مغالطاتُ أوباما في خِطابـِهِ من مَقـَرِّ الخارجيةِ الأمريكيةِ أزاحت الستارَ عن زَيْفِ السياسةِ ...
التفاصيل
بسم الله الرحمن الرحيم
مغالطاتُ أوباما في خِطابـِهِ من مَقـَرِّ الخارجيةِ الأمريكيةِ
أزاحت الستارَ عن زَيْفِ السياسةِ الأمريكيةِ!
ألقى أوباما الليلة الماضية خطاباً من مقر الخارجية الأمريكية وجّهه إلى شعوب الشرق الأوسط، وقد ملأه بمغالطات عدة، منها أن أمريكا تؤيّد وتدعم شعوب المنطقة في ثورتها ضدّ حكامها الديكتاتوريين الذين ظلموها وبطشوا بها...، وأنه سيدعم الحكوماتِ الجديدةِ التي تنشئها تلك الثوراتُ بالإعفاء من بعض الديون وتسهيل القروض عن طريق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وركّز على مصر في ذلك...، وفي أواخر خطابه أعلن أن أمريكا ستدعم حلّ الدولتين في فلسطين: واحدة آمنة مطمئنة ليهود تحفظ أمريكا أمنها، وأخرى لأهل فلسطين دولةٌ كسيحٌ منزوعةِ السلاح! ونسي أو تناسى أن فلسطين أرض إسلامية من بحرها إلى نهرها، وستعود بإذن الله إلى أصلها وأنفُ أعداء الإسلام راغمٌ...
إن المتدبّر لخطاب أوباما يراه يقلب الحقائق رأساً على عقب، فكلّ ذي عينين يرى ويعلم أن الحكام الظلمة الطغاة في بلاد المسلمين هم ربائب الغرب وبخاصة أمريكا، فهل هناك من ينكر العروة الوثقى بين مبارك وأمريكا، حتى لقد قيل إنه أمريكي أكثر من الأمريكيين؟ وهل هناك من لم يبصر مراوغة أمريكا في تصريحاتها خلال ثورة ميدان التحرير في مصر، حيث كانت تدعم مواقف مبارك، وتوحي إليه بما يفعل، وتمرّ على ميدان التحرير مرّاً عابراً؟ لقد كانت أمريكا ترى وتسمع بطش مبارك بالناس وقتله المئات وجرح الآلاف واقتحام الخيول والجمال لمخيماتهم، ومع ذلك لم تحتجّ أو ترفعِ الصوتَ إلا عندما أيقنت أن (مبارك) قد أصبح عاجزاً عن قتل المزيد، وأن الثوارَ يكادونَ يطبقون على عنقه بأيديهم دون خشيةٍ من (بلطجيته)! عندها غيّرت أمريكا اللهجة وبدّلت الموجة، ولفظت مبارك وطفقت تبحث من حرسه القديم والجديد من يملأ مكانه لخدمة مصالحها...
وهي اليوم تكرر النهج نفَسَهُ في سوريا، فلين الخطاب نحو النظام السوري أمرٌ مشهود حتى لدى الساسةِ في أمريكا بل والعالم، فرغم القتل والمجازر والجرحى وتكسيرِ الناسِ وهدمِ المنازل والمساجد طِوال شهرين كاملين، فإن أمريكا كانت تغضّ النظر عن النظام السوري، فلمّا تصاعد تصميم الناس على خلع النظام رغم غزارة الدماء طلعت أمريكا بتصريح خجول تقول فيه: إن على بشارٍ أن يقود التغيير السياسي أو يرحل! أي أن ثورة الناس ضد ظلم النظام وبطشه ومجازره تريد أمريكا أن تكلها إلى صاحب الظلم والبطش والمجازر! وكما عملت بالنسبة لمبارك فسيكون بالنسبة إلى بشار، فهي تمهلهُ ليقتلَ الناسَ ويبطشَ بهم، فإذا أصبح عاجزاً عن قتل المزيد، ويوشك على السقوط في أيدي الثوار فستخرج بتصريحات تتملقُهم بها وتنفضُ يدها من دعم طاغية الشام!
إن أمريكا رأسُ الكفر والاستعمار لا تـُحَسّنُ صورتـَها مغالطاتُ أوباما، فلا يُصلحُ العطارُ ما أفسد الدهرُ، فهي لا ترى إلا مصالحَها المادية حتى لو كانت على جماجم الآخرين، حتى إنها لتصارع شريكَـَها في استغلال الشعوب "الاتحادَ الأوروبيَّ" في استعمار بلاد المسلمين كما هو جارٍ في ليبيا واليمن والبحرين وغيرها من المناطق الحسّاسة في بلادنا. إن هذه الدولَ حاقدةٌ على الإسلام والمسلمين، وقيَمُها التي يتغنّى بها أوباما هي الحقد الذي أفرزه الغرب وبخاصة أمريكا علينا في العراقِ وأفغانستان وغوانتانامو... هي القصف المستمرّ من طائراتها على المسلمين في باكستان... هي الاغتيالُ الجبانُ لشهيدٍ غيرِ مسلّح في بيته وليس في ميدان القتال... هي التحكّم الاقتصادي في بلادنا بواسطة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عبر سياسة القروض والمشاريع الخدمية غير المنتجة، وتضخيم الربا، والهيمنة على الاقتصاد بصادراته ووارداته حتى أصبحت بلادنا الغنية بالثروة يئنّ معظمها بالديون الباهظة والربا المتصاعد! هي الدعم المستمرّ لكيان يهود المغتصب لفلسطين مع جرائمه الوحشية المستمرة ضدّ أهلنا في الليل والنهار، هذه قيم أمريكا، بل هي الأبرز من قيم أمريكا!
أيها المسلمون: إن خطاب أوباما هذا ليس بدعاً من الخطابات السابقة، فهو قديم جديد، ذكر فيه ما كان قد ذكره في خطاباته قبل ذلك، وبخاصة خطابه في القاهرة قبل سنتين مضتا، وشِبْهُ الجديدِ فيه أنه ركّز أكثر، ورفع الصوت أعلى، وصعّد من نبرة صوته بدعم دولة يهود وحماية أمنها، حتى فاقها في بعض أمرها حرصاً على يهود! فأخرج القدسَ واللاجئين من أيّ بحثٍ قد يكونُ بوضعهما في باب الأمور العاطفية، وليس الأمور الأساسية، ومزج بين حدود (67) وتبادلٍ للأراضي في نصّ صريح لإدخال المستوطنات في دولة يهود، فلا تشملها دويلة فلسطين الكسيح منزوعة السلاح!
أيها المسلمون: نعم، خطاب أوباما ليس بدعاً من الخطابات السابقة، فهو أمرٌ معتادٌ ومتوقّعٌ من أوباما ومن الرؤساء الأمريكان منذ نشوء قضية فلسطين، ولكنّ المؤلمَ حقاً أن أوباما في خطابه يتنقل في بلاد المسلمين، فيصول هنا ويجول هناك، ويعرّج على هذا البلد وينتقل إلى غيره، قائلاً هذا يجوز وهذا لا يجوز، كأنّ بلادَ المسلمين بعض ولايات أمريكا!
لقد أصبحت بلاد المسلمين التي كانت حاضرة الدنيا وخلافتها قائمة، يحترمها الصديق ويهابها العدوّ، وتنشر الخيرَ في ربوع العالم؛ أصبحت في غياب خلافتها مسرحاً لأوباما يتنقل على خشبته! والذي يزيد الألمَ ألماً أن الرئيس الأمريكي مع كل هذا وذاك يجد الحكامَ في بلاد المسلمين وأعوانـَهم يُوالونه مطأطئين له الرؤوس ظنّاً منهم أن عنده العزة والحماية، وذلك ظنهم أرداهم، فهم لا يتـّعظون بقول الله سبحانه {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} وكذلك هم لا يعتبرون من الوقائع المحسوسة، حيث يشاهدون أشياعهم كيف لفظتهم أمريكا بعد أن استنفدوا أدوارهم!
أيها المسلمون، إن حزب التحرير يناديكم:
ألم يأْنِ لكم أن تدركوا أن الخلافة هي فرض ربكم، وأمرُ رسولكم، وسبيلُ عزتكم، والطريقُ إلى نهضتكم؟ ألم يأْنِ لكم أن تسارعوا للعمل مع العاملين في حزب التحرير لإقامة الخلافة وتحقيق وعد ربكم {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} وبشرى نبيكم «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»، فتشرق الأرض بالخلافة من جديد، وتنكفئ أمريكا والغرب إلى عقر دارهم إن بقي لهم عقر دار!
ثم ألم يأْنِ لكم أن تتوجّهوا إلى الله سبحانه مسرعينَ تائبينَ قبل أنْ يدركـَكـُم الموتُ فتندموا ولات حين مَندَم {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}؟