بسم الله الرحمن الرحيم
أمريكا تفكِّكُ العراقَ وتسير خلفها أطيافُ الكفار المستعمرين
فهم ينْسَون تنازعَهم ما دام الأمرُ تمزيقَ بلاد المسلمين
تتسارع الأحداث في العراق بصورة ظاهرية مدهشة منذ 2014/6/10 عند دخول الثوار الموصل وحتى الآن، فانهيارٌ للجيش العراقي في الموصل وتكريت أشبه بالتسليم والاستلام، بل وبأوامر من قيادات عليا في الجيش، ثم دعوة المالكي لحشد المليشيات بدل الجيش، وكر وفر في ديالى، بل وقريباً من بغداد، حتى بيجي أكبر مصفاة للنفط تتنازعها القذائف والراجمات والطائرات... ثم بعيداً إلى تلعفر، وهكذا دواليك، وكل ذلك في زمن قياسي كما لو كان مُعدّاً على موعد... وقد رافق هذه الأحداث دعوات مذهبية وطائفية من مراجع وزعماء حتى وصلت الفتنة إلى أوجها، وأصبحت تطل برأسها ووجهها، تَبكي وتُبكي، على أرض الرافدين التي كانت يوماً عاصمة الدنيا ينادي خليفتها السحاب!
ومع أن هذه الأحداث صارخة إلا أن ردود الفعل الدولية لم تكن على مستوى الأحداث، فتصريحات السياسيين كانت بحساب، ولم تكن بحجم الحدث، فبعضهم ألقى باللائمة على الأزمة في سوريا، وغيرهم ألقاها على منع حقوق السنة في العراق، وآخرون على طغيان المالكي... وكلها كانت من قبل ولم تجِدّ اليوم! وهكذا فلم تكن الأحداث توحي دولياً بما يناسب حجمها إلا أن يكون هناك تنسيق أو علم مسبق من الفاعلين المؤثرين على الساحة السياسية. وأبرز تلك التصريحات جاءت على لسان أوباما حيث أعلن الجمعة 13 حزيران/يونيو 2014 مطمئناً العالم بتدفق النفط وتعويضه من مخزون دول الخليج إذا تضرر في العراق ما يبين أن الإدارة الأمريكية لم تتفاجأ بما يحدث على الأرض، بل أعدت خططا مسبقة لتفادي أي أزمة نفطية. ثم ما صرح به أيضا أوباما في 2014/6/13 بأن واشنطن "لن تشارك في عمل عسكري في غياب خطة سياسية يقدمها العراقيون"، هذا على الرغم من الاتفاقية الأمنية بين أمريكا وبين العراق، وعلى الرغم كذلك من أن وزير الخارجية العراقي زيباري قال في جدة مساء الأربعاء 2014/6/18 "إن بغداد طلبت من واشنطن توجيه ضربات جوية للمسلحين."، وقد أكد ذلك رئيس هيئة الأركان الأمريكية الجنرال ديمبسي في جلسة الكونغرس، ما يعني أن أمريكا ليست في عجلة من أمرها في التدخل بل تؤخره لإنجاز ترتيب آخر. وأما بريطانيا فعلى الرغم من أن مصالحها في العراق مختلفة عن مصالح أمريكا إلا أنها سارت على النهج الأمريكي نفسه لأن الأمر يتعلق بتمزيق بلاد المسلمين. فقد صرح وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ لهيئة الإذاعة البريطانية في 2014/6/16 قائلا عندما سئل عن عدم التدخل: "إن الولايات المتحدة تتوفر على قدرات ومعدات أكثر مما تتوفر عليه بريطانيا فيما يتعلق باحتمال التدخل في العراق".
إن من يتدبر الأحداث الجارية يراها حلقة في سلسلة حلقات لم تبدأها أمريكا عند احتلال العراق فحسب، بل قبل الاحتلال منذ فرضت أمريكا مناطق الحظر الجوّي على شمال العراق عام 1991، حيث أصبحت منطقة كردستان شبه دولة! وعندما احتلت أمريكا العراق 2003 وضع بريمر الحاكم الأمريكي للعراق دستوراً يحمل بذرة تفكيك العراق، فجعله ينطق بالمحاصصة المذهبية والطائفية، واستمرت البذرة تنمو حتى إذا كان شهر 2011/12 وخرجت أمريكا بمظهرها العسكري وبقيت بحقيقتها الأمنية والسياسية كانت شجرة الفتنة قد أينعت، ثم غذَّتها أمريكا بأن تركت على رأس الحكم في العراق طاغيةً مذهبياً بامتياز، فتعمَّد المالكي قهر مناطق شمال العراق وغربها، وتجبر وظلم بعنجهيةٍ فريدةٍ من نوعها، كلما خبت أشعلها من جديد بأعمال وأقوال استفزازية إثارةً لتلك المناطق... وتصاعد الشحن المذهبي في إنشاء المليشيات الشيعية المسلحة، وفي المقابل التركيز على تنظيم الدولة على أنه إرهاب سني، مع أن التنظيمات التي دخلت الموصل وتكريت وغيرها كانت من حركات عدة ومنها تنظيم الدولة... ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تسابقت الدول المجاورة في إبراز الناحية المذهبية... وكل ذلك تنفيذا للسياسة الأمريكية، وتسير خلفها بريطانيا، ثم العملاء والأتباع حيث لا يريدون العراق وحدةً جامعة، بل مِزقاً متنافرة متناحرة، يقتل بعضها بعضا! ويعضُّ كل طرف بالنواجذ على أن يكون له إقليم، وأصبح يُنادى علناً بالإقليم والتقسيم... ولأن الأمور تسير دون خفاء، فقد أدرك إقليم كردستان واقع الحال، ولذلك فإنه في الوقت الذي سيطر فيه الثوار على الموصل قامت قوات البشمركة التابعة لإقليم كردستان بالسيطرة بشكل كامل على كركوك ومناطق محيطة بها. وقد نقلت رويترز في 2014/6/15 عن فؤاد حسين رئيس ديوان البرزاني قوله: "إن العراق دخل مرحلة جديدة تختلف تماما عما قبل السيطرة على الموصل وإن الأكراد سيبحثون عن كيفية التعامل مع هذا العراق الجديد".
أيها المسلمون... أيها العرب... أيها الأكراد... أيها السنة... أيها الشيعة... يا أهل الرافدين...
لقد سُفكت دماؤكم ونُهبت ثرواتكم، ودمرت بيوتكم، بل مساجدكم، وأصبحت العراق دولة هشة فاشلة لا ترد يد لامس... أفليس منكم رجل رشيد يتدبر ما حدث؟ ألا ترون أن أمريكا وأحلافها والعملاء والأتباع... الكل ينفخ في الفتنة، فتتزاحم ثم تنساب إلى ثلاث شعب، ثلاث مِزق، ثلاثة أقاليم: الأكراد والسنة والشيعة، لا يجمعها جامع إلا شعرة معاوية أو دونها بكثير...! أليس الأمر هكذا؟ ألا تتساءلون كيف حمت أمريكا إقليم كردستان؟ وكيف زرع بريمر في دستوره بذور المحاصصة الطائفية والمذهبية؟ ألا تتساءلون كيف أوجدت أمريكا في الحكم الحالي طاغية ينفخ في الفتنة المذهبية دون حياء ولا خجل؟ ألا تتساءلون كيف ترقب أمريكا الأوضاع وتغذيها ليتباعد الأكراد عن العرب، ويتباعد السنة عن الشيعة؟ ألا تتساءلون كيف تجتمع أمريكا مع بريطانيا، والعملاء والأتباع، والجميع يسيرون في اتجاه النفخ في هذه الفتنة، هذا مع العلم بأن مصالح أمريكا وبريطانيا تختلف لكنها تجتمع على تمزيق بلاد المسلمين؟!
لقد جمعكم الإسلام قروناً، وأظلتكم رايته رَدَحاً من الزمن، فكنتم أقوياء أعزاء، تتقاسمون الخير معاً، وتحاربون الشر معاً... بلدكم أرض البطولات، أرض القادسية، أرض البويب يرموك فارس، بلد هارون الرشيد والمعتصم، بلد صلاح الدين، بلد الفاتحين السابقين واللاحقين إن شاء الله. إن العراق الواحد قوي بأهله، والعراق الممزق ضعيف بمزقه... ولئن ظن الأكراد أن وجود إقليم كردستان أو دولة كردستان ستوجد لهم عزاً فهو لن يتجاوز المدى القصير ولكنه مقتل لهم بعد حين... ولئن ظن السنة أن وجود إقليم لهم في شمال العراق وغربه سيوجد لهم عيشاً هانئاً فهو لن يتجاوز فترة ليست ذات شأن، ثم يكون عليهم من بعدُ شقاء وضنكا... ولئن ظن الشيعة أن وجود إقليم لهم في الجنوب سيوجد لهم قوةً فيها جبروت فهو لن يكون إلا لقليلِ وقتٍ، ثم تعود الأمور ضعفاً وذلة.
أيها المسلمون... أيها العرب... أيها الأكراد... أيها السنة... أيها الشيعة... يا أهل الرافدين...
إن الرائد لا يكذب أهله، وإن حزب التحرير ناصح لكم، فلا تركنوا إلى أمريكا وأوروبا، فإنهم لن يقيموا لكم وزناً، بل هم جادون في أن يصيبوا منكم مقتلاً... فيوجدوا في العراق كيانات ثلاثة ترتبط معاً برباط مهترئ في دولة اسمية تمهيداً إلى قطع هذا الرباط في مراحل لاحقة... إننا نستطيع أن نفهم توجيه أمريكا والغرب سهامهم المسمومة نحونا... أما أن يقبل بذلك أهل العراق، بل ويتصارعون لتحقيقه، وكل منهم يطلب عون أمريكا في ذلك، فإنه لشر مستطير ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾، إنكم أمة واحدة يحرم عليها أن تتفرق ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، ويحرم عليكم أن تتنازعوا وإلا انهارت قوتكم وطمع فيكم عدوكم ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾.
إن هذا الأمر يا أهل الرافدين لا يصلح إلا بما صلح به أوله: حكم بما أنزل الله، وجهاد في سبيل الله... اعتصام بحبل الله وقطع الصلة بأعداء الله... نبذ الطائفية والعصبية «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» أخرجه البخاري عن جابر... اتركوا المسميات الطائفية والمذهبية، وتمسكوا بالاسم الذي سمانا الله به، ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾، فعودوا إليه وأقيموا دولته، الخلافة الراشدة، فبها تعزّون، وبها تخاطبون السحاب من جديد، وبها تعودون عباد الله إخوانا... ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
21 من شـعبان 1435
الموافق 2014/06/19م
حزب التحرير