أوباما "يُعمِّق" النفوذ الأمريكي في العراق من وراء انسحاب خادع! إبقاء "50" ألف جندي وعشرات الآلاف...
التفاصيل
بسم الله الرحمن الرحيم
أوباما "يُعمِّق" النفوذ الأمريكي في العراق من وراء انسحاب خادع!
إبقاء "50" ألف جندي وعشرات الآلاف من المرتزقة: أهو للتدريب أم للتخريب؟
ألقى الرئيس الأمريكي أوباما فجر هذا اليوم 1/9/2010م خطاباً كان أبرز ما جاء فيه بالنسبة للعراق: إعلان انتهاء المهمات القتالية للجيش الأمريكي في العراق، وأن مهمة القوات الباقية هي لمساعدة العراق وإسناده في عمليات محاربة الإرهاب، وأن جنوده ضحَّوا في العراق لتحقيق مستقبل أفضل للعراقيين بدافع القيم الأمريكية... وقال "ولكن التزامنا بالعراق مستمر... وشراكتنا معه بعيدة المدى"!
وقبل ذلك كان قد أعلن في خطابه الأسبوعي 28/8/2010م أنه "نفَّذ ما وعد به خلال حملته الانتخابية...ثم قال ستواصل القوات الأمريكية المتبقية - 50 ألفاً- دعم القوات العراقية وتدريبها ومشاركتها في عمليات محاربة الإرهاب، بالإضافة إلى توفير الحماية إلى الجهود الأمريكية المدنية والعسكرية".
إن أوباما يدرك قبل غيره عدم صحة كثيرٍ من أقواله:
أما انتهاء المهمات القتالية، فكيف ذلك؟ والخمسون ألفاً ليست هي وحدها الباقية، بل تساندها قوات مرتزقة "106"آلاف، بالإضافة إلى مجرمي الشركات الأمنية التي أعلنت الخارجية الأمريكية أنها ستضاعف أعدادهم إلى "7000"، وأن شركة بلاك ووتر الأمنية سيئة الذكر ستعود إلى العراق، وإنما باسم آخر "إكس واي"! فهل هذه الآلاف المؤلفة للمساندة والمشورة والتدريب، أو هي لتعميق النفوذ والتخريب؟! وبخاصة وأنه منذ إعلان انسحاب آخر القطاعات العسكرية الذي بدأ صباح الخميس 19/8/2010م حتى اليوم الذي بقي فيه نحو خمسين ألفاً، فإن تصريحات المسئولين العسكريين والدبلوماسيين خلال هذه الفترة تكشف هذا الخداع. فقد قال المتحدث باسم البنتاغون جيف موريل "لا أعتقد أن أحداً أعلن انتهاء الحرب على حد علمي... إن مكافحة الإرهاب ستظل جزءً من مهمات القوات المتبقية... لذلك يمكن أن تواجه بسهولة مواقف قتالية حتى بعد انتهاء هذا الشهر"، وصرَّح الناطق باسم الجيش الأمريكي اللفتنانت كولونيل أريك بلوم قائلاً "إن مغادرة آخر كتيبة مقاتلة للعراق إلى الكويت لا تعني أنه لم تعد هناك قوات قتالية في العراق"، بل لم يستبعد قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال ريموند أوديرنو أن تواصل الولايات المتحدة وجودها العسكري في العراق حتى بعد موعد الانسحاب المقرر نهاية العام القادم! وكذلك فقد وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيلب كراولي الانسحاب بأنه "لحظة تاريخية... وأن الالتزام الأمريكي في العراق صلب وطويل الأمد"، كما أكد السفير الأمريكي الجديد في بغداد جميس جفري أن "الانسحاب الأمريكي هو تطبيق للاتفاقية الأمنية، وما نتطلع إليه بعد هذا الانسحاب هو العلاقات طويلة الأمد بين البلدين".
كل هذه التصريحات تكشف خداع هذا الانسحاب، فالذي فعله أوباما أنه أخرج قواتٍ بيده اليمنى، وأدخل أخرى بيده اليسرى، كالأفعى التي تغير جلدها لتصبح أنعم ملمساً وأشد فتكاً! وأما الذي دفع أمريكا لتغيير جلدها فهو أنها أخطأت الحساب عندما توقعت أنها بهزيمة النظام ستهزم العراق، ففوجئت بالمسلمين يقفون في وجهها بقوة، سنتهم وشيعتهم، إلا أولئك الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، بل بدنيا غيرهم، من الذين أحضرتهم أمريكا معها بدباباتها، ومن الذين صنعتهم خلال احتلالها... وهكذا كثر القتل في جنودها حتى اقتربوا من خمسة آلافٍ اعترفت بهم، ناهيك عن الذين لم تعترف بهم، أو نسبتهم لحوادث سير أو نيران صديقة... فظنت أنها إن تلاعبت بالمسميات، فغيرت تسمية المهمات القتالية إلى مهمات المساندة والمشورة والتدريب، يمكن أن تخدع أهل العراق، فينظروا إليها نظرة المهتم بمصالحهم ومساعدتهم، فيستقر نفوذ أمريكا في العراق بأمن وأمان، ويخف القتل في جندها، فيكسب أوباما رأيا عاماً في أمريكا، وبخاصة والانتخابات النصفية أواخر العام قد اقتربت!
وأما تضحية جنود أوباما لتحقيق مستقبل أفضل للعراق بدافع القيم الأمريكية، فواقع العراق بعد احتلاله يسخر من قول أوباما هذا! فإن أمريكا منذ احتلالها للعراق في 20/3/2003م وطوال سبع سنوات ونصف لم تترك عملاً وحشياً مجرماً إلا فعلته، فقد ملأت العراق فساداً وإفساداً، وأشعلت نار الطائفية والمذهبية في العراق، وكان أزلامها يفجرون مسجداً للسنة هنا، ومسجداً للشيعة هناك، وسوقاً شعبياً لهؤلاء وآخر لأولئك، ليلقي كل من الطرفين المسئولية على الآخر، فتنفجر الأوضاع، وتتقطع أوصال الجسد الواحد! فتشرَّد الكثير عن مسكنه، وخاصم الجار جاره، وانقسم الحي أحياء، ونُصِبَت الجدران العازلة... هذا بالإضافة لما أقامته من سجون مملوءة بأعمالها الوحشية التي تنأى عنها وحوش الغاب، حيث اعتقال الناس وتعذيبهم فيها، بل وقتلهم بأساليب دموية أفرزتها قيم أمريكا!! وكذلك فقد كانت العراق قوة عسكرية يحسب لها حساب فحلَّت أمريكا جيشها، ووضعت مكانه مليشيات متعددة الاتجاهات والولاءات ما ساعد على هشاشة الأمن، حتى أصبحت العراق مرتعاً لكثير من القوى الجاسوسية التي ترعاها أمريكا، سواء أكان ذلك مباشرة أم بطريق غير مباشر بواسطة دول تابعة للنفوذ الأمريكي في المنطقة...
لقد عملت أمريكا خلال احتلالها للعراق على تحقيق ما تسميه "الانقسام الناعم" أي ليس انقساماً صريحاً بإنشاء دول في العراق، ولكن بأن يصبح مكوناً من أقاليم، لكل منها وزن وقوة في العراق، وتكون الحكومة المركزية هي الحلقة الأضعف، فلا تقدر على جمع أطرافها، فتصبح البلد في ظاهرها كياناً واحداً وفي حقيقتها متعددة الكيانات...
فهل هذه الجرائم التي صبغت الاحتلال الأمريكي بصبغتها الدموية، هي ما يعدُّه أوباما تحقيقَ مستقبل أفضل للعراقيين بدافع القيم الأمريكية؟!
لكن أوباما قارب الحقيقة عندما قال "ولكن التزامنا للعراق مستمر، وشراكتنا معه بعيدة المدى"، وإن كان عبَّر بألفاظ أخف وقعاً! فإن أوباما أراد من انسحابه الخادع استمرار النفوذ الأمريكي والهيمنة على العراق تحت مسمى المساعدة والمشورة والتدريب والمشاركة، بدل استمرار النفوذ الأمريكي تحت مسمى المهمات القتالية... ولذلك فإن دهاقنة السياسة الأمريكية أطلقوا على العمليات في العراق منذ اليوم "الفجر الجديد" الذي يوحى بالازدهار والأمن والأمان، بعد أن كانوا أطلقوا على عملياتهم قبل ذلك "تحرير العراق" بما يحمله من معارك قتل وقتال!
أيها المسلمون، يا أهل العراق: إن التلاعب بالمسميات لا يغير من الحقيقة شيئاً، وإن الجرائم التي ارتكبتها أمريكا في العراق لا يصح أن تُنسى، سواءٌ أَلَبِست أمريكا جلداً ناعماً أم خشناً { هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}. إن أمريكا في أزمات متلاحقة، داخل أمريكا وخارجها، وهي تحاول أن تخفف من وقع جرائمها في العراق بعمليات تجميلية مزيفة، بالقول إنها أنهت مهماتها القتالية، وهي الآن للمشورة والمساندة ودعم مصالح العراقيين!
إن الخطورة الآن هي أن يستطيع أوباما أن يُعمِّق نفوذه في العراق بخداع أهله بأنه سحب قواته القتالية، وأن ما بقي منها للمشورة والتدريب في عهد جديد سماه فجراً جديداً! إن الواجب عليكم أن تجعلوه بحق فجراً جديداً، وذلك باقتلاع نفوذ أمريكا من جذوره، وأن تفضحوا تلك الطبقة السياسية التي ساقها مع دباباته وصنعها خلال احتلاله، فهي تساهم في تلميع صورته حتى إنها تقوم بالتضليل في موضوع تشكيل الحكومة لتُظهر أن العراق غير قادر على تصريف شئونه، وبالتالي يحتاج وصاية أمريكية عليه! وواقع الحال أن هذه الطبقة السياسية طوع بنان أمريكا، فلو أمرتها الساعة بتشكيل الحكومة لفعلت صاغرة، ولكنها طبقة لا تستحي من الله ولا من رسوله ولا من المؤمنين.
أيها المسلمون، يا أهل العراق: إن حزب التحرير يحذركم من الوقوع في أحابيل السياسة الأمريكية، فلا تخدعنكم أقوالها بإنهاء المهمات القتالية وانظروا أفعالها فهي لا زالت تُحكم سيطرتها على العراق، وتمد نفوذها فيه، وتنشر قوات دموية مرتزقة تفوق في وحشيتها وحشية القوات الأمريكية نفسها على فظاعتها، وكل ذلك ذراً للرماد في العيون لإيجاد رتوش على الصورة السامة لتظهرها صورة مبتسمة!
إن أمريكا هي مأزومة اليوم وهي فرصة لاغتنامها، واقتلاع النفوذ الأمريكي من جذوره، فعراق الإسلام لا يحتاج إلى تدريب أو مشورة من الذين كادوا، ويكيدون للإسلام والمسلمين، فكيف لهؤلاء وأشياعهم أن يقدموا مساعدة أو نصحاً أو شيئاً من الخير؟! {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}
أيها المسلمون، يا أهل العراق: إنكم من أمة عزيزة كريمة، خير أمة أخرجت للناس، لم تستسلم يوماً لعدوها، قاتلت الغزاة دون كلل على مر التاريخ شهوراً وسنوات، بل وصل بعضها القرنَ أو يزيد، فقد قهرت الصليبيين والتتار، وانتفضت بعد ذلك حتى فتحت القسطنطينية، ووقفت على ضفاف خليج الأدرياتيك ترنو ببصرها لفتح روما، وطرقت أبواب فينَّا... وكان خليفتها يقود جيشها، يُقاتَل من ورائه ويُتقى به... نَصَرَت الله فنصرها، واستجابت لأمر الله فحكمت بالعدل فأعزَّها، وحريٌ بها اليوم وقد داهمتها أمواج الصليبيين والتتار بأسماء جديدة من يهود وأمريكان وإنجليز وغيرهم، حريٌ بها أن تجدَّ وتجتهد لتنصر الله فينصرها، وتستجيب لأمره سبحانه فيُعزّها... حريٌ بها أن تقيم الخلافة الراشدة، فتنتفض ثانية كما انتفضت بعد الصليبيين والتتار، وتُري أمريكا وبريطانيا ويهود وأحلافهم ما كانوا يحذرون، فيعود النصر والانتصار {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}
أيها المسلمون، يا أهل العراق: هذا هو الطريق الموصل إلى رضا ربكم، وهو مبعث عزكم، ومحقق فوزكم...