قمة منظمة التعاون الإسلامي... قمة الخيانة والتعاون على الإثم!!
د. مصعب أبو عرقوب*
اختتمت الأربعاء 13/12/2017م القمة الطارئة التي انعقدت في تركيا لمنظمة التعاون الإسلامي بدعوة من الرئيس التركي أردوغان، لاستعراض التطورات التي نتجت عن قرار الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بمدينة القدس عاصمةً لكيان يهود، فأكدت في بيانها الختامي على أنّ قرار ترامب هو تقويض متعمد لجهود السلام ويصب في مصلحة (التطرف) و(الإرهاب)، وأكد المجتمعون على التمسك بالسلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، والتمسك بالاعتراف بـ(القدس الشرقية) عاصمة لفلسطين وفق المرجعيات الدولية، ومبادرة السلام العربية لعام 2002 التي اعتمدتها القمة الإسلامية الاستثنائية في مكة المكرمة عام 2005 - باعتباره خياراً استراتيجياً.
استراتيجياً.. قدمت منظمة التعاون الإسلامي في قمتها بإسطنبول لكيان يهود أكبر مما قدمه ترامب في قراره، فالاعتراف بشرقي القدس عاصمة لدويلة ورقية يعني صراحة الاعتراف بغربي القدس عاصمة لكيان يهود بخاتم (إسلامي)!! وإن كان لا قيمة لقرار ترامب الذي لا يملك القدس، فإن الاعتراف بغربي القدس لكيان يهود ممن يدّعون وصلاً بالقدس والإسلام، يحمل صبغة خاصة تضفي شرعية على كيان يهود... وتقدم لهم القدس على طبق من ذهب.
طبق.. حمل عليه لكيان يهود غربي القدس والاعتراف بأحقيته في الوجود على أكثر من 78% من مساحة الأرض المباركة فلسطين، فكانت قمة منظمة التعاون الإسلامي قمة في التنازل عن الأرض المباركة، وتعاونا على إثم التفريط والخيانة وتثبيتا لأركان كيان يهود الغاصب عبر الإقرار بالمبادرة العربية التي تعتبر الصراع منتهيا والتطبيع واجبا مع كيان يهود، إذا أقيمت دويلة فلسطينية إلى جانب كيان يهود، متشبثين بذلك بالقرارات والقوانين الدولية!!
قرارات وقوانين دولية هي ذاتها التي أعطت جل الأرض المباركة لكيان يهود واعترفت به كيانا شرعيا في قلب الأمة الإسلامية، جاعلة منه خنجرا مسموما في خاصرة الأمة، وقاعدة متقدمة للمستعمر الغربي الذي وضع القوانين الدولية وسهر على أمن كيان يهود وتثبيت أركانه بدعمه سياسيا وعسكريا واقتصاديا، ليكون حجر عثرة في وجه نهضة الأمة ووحدتها.
وحدة.. لم ولن تتجسد في منظمة التعاون الإسلامي التي كرست تبعية الأنظمة للغرب المستعمر وسير الحكام الخونة في طريق الخيانة والتفريط في الأرض المباركة، كما لن تتجسد في مواقف هزيلة لرؤساء البرلمانات العربية الذين أكدوا في اجتماع لهم سبق قمة إسطنبول على "رفضهم المطلق للمساس بالمكانة القانونية والسياسية والتاريخية للقدس الشريف"، فمكانة القدس في أذهان المجتمعين مكانة قانونية تحددها لهم القوانين الدولية أي الاستعمار الغربي، وأعلنوا سبب اعتراضهم الشكلي على قرار ترامب واصفينه بالخروج الصريح عن الشرعية والقانون الدوليين.
فالشرعية الدولية والقانون الدولي يشكلان أساس الدفاع عن قضية الأرض المباركة عند الأنظمة وحاشيتهم من رؤساء البرلمانات العربية، ليجسدوا بذلك مدى انسلاخهم عن ثقافة الأمة الإسلامية باعتبارهم الشرعية والقوانين الدولية مرجعية ومنطلقا لحل قضية الأرض المباركة، فمجرد اعتبار القوانين الدولية التي وضعها الغرب المستعمر الطامع في بلادنا مرجعية لقضية فلسطين يعني التنازل عن جل الأرض المباركة لكيان يهود، فالشرعية الدولية وقوانينها ضمنت لكيان يهود الحق في الوجود على جل الأرض المباركة في حدود آمنة وثابتة، فأي تضليل وخيانة وإثم أعظم من جعل الحاكمية للقوانين الدولية الاستعمارية على الأرض المباركة بقدسها وأقصاها... وحق الأمة الإسلامية فيها؟!
فالأمة الاسلامية هي صاحبة الحق في الأرض المباركة، حق وملكية ومكانة عظيمة قررتها الأحكام الشرعية التي جعلت من الأرض المباركة أرضا خراجية ملكا للأمة الإسلامية، وأعطتها مكانة خاصة حفرتها سورة الإسراء في قلوب المسلمين، ورباطا عقديا جسده إسراء المصطفى عليه الصلاة والسلام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بورك حوله.
بركة... جعلت من الأرض المباركة كاشفة لكل خيانة، ولكل عنتريات فارغة، فالانتصار لمسرى الرسول عليه الصلاة والسلام لا يكون بالتمسك بطاغوت القانون الدولي ولا يكون بالاعتراف الهزلي بشرقي القدس عاصمة لدويلة ورقية، ولا يكون بالشجب والاستنكار وعقد القمم والبرلمانات فارغة المحتوى والمضمون، بل يكون بتجييش الجيوش لتحرير مقدسات الأمة وأرضها من كيان غاصب أوجب الشرع على الأمة اقتلاعه.
اقتلاع... جسده القادة الأفذاذ في الأمة من أمثال الناصر صلاح الدين والمظفر قطز، اقتلاع ينتظره كل مسلم موحد بربه كحل شرعي ووحيد لقضية فلسطين، حل تتشوق له أمة كاملة تعرف الغث من السمين، ولا تقيم وزنا للخونة المجتمعين في قمم وبرلمانات التنازل والتفريط، ولا تعبأ بسيل التصريحات الجوفاء التي لا تغير شيئا من الواقع المرير.
واقع... يوجب التحرك الفوري من جيوش الأمة الإسلامية لتحرير الأرض المباركة وإرجاع المسجد الأقصى ومسرى النبي عليه الصلاة والسلام إلى أحضان الأمة الإسلامية، فقضية فلسطين هي قضية عسكرية تستوجب شرعا التحرك الفوري لجيوش الأمة لتحريرها.
تحرك... لجيوش الأمة تكبله الأنظمة لأنه يهدد كياناتها المرتبطة بالمستعمرين... ويصمت عن المطالبة به علماء السلاطين لارتباطهم بعروش الظلمة.. وقد يغيب عن الإعلام والأقلام المأجورة والفصائل المرتمية في أحضان الأنظمة العميلة... لكنه رغم ذلك كله يبقى الحل الشرعي الوحيد الذي أوجبه الله على الأمة الإسلامية، والحل العملي الذي لم يغب عن أذهان الأمة الإسلامية ولم تسقطه يوما من حساباتها، فنادت به جماهير الأمة الغاضبة في المسجد الأقصى والأردن وتونس وماليزيا وإندونيسيا وبنغلاديش وباكستان وتركيا... وغيرها من بلاد المسلمين التي خرجت فيها المسيرات مطالبة جيوش الأمة بالتحرك الفوري لإنقاذ القدس وتحرير فلسطين.
فلسطين التي ما صَدقت يوما قمة أو تصريحا أو جعجعات إعلامية من زعماء عملاء للغرب، وبقيت تنتظر الفاتحين المحررين الذين سيشرفهم الله بتحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول عليه الصلاة والسلام.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين