفي- بات رهاناً خاسراً، لأن هذا التوازن لم يعد له وجود أصلاً. والتفكير الحكيم يكون بالبحث عن الصيغة الأسلم للتعايش مع المسلمين بمعزل عن الرهان على التوازن الطائفي والدعم الدولي والاستقواء بنظام إقليمي أو دولي. ونحن من جهتنا عرضنا وجهة نظرنا الشرعية في الوثيقة السياسية الصادرة سنة 2008 حول الصيغة المثلى لحياة يحيا فيها المسلمون مع غيرهم في ظل نظام لا يعرف مفهوم مواطني الدرجة الأولى ومواطني الدرجة الثانية.
وأما عن انتقاده لأسلوبنا وتحريض الدولة على منعنا من ممارسته، فنحن على ثقة بأن أسلوبنا في الخطاب هو من أرقى الأساليب، ولا غرو، فإن أكثر من خمسة عقود من العمل السياسي قد حنكت خطاب حزب التحرير، والعدو يشهد قبل الصديق بحصافته وحكمته.
وفي كل الأحوال فإننا نقدّر دعوة النائب عون للتعاطي معه إذ قال: "فليتفضلوا إذاً في حزب التحرير وليتعاطوا معنا بغير هذا الأسلوب"، ونجيب بأننا مستعدون للقائه لفتح نقاش هادئ. إذ إن الحزب الذي لا يسعى إلى مقاسمة الأطراف المتنازعة في هذا البلد بشيء من الحصص والمناصب ويرنو بعينيه إلى ما هو أبعد من الحدود القطرية الضيقة لا يتطلع إلى أي مهاترات داخلية وتراشقات إعلامية تضر ولا تنفع. والله تعالى هو الذي علمنا فقال: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.