لأيام خلت أحتلت أنباء تفشي مرض انفلونزا الخنازير قائمة الأحداث العالمية المكتظة بالمصائب والكوارث والأزمات السياسية والاقتصادية والعسكرية والبيئية، ولخطورة الوضع وسرعة تفشي هذا المرض الذي شارف على التحول إلى وباء عالمي رفعت منظمة الصحة العالمية درجة تأهبها الى الدرجة الرابعة من أصل ست درجات وتكاد المنظمة أن ترفعها إلى الدرجة الخامسة بين عشية وضحاها،
ويذكر أن مساعد رئيس منظمة الصحة العالمية كي جي فوكودا أكد صعوبة التوصل إلى دواء لهذا المرض قبل أربعة أشهر، وأنّ الفترة الكافية لتوفير تطعيمٍ بكميات كبيرة ستكون أطول، في حين قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن تفشي وباء عالمي جديد ليس مستبعدا، وفي محاولة لتهدئة روع الشعب الأمريكي أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن مرض إنفلونزا الخنازير مثير للقلق، لكنه ليس سببا لإطلاق إنذار الخطر. ويذكر أن الاتحاد الاوروبي قرر عقد اجتماع طارئ يوم الخميس 30-4 لوزراء الصحة في دوله.
وبعيداً عن تشخيص واقع هذا المرض وأعراضه وإمكانية انتقاله من الخنازير إلى البشر، وبعيداً عن الاسباب المباشرة التي قد تسبب هذا المرض، وبعيداً عن كون هذا المرض حقيقياً أم مختلقاً، وددت أن أقف قليلاً على جانب آخر لا يتم التطرق إليه عند الحديث عن الامراض والأوبئة المنتشرة في أيامنا هذه، هذه الوقفة وقفة فكرية مبدئية ألقي من خلالها الضوء على السبب الحقيقي الذي يقف خلف الأسباب المادية المباشرة التي تسبب هذه الأمراض والأوبئة .
هذا السبب هو الحضارة الغربية الفاسدة التي سادت العالم طوال القرن الماضي ولا زال العالم يكتوي بنيرانها إلى الآن، فالحضارة الغربية كانت ولا زالت العامل الرئيس في تفشي الأمراض والأوبئة في العالم وذلك نابع عما تنطوي عليه من أفكار ومفاهيم تقود أصحابها إلى الجشع والوحشية وفقدان أدني الأحاسيس البشرية، ولكن الغرب استطاع بآلته الإعلامية أن يضلل العالم ويخدعه بدعاوى أن حضارته هي حضارة الهبوط على القمر وتكنولوجيا المعلومات والصناعات المتقدمة وأغفل كل المخلّفات التي أضرت بالجنس البشري في كافة المجالات مما جعل التقدم العلمي عامل شقاء وخراب بدل أن يكون عامل طمأنينة واستقرار .
ربما يخطر ببال البعض أن في هذا القول مبالغة وتجني، وربما يخطر في بال البعض أن هذه الأمراض كانت موجودة طوال العقود المنصرمة لكنها لم تكن مكتشفة بسبب عدم امتلاك البشر للأدوات الطبية القادرة على اكتشافها وبالتالي فالحضارة الغربية من هذا الجرم برآء، وربما يخطر ببال البعض أيضا أن لا علاقة للمبدأ أو الحضارة بهذه الأمور وأن المسألة مسألة طبية علمية صرفة وبالتالي لا علاقة للحضارة الغربية في تفشي وظهور هذه الأمراض وأن تحميلها عبء ومسؤولية هذه الأمراض والأوبئة تحامل على هذه الحضارة ويخلو من الموضوعية، والحقيقة خلاف ذلك كله، وإليك البيان في نقاط مجملة:
1.إن كثيراً من الأمراض ظهرت منذ ما يقارب القرن أو أقل من ذلك والعلم قد أثبت أن هذه الأمراض لم تكن موجودة فيمن كانوا قبلنا وذلك لعدم وجود أسبابها لديهم، وذلك كالايدز والسرطان والإلتهاب الرئوي الحاد (سارس) وانفلونزا الطيور وتبعه الخنازير والجرثومة الخبيثة (الانثراكس) وغيرها الكثير مما يصعب حصره، ولا شك أن التقدم العلمي الذي لم يراع الجوانب الإنسانية في المنتجات والصناعات كان سبباً رئيساً في العديد من هذه الأمراض كاستخدام المواد الكيميائية في تهجين النباتات واستخدام المواد الحافظة والأصباغ في المأكولات والمطعومات .كما كانت مفاهيم الحرية الشخصية سبباً في السلوكيات الشاذة والخاطئة التي أدت الى الإيدز وأقرانه من الامراض.
2.لا يختلف اثنان اطّلعا على المبدأ الرأسمالي الذي يتحكم بالبشرية اليوم أن هذا المبدأ لا يقيم وزناً لأي قيمة إنسانية أو خلقية وأن القيمة في تعريف هذا المبدأ هي قيمة مادية صرفة، محسوسة كانت أم ملموسة، فصاحب المصنع او التاجر لا يراعي سوى عامل الربح في صناعته أو تجارته بغض النظر عن ضرر أو فائدة المادة المصنعة او المباعة وبغض النظر عما اذا كانت هذه السلعة من شأنها الإخلال بالمجتمعات البشرية وما يجب أن تكون عليه من الرفعة والرقي، لذا كانت المخدرات والحشيش والخمور سلعاً ذات قيمة اقتصادية لدى الرأسماليين، ولا شك أن هذه النظرة من شأنها ان تلحق الضرر الجسيم بالجنس البشري وتجعل التقدم العلمي أداة لشقاء البشر لا لراحتهم، ومن الأمثلة التي تجسد هذه النظرة علاوة على المخدرات والحشيش والخمور، الأغذية المعدّلة جينياً التي تسبب أمراضاً عدة فهذه النظرة قادت أرباب الصناعات إلى الإهتمام بزيادة الإنتاج لزيادة الأرباح بغض النظر عن الكوارث الصحية التي يمكن ان تخلفها هذه الطفرات الصناعية. ومن الأمثلة أيضا العديد من وسائل الاتصالات التي تستخدم موجات الميكرويف التي لها تأثير حراري على الجسم .
3.إن المشكلة الإقتصادية لدى الرأسمالية تكمن في ندرة السلع والخدمات نسبة إلى الحاجات البشرية اللامحدودة وهذا التشخيص الخاطئ للمشكلة الإقتصادية جعل الدول الرأسمالية تندفع باتجاه التركيز على انتاج المزيد من السلع والخدمات، بغض النظر عن حسن توزيعها أو سوئه وبغض النظر عن كون الحاجة البشرية أساسية أو كمالية، مما جعل رأس سلم اهتمام هذه الدول هو زيادة الانتاج بغض النظر عن الآثار السلبية التي يمكن ان تنتج جراء تقنيات زيادة الانتاج .
4.وبسبب النظرة الرأسمالية الجشعة قامت العديد من شركات الأدوية إلى احتكار انتاج بعض الأدوية من أجل ان تتحكم بسعرها لكي تدر عليها ارباحاً هائلة بغض النظر عن قدرة أو عجز البشر المصابين بهذه الأمراض على شراء هذه الأدوية فالمهم هو الربح والربح الفاحش دون سواه بل إن من الغرابة النادرة التي يستهجنها أي إنسان سوي أن تقوم بعض الشركات الغربية بطمس علاج جذري لمرض ما لتستمر في بيع عقاقيرها في الأسواق .
5.من الأسباب المادية المباشرة لأمراض عدّة هي التصرفات غير اللائقة التي يتصرف بها أصحاب الحضارة الغربية والتي لا يصح وصفها سوى بالسلوكيات البهائمية كانتشار الفاحشة والشذوذ الجنسي لذا لم يكن غريباً أن تخلف هذه الحضارة للبشر الإيدز وأضرابه من الأمراض .
6.من الأمراض ما تم تصنيعه في دوائر الاستخبارات الغربية تحت غطاء الأسلحة البيولوجية كالأنثراكس وغيره وهذا التوجه يظهر مدى فقدان هذه الحضارة لأدنى معايير الإنسانية فهمّها هو الغلبة التي تمكنها من نهب خيرات الأمم واستعبادها ولو كان ذلك عبر إبادتهم .
إن أية حضارة يفترض بها أن توفر للبشر حياة تليق بهم كبشر أولاً وحياة آمنة مطمئة ثانياً لا ان تكون أداة لشقائهم وجلب الكوارث والمصائب عليهم، ونظرة خاطفة لتاريخ الحضارة الغربية ترينا حجم الضنك الذي خلفته هذه الحضارة للبشر جميعا على كافة الصعد، فقائمة الأمراض التي انتشرت وتفشت في العالم لعقود أو قرن مضى في ظل هذه الحضارة ليست بالقصيرة ابتداءاً من الإيدز ومروراً بجنون البقر وانفلونزا الطيور والانثراكس والالتهاب الرئوي الحاد سارس وانتهاءاً بانفلونزا الخنازير، يأتي تفشي هذه الأمراض في الوقت الذي عجزت فيه هذه الحضارة عن توفير حلول للأزمات الإقتصادية التي نكبت بها العالم، وفي الوقت نفسه تسطو فيه قواها على البشر ظلماً وعدواناً فتحتل أرضهم وتخرب ديارهم وتنهب خيراتهم، بل إن ضرر هذه الحضارة قد وصل الحجر والشجر وطبقة الأوزون، فكل ما يعانيه العالم اليوم من أزمات ونكبات ومصائب سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية او حتى بيئية هو حصاد الرأسمالية الآثيم طوال أكثر من قرن من الزمان، لذا كان على العالم أجمع أن يُجمع أمره على ضرورة الإسراع للتخلص من هذا المبدأ المتداعي وهذه الحضارة الفاسدة حتى يتدارك نفسه من الهلاك والسقوط في الهاوية .
وفي هذه الأجواء الملبدة بغيوم الرأسمالية القاتمة وفي حلكة فساد هذه الحضارة، تفتقد البشرية حضارة الإسلام التي أنارت للعالم دربه وقدمت له كل ما من شأنه أن ينقذه في الدنيا والآخرة، قدمت له سبيل الهداية (مبدأ الإسلام) فضحت بالغالي والنفيس وبالأرواح والأموال في سبيل نشر الإسلام رسالة خير وهدى للعالم وقدمت له التقدم العلمي النافع الذي من شأنه ان يصلح للبشر دنياهم بعيداً عن جشع الرأسماليين وفسادهم .فهلاّ أدرك المسلمون حجم المسئولية الملقاة على عاتقهم فيسرعوا في العمل لإقامة صرح الإسلام من جديد لتكون دولته ملاذاً للمستضعفين ومنارة للتائهين .
إن سنة الله في خلقه ماضية بلا تخلف ولقد قضى سبحانه أن من أعرض عن ذكره أن له معيشة ضنكا ولقد ضرب لنا القرآن أمثلة أقوام سبقونا لمن يعتبر فقال سبحانه ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ ۖ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ* وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ).
فهل يكون انفلونزا الخنازير دافعاً للتفكر والتدبر في حال البشرية وما آلت اليه ؟!