مقال للكاتب القبطي د. رفيق حبيب جدير بالقراءة ننقله للفائدة كما ورد على موقع الجمعية الدولية لمترجمي العربية
الإسلام الجزئي.. شعار إسلامي ومضمون علماني
تستخدم المواصفات القياسية لتحديد شروط المنتجات والسلع، طبقا للشروط الصحية والبيئية. وعندما تطلب الدول الغربية منتجات من دول العالم، تطلبها طبقا للمواصفات القياسية الغربية. فكل دولة تحدد المواصفات اللازم توفرها في السلع، حتى يسمح لها بدخول البلاد. وهو أمر مفهوم، حيث أن تلك السلع سوف تستهلك داخل الدولة، طبقا لمعاييرها الصحية والبيئية ومعايير استهلاك الطاقة، وغيرها.
فكل دولة من حقها أن تستورد ما تريد. ولكن يلاحظ أحيانا تطور المعايير القياسية لمجالات خارج مواصفات المنتج نفسه، فيوضع شرط مثلا، أن لا تكون السلعة قد اشترك في إنتاجها أطفال، لمحاربة عمالة الطفل. ويفهم من ذلك، أن الدولة المستوردة لا تريد أن تكون شريكة في استغلال الأطفال، أو شريكة في منتج انطوت عملية تصنيعه على جريمة.
وشروط السلع المستوردة في النهاية تخضع لمعايير المشتري، ففرض المواصفات يأتي من قبل المشتري، الذي يحدد السلعة التي يريد أن يدفع ثمنها.
ولكن الأمر تطور إلى ما هو أكثر من هذا، حيث ظهرت المواصفات القياسية لطريقة إنتاج السلعة، وليس فقط المواصفات القياسية لجودة السلعة نفسها. وظهرت شهادات الجودة التي تمنح للشركات التي تستخدم أساليب إدارية محددة. فأصبحنا بصدد تنميط لطرق الإدارة نفسها، حيث يتم استيراد السلع من الشركات التي تتبع نمطا إداريا معتمدا من مؤسسات الجودة الغربية.
وهو أمر غير مبرر، لأن الأهم هو مواصفات المنتج، وليس الطريقة الإدارية المتبعة داخل المؤسسة. وهنا قيل أن المنتج الذي يخرج من عملية إدارية جيدة، هو منتج جيد. وأصبحت العملية الإدارية جزء من مواصفات المنتج. ومعنى ذلك، أن أي محاولة للتطوير في العملية الإدارية والإجرائية، يجب أن تلتزم بالنمط الإداري الغربي، ولا توجد مساحة للتطوير والابتكار خارج ما هو معتمد من العلم الغربي.
ولقد دار بين اليابان وأمريكا جدل حول الأنظمة الإدارية للشركات اليابانية، في تسعينات القرن العشرين، وإبان الصعود القوي للاقتصاد الياباني. فأرادت أمريكا من اليابان أن تلتزم بنظم الإدارة الغربية، ولكن الشركات اليابانية رفضت، لأن نظمها الإدارية أدت إلى إنتاجية أعلى من الإنتاجية في الشركات الأمريكية. ولكن أمريكا
أرادت أن تلزم اليابان بمعاييرها، ولم تقبل أن يكون لليابان نمطا إداريا لشركاتها يختلف عن النمط الإداري الأمريكي. ولكن الشركات اليابانية لم تخضع لتلك الشروط، لأنها تعرف أن جزءا من تميزها ونموها، يرتبط بتميز نمط شركاتها عن الشركات الغربية، وتميز نمط العلاقة بين العامل والشركة، عن نظيره في الغرب.
تلك المعركة الرمزية لها دلالة مهمة، فالنمو الاقتصادي في اليابان، لم يكن تقليدا للغرب، بل كان نتاج الابتكار الياباني. فالمقلد لا يحقق طفرة، وبالتالي لا يحقق نهضة، ولكن المجدد هو الذي يحقق الطفرة ويحقق النهضة. لذا حاولت اليابان ومعها النمور الأسيوية، المحافظة على قدرتها على التجديد داخل إطار تميزها الحضاري، حتى تحقق تطورها ونهضتها. فأصبحت تمثل خطرا من نوع خاص، وهو خطر النمو بدون إتباع المعايير الغربية، والذي يؤدي إلى تحقيق التقدم بمعايير مختلفة، ومن خلال ابتكار أنماط حضارية خاصة، فيتحول النمو الاقتصادي، إلى تنافس حضاري يتجاوز حدود التنافس الاقتصادي.
لقد ظهر جليا أن الدول الغربية تريد تسويق نمطها الحضاري في مختلف جوانب الحياة، من خلال فرض مواصفات قياسية عالمية، تبدأ من مواصفات المنتج، ثم تصل إلى مواصفات الإدارة، وبعدها نصل لمواصفات النظام السياسي، ثم نصل إلى مواصفات النظام الاجتماعي. وتتم عملية توحيد قياسي لنمط الحياة بشكل عام، ويعاد إنتاج الحضارة الغربية داخل الحضارات الأخرى، وإن كان بخصوصية تميز كل حالة من حالات إعادة إنتاج الحضارة الغربية، حسب الحضارة التي تتم فيها عملية إعادة الإنتاج.
الخطر الأخضر
ولكن تلك العملية اصطدمت بالمنطقة الإسلامية، والتي شكلت الحالة الأصعب، والتي ترفض عملية التنميط الغربي. فهي حضارة عريقة تاريخيا، وهي تقع في قلب العالم، وعلى حدود الغرب الجنوبية. والأهم من ذلك، أن الحضارة الإسلامية مثلت بديلا حضاريا عن الحضارة الغربية، ومقابلا يتحدى مقولات الغرب الأساسية. لذا لم يعتبر الغرب عبر تاريخه، حضارة جنوب شرق أسيا والصين، حضارة منافسة له، ولكنه اعتبر الحضارة الإسلامية، حضارة منافسة له.
لذا أراد الغرب فرض معايير أكثر على المنطقة العربية والإسلامية، ولم تعد القضية تتعلق فقط بجودة المنتج، ولا بالنظام الإداري، بل حدث تمدد إلى مختلف مناطق النظام العام، بدأ بالمنطقة السياسية حتى المنطقة الاجتماعية. لذا شهدنا محاولات للتوحيد القياسي لمختلف جوانب الحياة في بلادنا العربية والإسلامية، تبدأ من النظام السياسي، وتصل إلى قوانين الطفل والأسرة والمرأة، وغيرها.
هو خطر أخضر إذن، لأنه يمثل حضارة لها قدرة على التأثير العالمي، وهي حضارة لا ترتبط بعرق محدد، مثل حضارات أسيا، بل هي حضارة عالمية عابرة للقوميات، وفي شمالها حضارة قومية بامتياز، وهي حضارة الرجل الأبيض، الذي يرى أنه متفوق بحكم الطبيعة البيولوجية. فالحضارة الغربية، حضارة قومية خالصة، وتريد أن تهيمن على العالم، وفي مقابلها الحضارة الإسلامية العابرة للقومية، والتي تقبل دخول أي قومية بداخلها، وتعتبر نفسها صاحبة رسالة عالمية، ومن هنا يحدث الصدام المتكرر عبر التاريخ.
ولأن الغرب أراد نشر نموذجه من خلال عملية التوحيد القياسي، لذا أصبح يعتبر المنطقة الإسلامية بمثابة التحدي الأكبر له. فهي منطقة ترفض عملية التوحيد القياسي، ولها تميزها الحضاري الواضح، وتستند في تميزها الحضاري إلى النص الديني المقدس، والذي يحدد ثوابتها الحضارية، ويجعلها غير قابلة للاختراق أو التبديل أو التغيير.
التوحيد القياسي الشامل
واجه الغرب التحدي الأخضر بمحاولة تحقيق توحيد قياسي للنظام العام في البلاد العربية والإسلامية، بصورة شاملة، لذا نجد الشروط الغربية على الدول العربية والإسلامية، أكبر من الشروط الغربية على الدول الأسيوية.
وحتى ينجح المشروع الغربي، استعمرت المنطقة أولا، ثم تم تقسيمها، ثم سلمت لنخب تحافظ على ذلك التقسيم. ووضعت المنطقة داخل إطار سياسي نابع من نموذج الدولة القومية القطرية الغربي، حتى لا تستطيع تحقيق وحدتها، وتظل الدول القائمة وسيلة أساسية في منع توحيد الأمة الإسلامية. ثم يتم بعد ذلك تنميط أسس النظم العامة من خلال استيراد القوانين الوضعية من الغرب، ثم توضع معايير لمختلف جوانب النظام العام، حتى الجوانب الاجتماعية، والتي تؤدي إلى إخضاع النظام العام للمعيار الغربي. وبهذا لن تستطيع الدول العربية والإسلامية، تحقيق النهوض من خلال خصوصيتها الحضارية.
ولا توجد أمة أو شعب حقق النهوض والتقدم والرخاء من خلال تقليد شعب آخر. فعملية تقليد الحضارة القوية المتقدمة، يمكن أن توفر قدرا من التحسن في الحياة، ولكنها لا تبني حضارة ناهضة ولا دولة قوية. فالتقليد شكل من أشكال التبعية، والتقدم يقوم على الاستقلال الشامل. وكل شكل من أشكال التبعية، يمنع التقدم الحقيقي الأصيل، ويمنع النهوض الحضاري. فيصبح فرض نهج تقليد الغرب على المنطقة العربية والإسلامية، هو وسيلة الغرب في ضمان عدم نهضة تلك المنطقة.
وتبقى مشكلة الإسلام
انتماء المنطقة إلى الحضارة الإسلامية، جعل منظومتها الحضارية تنتظم داخل إطار ديني يحدد ثوابت الحضارة الإسلامية. وتقوم الشريعة الإسلامية بدور مركزي في تحديد القيم الحضارية العليا، والتي يجب الالتزام بها. وكلما حاول الغرب إنفاذ عملية التوحيد القياسي لنظم الحياة في البلاد العربية والإسلامية، حسب النمط الغربي، واجه الثوابت الحضارية الإسلامية، والتي تحددها الشريعة الإسلامية. فأدرك الغرب، أنه يحتاج إلى توفيق أوضاع النموذج الإسلامي مع المعايير الغربية، حتى يمكن التوصل إلى صيغة تظل إسلامية، وإن كانت تتفق مع المعايير الغربية القياسية.
هنا ظهر تحدي الحركة الإسلامية، وتحدي الخطاب الإسلامي، فالمطلوب غربيا لا يتحقق إلا بتعضيد من خطاب إسلامي يقبل المعايير الغربية، وحركة إسلامية تقبل المعايير الغربية. وبدأت عملية البحث عن الخطاب الإسلامي الجديد، والحركة الإسلامية الجديدة.
خطاب مطابق للمواصفات
أصبح المطلوب هو إنتاج خطاب إسلامي مطابق للمواصفات القياسية الغربية، رغم أنه لن يتحول لمنتج يتم شراءه من الدول الغربية، بل سيتم إنتاجه وتسويقه في البلاد العربية والإسلامية، وسوف يصبح منتج محلي، ويتم شراءه ودفع ثمنه محليا. ولكن هذا الخطاب سوف يتيح لحامله الحصول على شهادة الجودة الغربية، والتي تجعله مفكرا إسلاميا عالميا، معترفا به من الغرب المتقدم، وينال كل دعم ومساندة غربية، وتفتح له أبواب المؤسسات الأكاديمية والإعلامية، وينال ما شاء من مكانة دولية.
كما أن الدولة التي تعتمد الخطاب الإسلامي المطابق للمواصفات الغربية، سوف تصبح حليفا للغرب، تنال الدعم والتأييد، وتتجنب الغضب العسكري الغربي. فالغرب يملك العصا والجزرة، وعصاه حصار واحتلال عسكري، والجزرة هي تحالف وتبعية وخضوع، وتنتهي بمساندة النخب الحاكمة على الاستمرار في الحكم، رغم الاستبداد والفساد. فسيد العالم، هو من يملك القوة، ويفرض شروطه، ويدفع ثمنا معقولا لمن يخضع لتلك الشروط.
والمطلوب من الخطاب الإسلامي المطابق للمواصفات الغربية، أن يؤيد الديمقراطية الليبرالية بوصفها معيارا أعلى، ويؤيد قيم الحرية الفردية، وحقوق الإنسان الفرد المستقل عن أي مجموع أو كيان جماعي، ولا يسمح للمجتمع بأن يكون له نفوذ وهيمنة على الأفراد، ويقبل بأن حرية الاعتقاد تعني أن الدين شأن خاص وفردي، وليس شأنا جماعيا أو عاما.
وتلك هي المفارقة الأهم، فحرية الاعتقاد تعني أن كل فرد له حرية أن يعتقد في عقيدة يؤمن بها، ولكن ذلك لا يعني منع الجماعة التي تتفق على عقيدة ما في أن تعيش طبقا لهذه العقيدة، ويكون لها نظامها المستمد منها. ولكن المواصفات الغربية تقوم على نزع الفرد عن أي نظام جماعي، وإعطاءه كل الحقوق والحرية في مجاله الخاص، ثم فرض سيطرة الدولة الكاملة على المجال العام، تبعا لمعايير القوانين الوضعية.
فالمواصفة الأساسية المطلوبة من الخطاب الإسلامي المعتمد غربيا، هو أن يجعل الإسلام دينا فرديا، ليس له علاقة بالمجال العام أو النظام العام أو الدولة أو الدستور أو القانون. وبهذا يصبح الخطاب الإسلامي الجديد، قابلا للتعايش مع الهيمنة الغربية. والحقيقة أنه ليس خطابا إسلاميا تجديديا، بل هو مجرد تقليد للنموذج الحضاري الغربي المهيمن، الذي أخضع المسيحية لسلطان العلمانية فحد من وجودها ودورها، ويريد إخضاع الإسلام لهيمنة العلمانية، حتى يحد من دوره ووجوده.
إسلامي مطابق للمواصفات
لا يمكن نجاح عملية التنميط الغربي لمجتمعاتنا، دون التوصل إلى إسلامي يقوم بتلك العملية نيابة عن الغرب، ويقدم له الغرب كل الدعم، حتى إن أراد الوصول للسلطة. فالوصول إلى نموذج الإسلامي الحركي، الذي يرفع الشعار الإسلامي، ويطبق المعايير العلمانية، ويرفع شعار الخصوصية الحضارية ويطبق المعايير الغربية، ويرفع شعار التميز ويطبق النموذج الغربي، يعد الوسيلة الأضمن لنجاح خطة توحيد المواصفات القياسية للمجتمعات العربية والإسلامية، طبقا للمواصفة الغربية
ولكن الإسلامي العتيد يريد دولة إسلامية وتلك مشكلة، ويريد تطبيق الشريعة الإسلامية، وتلك مشكلة أخرى، ويريد توحيد الأمة الإسلامية، وتلك هي الطامة الكبرى. لذا بدأت عملية التوفيق والمصالحة بين الفكرة الغربية والفكرة الإسلامية تدريجيا، على قاعدة أن أسس الفكرة الغربية لا تتعارض مع الإسلام. وبدأت عملية تليين طويلة الأمد لتطويع عدد من المفاهيم حتى تقبل إسلاميا، وتظل اللافتة الإسلامية موجودة. فالغرب لا يريد من الإسلامي أن يعلن أنه علماني، بل يريد له أن يكون علمانيا يرفع راية إسلامية، وإلا لن يختلف دوره عن النخب العلمانية الفاقدة للشعبية، والتي لم تصبح بديلا مقبولا شعبيا للحكم.
المطلوب من الإسلامي إذن، أن يحافظ على صورته كإسلامي، ولكن يبقى من حيث المضمون متوافق مع الشروط والمعايير القياسية الغربية للعمل السياسي. وهنا بدأت مسيرة حرب المصطلحات، تحت الضغوط الإعلامية الغربية، وتحت الضغوط الإعلامية الداخلية.
فقد أصبحت الخلافة الإسلامية، هي الدولة الإسلامية، وهذا ليس فيه أي تحول، ولكن تعبير الدولة الإسلامية اعتبر صادما، لأنه يعني أن الدولة القائمة غير إسلامية، وهذا يعد تكفير للدولة، وتحت الضغط والترهيب طلب من الإسلامي تعريف دولته، فكانت دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، وهي كذلك بالفعل. ولكن هذا اعتبر ضمنا إدانة للدولة القائمة، ومحاولة لهدمها، ونوع من الصدام معها، وهنا بدأ المصطلح يلين ليصل إلى المستهدف منه، فيكون هدف الإسلامي هو إصلاح الدولة القائمة، وأصبحت الدولة القائمة والدولة الإسلامية شيئا واحدا. وهنا تم التوصل إلى صيغة توافق المعايير القياسية الغربية.
أما الحزب فكان حزب إسلامي، مثل الحزب الليبرالي والحزب الاشتراكي، ثم تم تعريفه ردا على حملات التشكيك، فأصبح حزبا مدنيا ذو مرجعية إسلامية، وهذا هو معناه بالفعل. ولكن بدأ الحديث عن علاقة هذا الحزب بالأحزاب المسيحية في الغرب، وهي في الحقيقة كانت أحزاب مسيحية، ولم تحتفظ إلا باسمها المسيحي، وأصبحت أحزاب علمانية. وعليه بدأنا نصل لحزب ذو جذور إسلامية، وهو حزب له في التاريخ ماضي إسلامي، مثله مثل الأحزاب المسيحية في الغرب. وبما أنه حزب له سوابق إسلامية، وحاضر غير ذلك، فيمكن وضعه ضمن تصنيف الأحزاب الإسلامية، ولكنه في الواقع يمثل الحزب المطابق للمواصفات الغربية
أما الوحدة السياسية الإسلامية، فتتحول إلى حلم بناء تكتل اقتصادي، مثل الاتحاد الأوروبي، ليس في الشكل بل في الجوهر. والوحدة الإسلامية يمكن أن تتحقق في شكل إتحاد إسلامي، يشابه الاتحاد الأوروبي في الشكل، ولكنها وحدة أمة واحدة، وبالتالي ليست مثل الاتحاد الأوروبي في الجوهر. وبهذا يتم إعادة صياغة الفكرة في قالب يبدو قريبا منها، ولكنه في الواقع مغايرا لها في المضمون، وبالتالي لن يحقق هدفها النهائي، فيتم حصار فكرة الدولة الإسلامية الموحدة، بعد تليينها تدريجيا.
منتج إسلامي بمضمون غربي
مثل السم في العسل، المطلوب إنتاج منتجات إسلامية في الشكل، غربية في المضمون. والشكل من أجل الحفاظ على التأييد والجماهيرية، والمضمون من أجل إتباع المواصفات القياسية الغربية، والحصول على الرضا الغربي والقبول الغربي. وأهم أدوات التصنيع لذلك المنتج الإسلامي المغشوش، هو الضغط الإعلامي المحلي والخارجي، والضغط الذي تمارسه الدول الغربية ومساندتها لأنظمة الحكم القائمة في مواجهة الحركة الإسلامية، والضغط الذي تقوم به الأنظمة الحاكمة ضد الحركة الإسلامية وحصارها لها. فكل تلك الضغوط تهدف لتليين الفكرة والحركة، وإحداث تغيير جزئي في الخطاب الإسلامي تدريجيا، حتى يصل إلى مرحلة يتحول فيها التغيير الجزئي الكمي المتراكم إلى تغيير كيفي يغير من جوهر الفكرة.
وتلك العملية التصنيعية، تهدف إلى طرح منتج إسلامي في الأسواق، يحمل مضمونا غربيا، وينافس المنتج الإسلامي الأصلي المحلي. ومع المنتج الجديد، الغربي المضمون، يتم تقديم خصومات هائلة، لأن من يشتري هذا المنتج، يشتري معه الرضا الغربي والدعم الغربي، كما أن من يشتري المنتج الإسلامي شكلا الغربي مضمونا، يجنب نفسه مواجهة الغرب، كما يجنب نفسه المواجهة مع الأنظمة الحاكمة، لأنه سوف يصبح تحت الحماية الغربية.
حماية المستهلك
مثل كل عمليات حماية المستهلك، التي تحدث حتى يتم حماية المستهلك من سلعة تبدو على غير حقيقتها، دخلت الحركة الإسلامية في مرحلة الفرز الداخلي، حتى تحمي المنتج الإسلامي الأصلي المحلي الصنع، من المنتج الإسلامي الغربي الصنع. وتلك مرحلة ترد على مرحلة تصنيع منتج إسلامي بشروط غربية، حتى يعرف الجمهور أن هناك أكثر من منتج إسلامي في الأسواق، وأن عليه أن يحكم على تلك المنتجات ويميز بينها. فيدخل الجمهور طرفا في لعبة الضغوط، حتى يعيد التوازن للعبة، ويصبح هو الحكم بين المنتج الإسلامي المحلي، والمنتج الإسلامي الغربي، فيحدد الجمهور بنفسه المواصفات القياسية المحلية التي يرضاها طبقا لمرجعيته الحضارية