قبل أن يصبح الأردن يد العدوان الأمريكي التي يبطش بها

الدكتور ماهر الجعبري

تصاعدت وتيرة الترتيبات العسكرية في المنطقة بعد مقتل الطيار الأردني، وتطور الحضور الأردني في تلك الترتيبات، وبدأ ذلك بالمشهد الرمزي لصورة الملك وهو يرتدي البزة العسكرية، مما يحمل دلالات سياسية، ثم في تحريك الطائرات الأردنية لضرب مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية؛ ما بدا كمحطة انتقالية في دور الأردن العسكري.
وبعيدا عن تحليل الدوافع لتنظيم الدولة وراء نشر مشهد حرق الطيار الأردني، ودون الخوض في الموقف السياسي من التنظيم وعلاقاته وارتباطاته، فإن ذلك المشهد "الدرامي" قد شغل الساحة الشعبية واستقطب الاهتمام العاطفي، بينما كانت القوى الغربية منشغلة مع الحكام في استغلال المشهد للتحضيرات السياسية واللوجستية، وجمع المواقف تحت راية أمريكا وفي حربها المعلنة على الإسلام والمسلمين وشعارها "الحرب على الإرهاب"، الذي تجسد في صورة الحرق بما يغني عن ساعات من الحديث والجدل.
لذلك من الواضح أن الأردن ودول التحالف قد نجحت في استغلال الحدث، على المستوى المعنوي في تبرير "الحرب على الإرهاب"، وعلى المستوى السياسي والعسكري، وعلى وجه الخصوص في تحضير الأردن للمشاركة العسكرية الكبيرة في هذه الحرب.
بداية زادت الطلعات الجوية الأردنية، كتعبير جلي عن انخراط أكبر للجيش الأردني، وقد وُضعت في سياق "الانتقام" المبرَّر عاطفيا عند الشعوب والعشائر! وحسب تقديرات البنتاغون فإن "الأردن ألقى 72 قنبلة في الموجة الأولى من ضرباته الانتقامية في سوريا الأسبوع الماضي" (العربية في 14/2/2014)، وجاءت تلك الضربات كمرحلة تمهيدية للتحرك البري على الأرض.
وتتمثل مؤشرات توريط الأردن في الحرب البرية في أمور عدة، منها: (1) ما تمخض عن زيارة رئيس الأركان الأردني مشعل الزبن إلى العراق، (2) وما سبقها من تصريح لمنسق عمليات التحالف الدولي الجنرال جون ألن، حول هجوم قريب على الأرض تقوده القوات العراقية، بإسناد من دول التحالف، ومنها (3) ما تضمن في طلب الرئيس الأمريكي تفويضا جديدا من الكونغرس، وهو تفويض مقيّد بتصريح أوباما: "ينبغي ألا تخوض الولايات المتحدة تدخلا بريا جديدا واسع النطاق في الشرق الأوسط"، ومن ثم فإن هذا الدور - الذي لا غنى عنه في حسم المعركة - لا شك سيُناط بجيوش إقليمية. (4) ويترافق كل ذلك مع تصاعد الأخبار حول "جهود الولايات المتحدة للتعجيل بتسليم الذخيرة وأسلحة أخرى للأردن بعد نداء من العاهل الأردني الملك عبد الله للنواب الأميركيين الأسبوع الماضي بزيادة الدعم الأميركي" (العربية في 14/2/2014).
وهو ما قاد المحللين للتوقع أن الهجوم البري المتوقع سيكون مشتركا بقيادة القوات العراقية، وتحت غطاء جوي من دول التحالف.
وتؤكد نتائج زيارة الزبن إلى العراق توريط الجيش الأردني بالتدخل العسكري البري، حيث قال الزبن في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الدفاع العراقي "أننا وإخواننا في العراق الشقيق في خندق واحد"، وقال أن الأردن "سيقوم بكل شيء لهزيمة التنظيم". ثم إن وسائل الإعلام قد نقلت تصريحات لمستشار الملك للشؤون العسكرية، قال فيها: "لن نتردد كقوات مسلحة أردنية والجيش العراقي الشقيق بأن نعمل معًا حتى نهزم هذا التنظيم في أي مكان، في داخل العراق أو سوريا أو أي مكان".
ولذلك فإن تلك الزيارة جاءت في سياق تنسيق الدور العسكري البري رغم نفي بعض "المصادر الأردنية الرسمية"، لأن ذلك النفي على ما يبدو هو محاولة لضبط مستوى ردة الفعل الشعبية، التي سرعان ما تستيقظ من "سكرة" مشهد حرق الكساسبة، وتدرك أن الأردن قد بلع الطُعم، وأن الشعوب كانت ضحية مؤامرة غربية.
إن هذا الدور المتصاعد والمتوقع للأردن هو الدور الذي يريده التحالف الدولي (الصليبي)، وهو يصب في خدمة الهدف الاستراتيجي الغربي المتمثل في منع أو إعاقة انبثاق مشروع الخلافة الحقيقي (الخلافة الراشدة على منهاج النبوة)، لكن الدور الذي تتطلع له الأمة من الجيش الأردني هو دور النصرة الواعية، لا إراقة دماء المسلمين على مذبح حلف الناتو وتحت شعار أمريكيٍّ مُعاد. وهي نصرة مشروع الخلافة، ونصرة المسلمين الذين تحرقهم براميل بشار المتفجرة، والذين يسقطون تحت الهجمات الطائفية في العراق، وتراق دماؤهم لمنع انعتاق العراق من الحكام الذين نصبهم جنرالات أمريكا بعدما دمروه، ورعتهم إيران التي تصول وتجول في العراق كأنه حديقة خلفية لها.
لذلك يحب على العشائر الأردنية أن تعود لحالة الوعي العام الذي تجسد في رفضها توريط أبنائها في القوات المسلحة الأردنية في حرب أمريكا على الأمة الإسلامية، وأن تستيقظ من الحالة العاطفية الدافعة "للانتقام" من تنظيم الدولة، فالقضية ليست عراكا عشائريا، بل هي حرب صليبية على الأمة الإسلامية، توجب على عشائر الأردن الاصطفاف مع الأمة في التصدي لأمريكا، لا ترك أبنائها لتكون وقودا رخيصا في تلك الحرب.
ومن ثم فإن على الضباط والعساكر في الجيش الأردني أن يفكروا في العقيدة العسكرية التي يخوضون فيها هذه الحرب الأمريكية على الإسلام، وأن يصغوا إلى نداء الإيمان الداخلي الذي يحرِّم إراقة دم المسلم في فتنة، فكيف به في حرب صليبية!