بسم الله الرحمن الرحيم
نداء إلى التنظيمات المتقاتلة، والعشائر في العراق والشام: أوقفوا الاقتتال بينكم
فأمريكا تستغل اقتتالكم للتدخل عسكريا في بلادكم
تسارعت الأحداث في العراق وسوريا، وتسارعت معها تصريحات أوباما في 2014/8/18 ووزير دفاعه هيغل ورئيس الأركان ديمبسي في المؤتمر الصحفي 2014/8/22 حول استراتيجية أوباما طويلة المدى للتدخل العسكري في المنطقة... وحول الاتجاه لإنشاء تحالف دولي يسند التدخل العسكري الأمريكي... وكل ذلك بعد أن ظهرت من بعض أهالي المنطقة، سياسين وعسكريين، طلبات معلنة بالتدخل الأمريكي للإنقاذ! وقد بدأت أمريكا بالفعل التدخل الجوي في العراق... وكان الائتلاف السوري في 2014/8/16 قد ألحّ على أمريكا بالتدخل في سوريا أسوة بتدخلها في العراق، وخاطبها معاتباً أو متوسلاً لماذا هي تكيل بمكيالين، فتتدخل في العراق ولا تتدخل في سوريا!
إن أمريكا التي لفظها المسلمون وأهل المنطقة بعد أن عاشوا عدوانها الوحشي في أفغانستان والعراق، وهجمات طائراتها دون طيار في باكستان واليمن... أصبحت اليوم يُرجى خيرها بل ويُسعى بإلحاح لتدخلها العسكري بالرضا والاختيار! وهذا شر مستطير فوق شر تدخلها بالقهر والإجبار، فأن يهاجمك أفعى فتتصدى له خير ألف مرة من أن تُحضر أنت الأفعى بيدك إلى داخل بيتك فيقتلك وأبناءك وكل من في الدار! فكأن على عيون أولئك المستجيرين بنار أمريكا غشاوة، وفي آذانهم صمما، وعلى بصائرهم عمى!
لكن ما الذي هيأ الزمان والمكان لمثل هذه الأحداث النشاز؟ وما الذي جعل ما سعت له أمريكا، وما خططت له من مؤامرات، وما أرادته من تدخل... ما الذي جعل كل ذلك أمراً مطلوباً من بعض أهل المنطقة، يعلنونه دون حياء ولا خجل؟ إن المتدبر لذلك يرى أن أمريكا استغلت الاقتتال بين الحركات الثائرة في سوريا والعراق... فبعد أن كان خروج هذه الحركات لإزالة حكم الطواغيت انقلب خروج هذه الحركات، إلا من رحم ربي، انقلب إلى اقتتال فيما بينهم وليس قتالاً بينهم وبين الكافر المستعمر، أو بينهم وبين النظام الذي خرجوا لتغييره! ومع كل هذا وذاك فلا يقف أي من هذه الأطراف المتقاتلة للتساؤل: لماذا يحدث كل هذا؟ وأين كل هذا الذي يحدث من الهدف المعلن الذي خرجت هذه الحركات من أجله؟ وكذلك لا يقف أي منهم للتساؤل: لماذا تتنازع هذه الأطراف، التنظيمُ والحركاتُ الأخرى، لماذا يتنازعون ما بأيديهم من مناطق محررة من النظام بدل أن يكون التنازع على تحرير المناطق الأخرى التي بأيدي النظام؟!
أيها المسلمون: إننا من موقعنا في حزب التحرير ننادي المسلمين في تنظيم الدولة والحركات المسلحة، والعشائر أن يتوقفوا عن اقتتالهم ويعمدوا إلى إصلاح ذات بينهم، وأن لا يركنوا إلى الذين ظلموا فتمسهم النار...، نخاطبهم من باب الحرص على مصالح المسلمين، والألم والأسى يقطع قلوبنا عندما نرى تنظيم الدولة والحركات الأخرى خلال تقاتلها تهتف كلها بالتكبير في الوقت الذي يحرص فيه كل منها على الإجهاز على الآخر! إننا نخاطب كل هؤلاء، والألم يعتصرنا... ونتوجه لهم بهذا النداء في أمل ورجاء:
أولاً: إلى تنظيم الدولة بأن يتقي الله فيما يفعل فيوقف قتل المسلمين، فدم المسلم عند الله عظيم، ويرجع عما أعلنه من خلافة مزعومة على غير وجه حق، فالطريق إلى الخلافة معلوم وليس مجهولا، وقد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيرته بياناً أبيض ناصِعاً، وهو بطلبِ نصرةِ أهل القوة في بلد له مقومات الدولة، ثم تكون بيعة أهل ذلك البلد بالرضا والاختيار... ولكن التنظيم لم يأخذ بما أوجبه الشرع، وكل عمل على غير أمر الشرع يُفضي إلى تنازع وفتنة، وهكذا كان، فاشتعل الاقتتال بين التنظيم والحركات الأخرى، وصُبغت العلاقة بينه وبينها بصبغة الدم، وأصبح أهل كل بلد يدخله التنظيم يفرون منه بدل أن يأمنوا بجانبه... فليرجع التنظيم عن تلك الخطايا، والرجوع عن الخطأ فضيلة.
ثانياً: إلى الحركات المقاتلة الأخرى التي تستعين بأمريكا والغرب والعملاء والأتباع... إن استعانتكم بالكفار المستعمرين خطيئة، وكذلك هي فقدان للبصر والبصيرة، فكيف تساعدكم أمريكا أو الغرب لتزيلوا العملاء الذين نصَّبوهم إلا أن يريدوكم عملاء جدداً مكانهم؟ وكل عاقل يعلم أن هذا كالمستجير من الرمضاء بالنار، أفليس منكم رجل رشيد؟
ثالثاً: إلى العشائر...إلى مروءة الرجال، ودفء المشاعر الإسلامية، وتقدير الناس لكم واحترامكم، فلا تدعموا أياً من هذه الأطراف المسلمة المتقاتلة، فهم لا يقاتلون الكفار المستعمرين، ورغم أنهم يعلنون خروجهم على الأنظمة الطاغية لتغييرها إلا أنهم لا يجتمعون معاً لمواجهة تلك الأنظمة، بل يجمعون كيدهم لقتال بعضهم بعضا... فخذوهم بيد من حديد، واجمعوهم على الهدى، لتكون وجهتهم وجهة إسلامية واحدة، خلافة راشدة، يأمن الناس في ظلالها لا يخافون.. فينبذوا التجزئة والتقسيم والمناطق والأقاليم...
رابعاً: ثم إلى أولئك الذين هم ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وتعاهدوا على نصرة الله ورسوله لإقامة الخلافة الراشدة... إلى الذين نأوا بأنفسهم عن الاقتتال مع الحركات الإسلامية الأخرى، واستمروا لتحقيق الهدف الذي خرجوا من أجله... فاثبتوا على الحق الذي أنتم عليه، ولا يضركم قول أولئك الذين يرونكم أقل جمعاً من تلك الحركات الغارقة في دماء المسلمين، فالقلة الصادقة أثقل في ميزان الله من الكثرة الباطلة، والعاقبة للمتقين ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.
أيها المسلمون: لقد قضى حزب التحرير نحو ستين سنة ثابتاً على الحق الذي يدعو إليه، ملتزماً طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب النصرة لإقامة حكم الإسلام في الأرض دون حيد عنها قيد شعرة رغم الأقاويل التي كانت تُشيع أن طلب النصرة طريق طويل وأن استعمال القوة بفرض الحكم على الناس أقصر وأقرب، ولم يدرك هؤلاء أن القضية ليست هي الوصول إلى حكمٍ أي حكم، ولا سلوك طريقٍ أي طريق، بل القضية هي الخلافة على منهاج النبوة، والطريقة هي التي رسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنارها وأضاءها صلى الله عليه وسلم بوحي من العزيز الحكيم... وأية طريقة غيرها قد توصل إلى حكم في وقت أقرب ولكنه حكم سقيم أليم، لا يرضاه الله ورسوله والمؤمنون... فليست الخلافة اسما فارغاً من مضمونه... بل هي خلافة آمنة مطمئنة، يهاجر لها الناس للأمن والأمان في ظلالها، لا أن يفروا منها خوفاً وقهرا... خلافة يأمن الناس فيها على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وديارهم، لا أن تُسفك فيها الدماء وتنتهك الأعراض وتُهدم البيوت ويُعتدى على الأموال... خلافة تنشر الخير ليس فقط في بلاد المسلمين، بل تنقله بحضارتها إلى العالم، خلافة يأمن فيها المسلم وغير المسلم، ويأخذ كلٌّ حقه في عدلٍ واطمئنان...
إن حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله، وهو منكم ومعكم في هذا النداء... ينادي كل صاحب قلب ولُب، كل صاحب سمع وهو شهيد، أن يبذل الوسع، حتى وإن كان وسعه نصف كلمة، فليفعل لوقف الاقتتال بين المسلمين من تنظيم الدولة والحركات الثائرة الأخرى والعشائر، فلعل بقيةَ وقتٍ تكون... فيوقف المسلمون اقتتالهم، وينفروا صفاً واحداً في وجه أحلاف التدخل العسكري الذي تخطط له أمريكا وتقوده، فيصيب النفيرُ تلك الأحلاف في مقتل، ويكفّ شرها قبل أن يستفحل... هذا النداء هو بإذن الله صادق مخلص، نخاطب به من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فيكون له دور مؤثر فاعل في نصرة الإسلام والمسلمين، وردّ كيد الكفار المستعمرين... أما أولئك الذين لا يسمعون ولا يبصرون فقد نبأنا القوي العزيز بأمرهم ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾.
28 من شوال 1435
الموافق 2014/08/24م حزب التحرير