جمعيات المرأة: تريد حظراً للزواج المبكر وتسكت عن إشاعة الفاحشة؟

أ.حسن المدهون/ عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين

 

من القضايا التي يثيرها دعاة حقوق المرأة وتحريرها من قيمها، قضية الزواج المبكر باعتباره خطيئة وانتهاكا لحقوق المرأة وإجباراً لها على عدم الاختيار الصحيح لمن تريد الاقتران به بحجة أنها قاصر أو بحجة الضرر الصحي أو النفسي للمرأة.

بينما لا يكاد أحد من مروجي وكارهي فكرة الزواج المبكر يتعرض للعلاقات الجنسية بين القاصرين، فلا يذكرون أو حتى يحاولون فتح هذه النقطة أو نقاشها أو حتى وضع حلول لها، وذلك لسبب بسيط؛ وهو أن مروجي تلك الفكرة يؤمنون في غالبيتهم بالحرية كما في المجتمعات الغربية والتي منها الحرية الجنسية والتي تسمح للقاصرين المغرّر بهم كما يصفونهم بالقيام بما يريدون بينما يعيبون زواج أولئك "القاصرين".

ففي المجتمعات في بلاد المسلمين أخذ هؤلاء الداعون المرددون لصدى الأصوات الغربية الداعية إلى تحطيم المجتمعات في بلاد المسلمين فوق ما تعانيه من ضنك العيش وفرقة الحدود ونهب الثروات وقهر أنظمة الحكم المجرمة، أخذوا يعملون على تحطيم البنية الاجتماعية والنظرة للمرأة والقضايا المتعلقة بها، وكان أحد ابرز الجوانب في تلك الدعاوي هو انتقاد فكرة الزواج المبكر بحجج صحية وطبية  أو تنموية أو نفسية كما يدّعون.

بينما يصمت أولئك الناشطون المنظرون أمام تساؤلات عدة منها: وماذا عن الفاحشة والزنا والعلاقات الجنسية بين القاصرين؟ أهي محل انتقاد منهم كذلك؟ أم أنها أمر مشروع في نظرهم بحكم الحرية؟ بينما زواج هؤلاء "القاصرين" بادعائهم هو نوع من التخلف والقهر؟

ويبرز هنا سؤال جوهري، لماذا يتم اعتبار السن الذي يصنف فيه الذكر أو الانثى بالغاً ام قاصراً بحسب المنظومة الغربية؟ ويتم اعتبار ذلك حكما صحيحا؟! هل فكرة القاصر عند الغرب هي نفسها عند المسلمين؟ أم أن لكل ثقافة أدوات خاصة بالقياس والتقييم؟ وهل يلزمنا كمسلمين أن نأخذ من التحديد الغربي الخاطئ لسن القاصر محددا لنا ؟.

ففي المنظومة الغربية والأدبيات الناتجة عنها يحدد سن البلوغ والتكليف بثمانية عشر عاما وما دون ذلك السن يعتبر طفلا، ولو وصل لمرحلة البلوغ قبل تلك السن بسنوات، وبالتالي حتى لو وجدت عنده الميول تجاه الجنس الآخر ذكرا كان أو أنثى. وفي ذلك الاعتبار المحدد بالسن كما هو حال الغرب والذين يأخذون منه مقاييسهم مخالفة للواقع.

بينما في الإسلام فإن سن التكليف يتحدد بالنسبة للذكر بالبلوغ وبالنسبة للأنثى يتحدد بسن المحيض.

وعلى ذلك فلا تجد غضاضة في الغرب عند رؤية مراهقين يرتكبون الجرائم فيكون محلهم هو المعالجة الرؤوفة بدلا من العقوبة، بينما فسيولوجيا يكون أولئك الأطفال أضخم جسما وقوة من آبائهم ومن كثير ممن هم أكبر منهم، ومع ذلك يعاملون كقاصرين ولو بلغ فيهم الفهم والجسم مبلغا كبيرا.

فما الذي يقدمه أولئك المحاربون لفكرة الزواج المبكر من حلول في حالات العلاقات غير الشرعية بين هؤلاء القاصرين كما يصنفونهم؟، وهل يقدمون حلولا أو حتى يطرحون تلك المشكلة إن أفلسوا في الحلول؟، وما الذي يدعوهم للصمت عن حوادث بدأت تمثل ظاهرة لدى المجتمعات الغربية التي يتطلع الداعون لفكرة حرية المرأة إلى الوصول لها، من مثل طفلة في الصف السادس الابتدائي تنجب في رحلة مدرسية؟ أو امرأة تحمل وهي في عمر السادسة والثلاثين جراء علاقة مع صديق ابنها بعمر الحادية عشر؟ أو فتاة بريطانية عمرها نحو 15 سنة تنجب من صديقها في المدرسة عمره 13 سنة بعد أن خاض مع عدد من نظرائه سباقا للفوز ببطولة أصغر أب لأنها عاشرت عددا من الفتية وفي النهاية تلد طفلا مجهول النسب لا تعرف من أباه بالضبط بين الذين عاشروها.

وأمام هذه الأمثلة يصاب دعاة حظر الزواج المبكر بالبكم عندما يسمعون بها، بينما يعلو ضجيج أصواتهم إن حصل الزواج بمثل تلك الأعمار، فان يعاشر القاصر قاصرا أو بالغا هو أمر عادي في نظرهم ولو أدى لانتقال الأمراض أو حدوث حالات الحمل وضياع حقوق أولئك القاصرين ومن أنجبوا، بينما الزواج الذي يضبط إيقاع الحياة والعلاقات ين الذكر والأنثى ويحفظ الحقوق هو آفة في نظر تلك الجمعيات والمؤسسات الداعية لحظر الزواج المبكر.

أما الحديث عن التنمية وزيادة عدد الأطفال نتيجة للزواج المبكر فهو حديث في غير محله بل ويحمل التشوه في معالجة خطايا الأنظمة في البلاد العربية وعموم بلاد المسلمين، تلك الأنظمة التي نهبت الثورات وهجرّت العقول وقمعت الناس حتى عن المطالبة بأبسط الحقوق.

فالمطالبة بتقليل نسبة النسل في المجتمعات بحجة التنمية وبحجة الزيادة السكانية وعدم كفاية الحاجات والسلع والموارد هو حديث يستقوي على الناس بينما تسلم محاسبة الأنظمة المستبدة من ألسنة تلك الفئة.

صحيح أن هناك تجمعات وبحكم طبيعة الحياة تجدها تشجع أبناءها على الزواج المبكر كما كانت العادة الدارجة لعقود ماضية، وهناك من يؤثر تأخير الزواج لسنوات ما بعد الانتهاء من الدراسة وتجهيز مستلزمات الحياة الزوجية في ظل معدلات البطالة والفساد والإحباط التي تسود بلاد المسلمين.

لكن أن تتحول فكرة الزواج المبكر إلى خطيئة ومحل اتهام بالجهل فهذا هو الكذب والتضليل بعينه، بل ويعلو صوتهم عندما يطالبون القانون والقضاء برفع سن الزواج منعا للزواج المبكر، بحجة الحرية وضمان حق اختيار المرأة.

فالذين يهدفون لمنع الزواج المبكر يقيسون الأمور تارة بمخالفة حقوق الإنسان وحرية المرأة بحكم إجبارها على الزواج في سن مبكرة، إنما يقيسون عمر الرشد والبلوغ بالمقياس الغربي وهو سن الثامنة عشر، أو يحاولون التضليل بالقول أن نسب الوفيات والتشوهات في الولادة للزوجة الصغيرة في السن إنما هي بسبب الزواج المبكر، ولا يذكرون أن تلك الإحصائيات المفترضة لا تناقش سوء الرعاية الصحية في تلك المناطق التي يكثر فيها الزواج المبكر.

بل إنهم يعزون بعض الأمراض النفسية لذلك الزواج، بينما لا يذكرون أن ظروف الحياة التي فرضتها الرأسمالية، وفرضتها إهمال الرعاية من قبل الأنظمة هي سبب رئيس في ضنك الحياة وفي نقص القدرات على تلبية متطلبات الحياة من مسكن وملبس ونفقات.

فكل تلك العوامل لا تظهر في صورة تفسيرات موضوعية لمن يعارض الزواج المبكر من مغتربين عن ثقافة أمتهم.

لقد وجد الغرب أن المجتمعات في بلاد المسلمين هي مجتمعات فتية نسبة الشباب فيها عالية، بينما المجتمعات الغربية هي مجتمعات شيخوخة بل إن بعض الدول قد وصلت الزيادة السكانية فيها ليس للصفر بل بالسالب أي أن عدد الوفيات أكبر من عدد المواليد، ففتحت بعض الدول الغربية باب الهجرة لأبناء البلاد الإسلامية كي يكثر ذلك من نسب التوالد في داخل مجتمعاتها، بل إن كثيرا من تلك الدول توفر الرعاية المالية والصحة المتميزة للعائلات، مباركة الأولاد كما يسمونها، تشجيعا على الإنجاب وعلى التكاثر.

بينما نفس تلك الدول الغربية المانحة للأموال والدعم للمؤسسات الحقوقية التي تعنى بالمرأة هي نفسها من تحاول من تقليل نسب الزواج والتكاثر في المجتمعات في بلاد المسلمين، تحت شعارات الصحة الإنجابية وغيرها.

ففكرة الصحة الإنجابية لا تنحصر في تثقيف الآباء والأمهات خصوصا بتبعات الحمل والوضع، بل تحاول التحذير من الزواج المبكر بحجة عدم نضج الأعضاء الداخلية للمرأة وبحجة إحصائيات تتحدث عن مشاكل الزواج المبكر للمرأة، من مشاكل صحية أو نفسية، علاوة على تثقيف الفئات المستهدفة تجاه أساليب العزل ومنع الحمل وما إلى ذلك بحجج شتى هدفها في النهاية تقليل نسب الزيادة في هذه المجتمعات كي تصبح مجتمعات شيخوخة، علاوة على ما تترتب عليه تلك الأفكار من شيوع العنوسة بحجة تأفيف الناس من الزواج المبكر.

كما يغفل المحاربون لفكرة الزواج المبكر، أن الإسلام حرّم إكراه المرأة على الزواج ممن لا تريده، كما أوجب على ولي أمرها أن ينصح لها في اختيار زوج صاحب خلق ودين، بل إنهم يركزون على بعض الحوادث التي يرجعون سببها إلى الزواج المبكر ويضخمونها سعياً منهم لتجريم الزواج المبكر وتقبيحه، حتى ولو كانت حوادث منعزلة وفردية لا تكاد تذكر.

إن هؤلاء المطالبين بحرية المرأة ويتخذون من منع الزواج المبكر مثالا لتلك الحرية، إنما يهدفون للترويج لتحرير المرأة من قيمها وامتهان كرامتها التي حفظها الإسلام بدعوى التحرر وحقوق المرأة، وتشجيع العلاقات المختلفة بدعوى الحرية وعدم وصاية الولي عليها وأنها حرة في خياراتها والتي تفتح باب الشرور.

فالدعوة للعفة وحفظ المرأة لا سبيل لها في قواميس دعاة حقوق المرأة، الذين يهاجمون العلاقات الشرعية من خلال الزواج أو الزواج المبكر، بينما يسكتون بل ويشجعون العلاقات المحرمة بحجة حرية المرأة.

ومن ثم فتح الباب لإفساد المرأة كمقدمة لنتيجة حتمية وهي إفساد المجتمع، فالمرأة بزعمهم هي نصف المجتمع، ولكن لو فسدت لفسد المجتمع كله.

فالحقيقة الواضحة أن تلك الجمعيات وأولئك الداعين لما يسمى بحقوق المرأة والممولين من الغرب والدول المحاربة للإسلام والمسلمين، يحاولون بشتى الوسائل إفساد أفكار وقيم المسلمين تجاه المرأة، وامتهانها بدعوى حريتها، ومحاربة أفكار الإسلام والنظام الاجتماعي الذي جاء به الإسلام ومنه مشروعية الزواج المبكر.

فهل يدرك المسلمون الخطر الذي يداهمهم بأشكال وتحت شعارات شتى فيفطنوا له ويقفوا في وجه المفسدين، ويتمسكوا بدينهم القويم؟

(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)

30-9-2013