القبولُ بوثيقةِ جنيف وصمةُ عارٍ لا تُمحى

وهي للدماءِ التي سُفكتْ والأعراضِ التي انتُهكتْ خيانةٌ لا تُنسى

عُقدَ في جنيف السبت 30\06\2012م اجتماعٌ ضمَّ الدولَ دائمةَ العضويةِ في مجلس الأمن، وتركيا والعراق والكويت وقطر، ومعهم عنان مبعوث الجامعة العربية والمنظمة الدولية، بالإضافة إلى أمين الجامعة، وأمين المنظمة الدولية، ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، وذلك لبحثِ تسويةٍ سياسيةٍ مع طاغيةِ الشام من أجل إقامةِ حكومةٍ انتقاليةٍ مشتركة بين النظامِ المجرم الحاكم والمعارضةِ (الرسميةِ) للنظام! وكان قد سبق ذلك اجتماعٌ في بطرسبورغ الروسية بين وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ونظيرها الروسي سيرغي لافروف للتفاهم حول المرحلةِ الانتقاليةِ في سوريا.

لقد قالوا إنهم اتفقوا على وثيقةٍ وقّعوها تنصُّ على "تأسيس حكومةٍ وطنيةٍ انتقالية تمهِّدُ للمرحلة الانتقاليةِ، وتعملُ بصلاحياتٍ تنفيذيةٍ كاملة، وتضُمُّ عناصرَ من الحكومةِ الحالية والمعارضة" تأخذُ على عاتقها تطبيقَ خطةِ عنان ببنودها الستة التي بدأت في شباط/فبراير 2012م، وجَعلوا للحكومة الانتقالية أمداً، سنةً كاملة، تحلّ خلالها أَزَمَة المجازر والجرائم الوحشية التي اقترفها النظام، وكيف؟ بالحوار مع النظام الذي يَقطرُ فَمُه بالدماءِ التي وَلغَ فيها طوال سنة ونصف أو يزيد!

لقد صرّحت كلنتون وزيرة خارجية أمريكا تعليقاً على الوثيقة بأنَّ "الاتفاقَ الذي تم التوصلُ إليه السبت يمهّدُ الطريقَ لمرحلةِ ما بعد الأسد..." وأضافت "أن الولايات المتحدة ستعرضُ على مجلس الأمن الخطةَ الانتقاليةَ التي تمَّ التوافقُ في شأنها، والتي تنصُّ على تشكيلِ حكومةٍ انتقاليةٍ في سوريا".

وصرَّح لافروف وزيرُ خارجية روسيا "أنَّ على السوريين أن يقرروا المرحلةَ الانتقاليةَ في بلادهم..." داعياً إلى "عدم استبعاد أيّ مجموعة عن هذه العملية" وأضافَ في مؤتمر صحفي عقدهُ في جنيف في ختامِ الاجتماع "أنَّ السوريين أنفسَهم هم الذين سيقررون الطريقةَ المحددةَ لسير المرحلةِ الانتقالية".

أما عنان فقد قال "إن الحكومةَ الانتقاليةَ ستمارسُ السلطاتِ التنفيذيةَ الكاملة، ويمكنُ أن تضمَّ أعضاء في الحكومة الحالية والمعارضة ومجموعاتٍ أخرى"، وأضاف في مؤتمرٍ صحفي "أشكُّ في أن يختارَ السوريون أشخاصاً ملطخةً أيديهم بالدماء لحكمهم".

ولكنَّ الذي لم يقولوه هو أنَّ هذه الوثيقةَ هي ترجمةٌ لنقاطِ الاتفاق بين أوباما وبوتين خلال اجتماعهما في المكسيك في 18\06\2012م، حيث وضعَ الرئيسان الأمريكي والروسي اللَّبناتِ الأولى لهذه الوثيقة، فهما قطبا الرَّحى في الاجتماع، وأمَّا أوروبا والصين فقد كانتا ظلَّ حائطِ تلكُما الدولتين، وأما الدولُ الأخرى فَلَمْ تَكُنْ سِوى (حَواشٍ) لملءِ الكراسي الخاليةِ في قاعةِ الاجتماع، وليكونوا شهودَ زورٍ على ما يجري...

إن ما جرى ويجري في سوريا يكشفُ الأدوارَ الحقيرةَ للدولِ الـمُسمَّاة كبيرة! أما أمريكا فهي لما فوجِئتْ بتحركاتِ المنتفضينَ في سوريا لإسقاط نظام بشار، عميلِ أمريكا، طاغيةِ الشام... ومن ثَمَّ تَصاعُدِ الثورةِ بسواعدِ المسلمينَ المنطلقينَ من المساجدِ مكبرين... خَشيتْ أن يَسقطَ نظامُ الطاغية أمامَ هديرِ صيحاتِ المنتَفضين بالتكبير، وأزيز رصاص الجنود الأحرار الذين تركوا نظامَ بشار، وذلكَ قبلَ أن تجدَ البديلَ أو تصنعَ العميل، فيصل الإسلامُ إلى الحكم... فأسقط في يدها، وصارت تُعطي المهلةَ تلوَ المهلة لبشار من خلالِ مشاريعَ سياسيةٍ عربيةٍ، أو دوليةٍ، فتتصاعدُ مجازره وتتوالى جرائمه...

وأما روسيا فقد كانت أشبهَ بالعاملِ الأجير عند صاحبِ العمل، فهي تُدركُ أنَّ أمريكا هي صاحبةُ النفوذِ في سوريا، وأنَّها لا تريدُ أن يسقطَ عميلُها بشار قبل أن تجد البديلَ أو تصنعَه، فصارت روسيا تمدُّ طاغيةَ الشام بالسلاح والخبراء، والمؤونة والمعونة، وبالدعمِ الدَّولي ليستمرَّ في المجازر الدموية والأعمال الوحشية، في عملٍ حقيرٍ يمكِّنها من مقايضة الدماء التي يَسفكُها بشار بوعودٍ من تنازلاتٍ أمريكية في منظّمةِ التجارةِ الدوليةِ والدرعِ الصاروخي وفي أماكن محطاتِ الإنذار، وذلك عندما يستنفد بشارٌ دورَه، ومن ثَمَّ رحيلُه مذموماً مدحوراً، وهذا ما أوشكَ أن يكون...

فاجتمع في المكسيك بوتين المسلّح بعقليةِ رجل المخابرات القديم في الـ"كي جي بي" الذي يقايض الدمَ والإجرامَ وكلَّ سلوكٍ قذرٍ بمصلحةٍ يحقِّقُها حتى وإن كانت وعداً مهزوزاً! اجتمع مع أوباما المسلّح بعقليةِ المرشح للرئاسة من جديد الذي يُهمّه أن يقدمَ للناخبينَ إنجازاً بالمحافظةِ على مناطقِ نفوذه حتى وإن كان على جثثِ الناسِ وجماجمِهم!.

ولكنَّ الذي نسيته أو تناسته أمريكا وروسيا هو أنَّ في الشامِ رجالاً جلاداً صلاباً، لا يخافون لومةَ لائم... أعينُهم ترنو إلى عزةٍ في الدنيا بإقامة الخلافةِ الراشدة، وإلى جنةٍ عرضُها السماواتُ والأرض في الآخرةِ أُعِدَّت للمتقين، وإلى رضوانٍ من الله أكبر... رجالاً آلَوْا على أنفسهم أن لا يمكِّنوا أمريكا وروسيا والأتباعَ والأشياعَ من أن ينالوا شروى نقيرٍ في أرضِ الشام بإذن الله، بل إنَّها ستكون عقرَ دار الإسلام، عقرَ الخلافةِ، وأنفُ الكفارِ راغم.

أيها المسلمون:

إن حزب التحرير يحذّركُم من القبول بوثيقةِ جنيف، فهي وصمةُ عارٍ لا تُمحى، وهيَ خيانةٌ لا تُنسى للدماءِ التي سُفكت والأعراضِ التي انتُهِكت، وهي خزيٌ وصَغارٌ في الدنيا، ثُمَّ في الآخرةِ إلى جهنم وبئسَ المصير.

أيها المسلمون الثائرون في أرض الشام الأبية:

لا تيأسوا من رحمة الله، فإن عدوَّكم قد أثقلتهُ الجراحُ فوقَ ما أثقلتكُم، وترجونَ من الله ما لا يَرجون، فأنتم على الحقّ إن شاء الله، تريدون إعادةَ حكم الإسلام، وهم على الباطلِ، أصحابُ ظلمٍ وظلام {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}، فاصبروا وصابروا ورابطوا، فما النصرُ إلاّ صبرُ ساعة، وإنَّكم مع الجندِ المخلصين بعونِ الله وقوتهِ لقادرونَ على ردِّ كيدِ أعداءِ الإسلامِ في نحورهم، وإنَّ أمريكا وروسيا وأشياعَهم وعملاءَهم لأجبنُ من أن يستمروا في قتالكم {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

أيُّها المسلمون:

إن الرائدَ لا يكذبُ أهلَه، وإنَّ حزب التحرير يستنهضُ هممكم، ويستنفرُ جُندكم، ولعلنا، وكلَّ المسلمين، نكون معكم على موعدٍ إن شاء الله، نرفعُ فيه رايةَ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم، رايةَ العُقاب، رايةَ (لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله) {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)}.

11 من شـعبان 1433

الموافق 2012/07/01م

حزب التحرير