بسم الله الرحمن الرحيم
حزبُ التحريرِ ماضٍ في سَعْيِهِ لإقامةِ الخلافةِ التي تُحَرِّرُ الأرضَ المباركة
علاء أبو صالح/عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير الأرض المباركة فلسطين
لقد مَلأْت الخلافةُ سَمْعَ الدنيا وبَصَرَها طَوال 1400 عام، ملأتِ الدنيا قِسْطاً وعَدْلا، أنارتْ للبشريةِ ليلَها البهيم، كانت ملاذاً للخائفين ومنارةً للتائهينَ وقِبْلةً للعالمين، ولقد حَفِظَتِ الخلافة الدينَ والدنيا، وكانت هي العِزُّ والمَنَعَة، ولم يكن لها في الدنيا نظيرٌ.
ولمّا هُدِمَتْ الخلافة تَزَلْزَلَتْ أركانُ الأمةِ فَغَدَتْ كالعُريانِ وَسْطَ مَوْجٍ متلاطم، ولمّا ضاعت...ضاعتْ فلسطينُ مسرى الحبيبِ محمدٍ ومَهوى أفئدةِ المؤمنين.
واليوم باتت الخلافةُ ترنو لها أبصارُ الثائرينَ في الشامِ ومِصرَ وتونسَ واليمنِ وبقيةِ بلادِ المسلمين، وقد أطلت بشائرها....
لقد كانت فادحةُ هدمِ الخلافةِ ومصيبةُ احتلالِ بيتِ المقدس، سبباً رئيساً في تفكُّرِ روّادِ الأمةِ وطليعَتِها في واقعِ الأمةِ وكيفيةِ تغييرِهِ والنّهوضِ به، وبعد بحثٍ وإنعامِ نظرٍ وتشخيصٍ للداءِ والدواء، خَلَصُوا لوجوبِ التحرّرِ الحقيقيِّ من كافّةِ أشكالِ الاستعمار، وكانتْ الخلافةِ عنوان ذلك وكانتْ نشأةُ حزبِ التحرير.
نشأ حزبُ التحريرِ في بيتِ المقدسِ في رُبَى الأقصى المبارَكِ على يَدِ العالِمِ الشيخِ تقيِّ الدينِ النَّبَهانيّ، وأبصر الحزبُ دَرْبَهُ منذُ انطلاقِه، وحدَّدَ نَهْجَهُ مُتأسّياً بِخَيْرِ الأنامِ في كُلِّ خُطُواتِه، انطلقتْ دعوةُ الخلافةِ وهي تبصر ما وراء الجدار وتدرك عظم المهمة وما يمكن أن يواجه الساعينَ لها، سَعَتِ الأنظمةُ وأدَواتُهُمْ والظّلاميّونَ إلى وَأْدِها وإلى ضربِ طوقٍ إعلاميٍّ عليها وإلى تشويهِها وتضليلِ المسلمين عن حقيقتِها، وظنّوا أنهم قادرونَ عليها، وقال قائِلُهُمْ إنّ الخلافةَ التي تُبَشِّرُونَ بها أضغاثُ أحلام، وأنّ مَنْ يَدْعُونَ لِعَوْدَتِها قد غَرَّهُمْ دينُهُمْ. لكنَّ أمرَ اللهِ أُنْفِذَ والباطلَ أُزْهِقَ والحقَّ ضاربٌ بجرّانه في الأرض.
انطلقتْ دعوةُ الخلافةِ من بيتِ المقدسِ إلى الأردُنِّ فكافّةِ بلادِ العَرَبِ ثم العَجَمِ ثمّ في كُلِّ أصقاعِ المعمورة، دعوةٌ ظنَّها البعضُ حبيسةَ الزّوايا فإذا بها تملأُ جَنَباتِ الأرض، دعوةٌ أسَّسَها فَرْدٌ تقي أعزَلُ لا عُدَّةَ له ولا مُعينَ سوى اعتمادِهِ على اللهِ وإبصارِهِ للدَّرْبِ وتقيُّدِهِ بالشرع، فأسْمَعَ اللهُ صوتَهُ للناسِ كافّة، فها هي دعوةُ الخلافةِ تملأُ سَمْعَ الدّنيا وبَصَرَها، في المغربِ العربيِّ وفي مِصْرَ واليمنِ والجزيرةِ والشام، في باكستانَ وأفغانستانَ وبنغلادش، في السودانِ وكينيا وشرقِ أفريقيا، في البلقانِ والقوقازِ وآسيا الوسطى، في روسيا في أمريكا في بريطانيا في اسكندنافيا في ألمانيا والدنمارك وفي كُلِّ بُقْعَةٍ يعيشُ فيها مسلمون، وبكلِّ اللغاتِ باتَ المسلمونَ يَهْتُفُونَ "خلافة خلافة" وبلسانٍ فصيحٍ يصدَحون "الأمة تريد خلافة إسلامية"....
لقد خطا الحزبُ في طريقِ إقامةِ الخلافةِ شوطاً طويلاً وأصبحَ قابَ قوسينِ أو أدنى من تحقيقِ غايتِه، فقد كوّن الحزبُ رأياً عاماً لدى المسلمينَ على الإسلامِ ودولَتِهِ وُوُجوبِ تطبيقِ شريعَتِه، وصارعَ الأفكارَ الباطلةَ وتصدّى لكلِّ محاولاتِ التغريبِ الفكرية، وكافَحَ الحكامَ الظَّلَمَةَ، وتبنى مصالحَ الأمّةِ وطَلَبَ النُّصرةَ والمَنَعَة، وكانَ الحزبُ في كلِّ ذلكَ رائداً لا يكذِبُ أهْلَه، وقدَّمَ في سَيْرِهِ التّضحياتِ الجسامَ في كلِّ أنحاءِ العالم، من شهداءَ ومُعتَقَلِينَ ومُعَذَّبين، ففي سبيلِ إقامةِ الخلافةِ التي تُعِزُّ الدينَ وتُرْفَعُ رايةُ التوحيد تَهُونُ أرواحُنا وأهلونا وأموالُنا،
بقي الحزبُ طوال سيرِهِ ثابتاً على نَهْجِهِ لم يَحِدْ عنهُ قِيدَ أَنْمُلَة، فلم يُزَحْزِحْهُ عن دعوتِهِ بَطْشُ الحكامِ وجَلاوِزَتِهِم، ولا تعتيم الإعلام وتضليله، ولم يداهنْ ولم تلن له قناة أثناءَ صَدْعِهِ بالحق، بل بقي سافراً متحدياً؛
وتلك مواقفُ شبابِ الحزبِ في ليبيا ومصرَ وسوريا وتونسَ والأردنّ، وتلكَ مواقفُ صِنْوِ الصحابةِ من مسلمي أوزبكستان وتَحَمُّلُهُمْ ما تنوءُ به الجبالُ وثباتِهِمْ على الحقِّ وحَمْلِ الدّعوة، مواقِفُ تحدَّثَتْ بها الرُّكْبانُ وبقيتْ عَلاماتٌ على ثباتِ الحزبِ وإصرارِهِ على تحقيقِ غايَتِه....
إن حزبَ التحريرِ لم يَحِدْ عن نهجِهِ قيدَ أَنمُلةٍ لأنه يقتفي به أثَرَ الرّسولِ الأكرم، فهل يَحِيدُ عاقلٌ عن دَرْبِ رسولِه؟! ولم يُداهِنْ لأنهُ يرى النّصرَ من عندِ اللهِ وَحْدَهُ وأنّ السبيلَ للوصولِ إليهِ بالثباتِ على الحقِّ لا التّعَلُّقَ بحبالِ الحكامِ أو أسيادِهِم، فهل يَطْلُبُ العزّةَ من الكافرينَ وأذنابِهِمْ إلا مُغفَّلٌ أو مُنافق؟!
وبعد مُضِيِّ السنين، ها هي الثمارُ تَبِين، وها هي الأمةُ اليومَ بعد أنْ كان الناسُ يَرَوْنَ الخلافةَ حُلُماً جميلاً غيرَ قابلٍ للتحقُّقِ باتوا يَهْتُفُونَ بها، ها هُمُ الثّوارُ في بلادِ المسلمينَ لا سيما في الشام، يتطلّعونَ للخلافةِ ويرفعونَ رايتَها ويَهْتُفُون بملء الفيه "الأمة تريد خلافة من جديد".
ما كان يراه الناسُ بالأمسِ صَعْبَ التّحقُّقِ، باتَ مَطْلَبَ الأمةِ وسبيلَ خلاصِها، وهي تَخْطُو اليومَ بِخُطىً متسارعةً نحوَ إقامةِ الخلافةِ، وكلُّ ذلك جرّاءَ توفيقِ اللهِ ومَنِّهِ وثَمَرَةِ جُهْدِ العاملينَ الذين يَصِلُونَ ليلَهُمْ بنهارِهِم سعياً لإنقاذِ أمّتِهِمْ وإنهاضِها....
وإذا كانَ مِنْ بينِ المسلمينَ مَنْ لا يزالُ يظنُّ الخلافةَ بعيدةَ المنالِ والتّحقُّق، ولم يدركِ التحوَّلَ الذي حصلَ للأمةِ بجميعِ قِطاعاتِها وتأثُّرَها بفكرةِ الخلافة، فَلْيَرْقُبْ تصريحاتِ وتحذيراتِ قادةِ الغربِ من قيامِ الخلافة، فهؤلاء يُراقبونَ حركةَ الأمةِ عن كَثَب، ولقدْ أصابَهُمُ الذُّعْرُ جراءَ إدراكِهِمْ لِدُنُوِّ الخلافة، وذلك لأنهم يُدرِكُونَ أنّ عودتَها هو نهايةُ استعمارِهِمْ لِبِلادِ المسلمين وقَطْعِ أنابيبِ النفطِ والغازِ والمالِ والثَّرَواتِ التي يسرقونَها من بلادِ المسلمين، وهم يدركونَ أنّ عودةَ الخلافةِ هو إنقاذُ البشريةِ من ظُلْمِهِمْ وفسادِهِم، ولعلّ تآمُرَهُمْ على ثورةِ الشامِ المباركةِ وإيعازَهُم لأداتِهِمُ الأسدِ بإثخانِ الجِراحِ في المسلمينَ هو مُؤشِّرٌ واضحٌ على مدى خوفِهِمْ من حركةِ الأمةِ وثورتها ومدى تَحَسُّبِهِمْ من أنْ تُسْفِرَ عن خلافةٍ على منهاجِ النبوة....
إنّ إقامةَ الخلافةِ هي قضيةُ المسلمينَ السياسيّةُ، بإقامَتِها تُحَلُّ كلُّ قضايا الأمةِ التي تفرَّعَتْ عن هَدْمِها، وبإقامةِ الخلافةِ تُحَرَّرُ فلسطين، فالخلافةُ هي الطريقُ العمليُّ الوحيدُ لتحريرِ فلسطين، بعد تقاعُسِ الحكّامِ عن تحريكِ جيوشِهِمْ لِتَحْرِيرِها، إذْ لا حلَّ لقضيةِ فلسطينَ سوى بتحرُّكِ الجيوشِ لتحريرِها واقتلاعِ كِيانِ يهود،
إن بيتَ المقدسِ الذي انطلقتْ منه دعوةُ الخلافةِ يتطلَّعُ ليومِ عزَّةِ المسلمين، لِيَوْمٍ يُقيمُ فيه المسلمونَ الخلافةَ فَتَأْزَرُ إلى بيتِ المقدسِ بعدَ أن تحرره ويكون عُقْرَ دارِها، مصداقاً لبشرى الرسولِ الأكرم (فإذا كانَتْ بِبَيْتِ المقدسِ فَثَمَّ عُقْرُ دارِها).
لقد كانَ احتلالُ الصليبيينَ لِبَيْتِ المقدسِ سبباً في تَوَحُّدِ مصرَ والشامِ والحجازِ لِتَسِيرَ جحافِلُها تحتَ إمرةِ صلاحِ الدينِ لِتُحَرِّرَ الأقصى وتُعْلِيَ رايةَ التوحيدِ فيها، وكانَ ما يتعرضُ له المسجدُ من إجرامٍ يهوديٍّ وصَمْتِ أنظمةِ الضِّرارِ سبباً من أسبابِ اندلاعِ الثَّوَراتِ في بلادِ المسلمين، لذلك لِيَكُنِ الأقصى سبباً لِتَوَحُّدِ جهودِ الأمةِ من جديدٍ لإقامةِ الخلافةِ التي تُعيدُ سيرةَ الفاتحينَ والمحرِّرينَ فَتُحِرّرَ الأرضَ المباركة.
وإزاء ذلك كلِّه فإنّ حزبَ التحريرِ ماضٍ في سَعْيِهِ لإقامةِ الخلافةِ لا يَحُولُ بينَهُ وبيَن تحقيقِها بطشٌ أو إجرام، أو تضليلٌ أو تضييق، وهو يُجَسِّدُ بإذنِ اللهِ قَوْلَ الرسولِ الأكرم (لا تزالُ طائفةٌ من أمتي على الحقِّ ظاهرين، لِعَدُوِّهِمْ قاهرين، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خالَفَهُمْ ولا مَنْ خَذَلَهُم، قِيلَ أينَ هُمْ يا رسولَ الله؟ قالَ في بيتِ المقدسِ وأكنافِ بيت المقدس)، وإننا نرى تَحَقُّقَ الخلافةِ حقيقةً كائنةً بإذنِ الله، تُؤَكِّدُها حقائقُ أربع؛ وَعَدُ اللهُ بالاستخلافِ والتمكين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، وبُشرى رسولِهِ بعودةِ الخلافة (ثمّ تكونُ خِلافةٌ على مِنهاجِ النبوّة)، وأمةٌ حيّةٌ فاعلة، تُقبلُ على العملِ لإقامةِ الخلافة، وحزبٌ مخلصٌ للهِ سبحانه، صادقٌ مَعَ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم، يعملُ مَعَ الأمةِ ومِنْ خِلالِها.
(وَيَقُولُونَ مَتَىْ هُوَ قُلْ عَسَىْ أَنْ يَكُونَ قَرِيباً)
30-5-2014