بسم الله الرحمن الرحيم
"النكبة سببها ضياع الخلافة الإسلامية"
بقلم حمد طبيب
يغيب عن أذهان الكثير من الناس وهم يتحدثون عن نكبة فلسطين الأسباب الحقيقة لهذه النكبة، فما هي الأسباب الحقيقة التي أدت لهذه النكبة، وكيف تُعاد لأرض فلسطين مكانتها التي أرادها الله عز وجل؟
وقبل ذكر السبب الحقيقي لهذه النكبة؛ نريد أن نذّكر بحقيقة مهمة وهي أن اغتصاب اليهود لأرض فلسطين قد انتكبت به أمة الإسلام جميعا في مشارق الأرض ومغاربها، وليس فقط أهل فلسطين وحدهم لأن فلسطين- وهي ما نسمّيها بأرض بيت المقدس- هي أرض وقفيّةٌ خراجية، وفيها المسجد الأقصى المبارك؛ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والذي نزل فيه قرآن يتلى على لسان كل مسلم الى يوم القيامة، وأن حصر الموضوع وتقزيمه بأهل فلسطين وحدهم إنما يصبُّ في دائرة المؤامرة التي تحاك ضد أرض وشعب فلسطين هذه الأيام؛ على طريق السلام مع اليهود والتنازل عن أغلب فلسطين لليهود!!.
أما الأمر الثاني بخصوص هذه الأرض المقدسة فهو أن فلسطين فتحتها الجيوش الإسلامية؛ التي جاءت في عصر الخلافة الراشدة، ولم يختصّ فتحها بالعرب أو العجم، فقد فُتحت باسم الإسلام تحت شعار( الله أكبر)، وراية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وقد اندفع المسلمون لهذا الفتح العظيم؛ إنطلاقا من مكانة هذه البلاد في عقيدة الأمة الإسلامية، حيث ذكرها الحق تعالى في كتابه العزيز في قرآنٍ يُتلى حتى قيام الساعة، ووصى بها الرسول عليه السلام، وأرسل أول جيش يخرج خارج المدينة نحو أرضها (أرض الشام المباركة) بقيادة الصحابي الجليل أسامة بن زيد، وقال له من ضمن الوصية التي أوصاه بها كما ذكر ابن هشام في سيرته:-(قال ابن إسحاق :... فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم وصفر ، وضرب على الناس بعثا إلى الشام ، وأمر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة مولاه ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، فتجهز الناس، وأوعب مع أسامة بن زيد المهاجرون الأولون..)
لكن إرادة الله عز وجل شاءت أن ينتقل الرسول عليه السلام إلى الرفيق الأعلى، قبل أن تقرّ عينه بفتح الشام وبيت المقدس، وقبل خروج الجيش إلى حيث أراد الله ورسوله، فجاء الخليفة الصديق رضي الله عنه فأنفذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الشام، ثم أتبع ذلك بالجيوش الأربعة التي فتحت معظم الشام، ولم تقرّ عينا (أبي بكر) رضي الله عنه برؤية القدس وقد تحررت من رجس النصارى، فجاء خليفته عمر الفاروق رضي الله عنه، وأكمل المشوار فتمَّ له الفتح بمنةٍ من الله عز وجل، وجاء بنفسه إلى المسجد الأقصى المبارك، وتسلم مفاتيح القدس من كبير الأساقفة سفرونيوس، ولم يكن عمر رضي الله عنه قد خرج إلى منطقة أخرى خارج المدينة إلا إلى المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس، وبقيت أرض فلسطين أرض إسلامية منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا، وستبقى كذلك حتى تقوم الساعة لا يغير حكمها أحد من الخلق، ولا يملك حق التفاوض أو التنازل عن ذرّة من ترابها أحد من الناس.
أما بالنسبة للنكبة فإن النكبة الحقيقية للأمة ومقدراتها وعزتها ومكانتها كانت يوم ضاعت الخلافة، فأرض (فلسطين) قد حافظت عليها الخلافة طيلة المدة الماضية؛ من عهد الفتح العمري وحتى ضياعها، وحرّرتها جيوش الإسلام ثلاث مرات في ظلّ الخلافة؛ مرة عندما وقعت بيد عبدة الصليب في آخر عهد العباسيين وحررها السلطان المظفر صلاح الدين الايوبي رحمه الله، ومرة ثانية حررت في عهد الصالح أيوب أيضا من الصليبيين؛ ومرة ثالثة حررها المماليك عندما وقعت بيد عبدة الأوثان من المغول..!!
وظلت بعد ذلك تحت سيطرة المسلمين في عهد المماليك، وجاء العثمانيين وحافظوا عليها مدة ستة قرون حتى سنة 1924 ميلادية. أي حتى زالت الخلافة العثمانية، وقد حاول اليهود الصهاينة عن طريق الغرب الصليبي أخذ جزء من أرضها بواسطة إغراءات المال للسلطان عبد الحميد الثاني إلا أن السلطان ردهم خائبين وخاسرين وقال لهم: مقالة مشهورة ما زالت الأجيال تردّدها حتى يومنا هذا: "... إن فلسطين ليست ملك آبائي ولا أجدادي حتى أتنازل عن جزء فيها لكم، إنها ملك المسلمين جميعا، وإن عمل المبضع في جسدي أهون علي من إقتطاع جزء منها لليهود، وفّروا عليكم ذهبكم فإذا ضاعت الخلافة في يوم من الأيام فستأخذون فلسطين بلا ثمن!!...".
وفعلا بعد أن ضاعت الخلافة حصلت النكبة الكبرى، وضاعت فلسطين ومعها معظم بلاد المسلمين، وتمكن الإنجليز من وضعها تحت الإنتداب، ثم نفذوا وعودهم للحركة الصهيونية مقابل خدماتها في الحرب العالمية للحلفاء، فنفذوا وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود على جزء من أرض فلسطين، وصدقت مقولة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله..(إن ضاعت الخلافة في يوم من الايام فستأخذوا فلسطين بلا ثمن)
وقد كان لضياع فلسطين بيد أشد الناس عداوة للأمة الإسلامية وقع الصاعقة على المسلمين جميعا وقد عبر عن ذلك شوقي في قصيدته:-
ضجت عليـك مـآذنٌ ومنابـر****وبكـــت عليـك ممــالـك ونــواح
الهنـد والهـةٌ ومصـر حـزيـنـةٌ****تبكــي عليـك بمـدمــع سحـــاح
والشـام تسال والعـراق وفــارس****أمحـا من الارض الخـلافـة مــــاح
واتت لك الجمع الجـلائـل مـاتـماً****فـقعـدن فـيـه مـقـاعـد الانــواح
وحرك هذا الأمر الجلل مشاعر المسلمين، فأخذت الأمة تحارب هذا الإستعمار، وتعمل على قلعه من بلاد المسلمين وخاصة من القدس والمسجد الأقصى المبارك، ونبه مشاعر أمة الإسلام إلى القضية المركزية والتي بسببها ضاعت فلسطين وهي قضية الخلافة، فبرزت جماعات عديدة في بلاد المسلمين تعمل لإعادة الإسلام وكان منها جماعة خرجت من قلب فلسطين ومن المسجد الأقصى المبارك بالتحديد تعمل لإعادة الدولة الإسلامية عن طريق إعادة الحكم بما أنزل الله؛وهي حزب التحرير.
ولا ننسى كذلك أن قضية فلسطين قد حركت مشاعر الأمة من جديد في هذه الثورات العارمة في البلاد العربية، فكان من ضمن الأسباب الرئيسية لهذه الثورات سكوت الحكام عن قضايا الأمة وخاصة قضية فلسطين والعراق، وسكوتهم واشتراكهم بمعاهدات الخيانة وإقامة العلاقات وفتح السفارات في البلاد العربية؛ وأكبر دليل على ذلك هو المسيرات التي جابت شوارع القاهرة تطالب بقطع العلاقات مع كيان يهود، والحصار الذي حصل للسفارة اليهودية بتاريخ 20-8-2011، ومن ثم إغلاقها وهرب السفير وبعثته الدبلوماسية، وأيضا ما جرى من اقتحام آلاف المتظاهرين للحدود مع اليهود في منطقة الجولان في 15-5-2011، ومناداة المتظاهرين في شوارع المدن الكبرى في الشام بفتح باب الجهاد لتحرير الجولان، ونعت بشار الأسد وعائلته بالخيانة وتسليم الجولان والتآمر مع اليهود، وما جرى كذلك في عمان في السنة الماضية 15 -9-2011 عندما دعت الأحزاب في الأردن إلى مسيرة مليونية إلى السفارة "الإسرائيلية" في منطقة عبدون، مما أضطر اليهود لإغلاقها في ذلك التاريخ وإخلائها خوفا من حصول ما حصل في القاهرة.
وسوف تبقى هذه القضية محرّكا للمسلمين حتى يتم إسقاط الأنظمة العميلة في العالم الإسلامي، لإعادة الحكم بما أنزل الله، ليكون لها دور آخر بعد الخلافة إلا وهو وحدة الأمة الإسلامية على تحريرها في معركة فاصلة فتجمع كل المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، وتكون عوناً لمن يحمل راية الخلافة في ثباتها واستمراريتها وتوحيد الأمة تحت راية الجهاد، حتى إذا تحررت فلسطين اجتمعت جيوش الإسلام في ساحات المسجد الأقصى المبارك وما حوله من أرض فلسطين وقد تحررت كاملا، ليعلن خليفة المسلمين أن فلسطين هي عقر الخلافة كما بشر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور والعظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك" رواه احمد في مسنده، وذكر ابن عساكر في تاريخه حديثا مرفوعا عن النبي عليه السلام قال:"هَذَا الأَمْرُ كَائِنٌ بَعْدِي بِالْمَدِينَةِ ، ثُمَّ بِالشَّامِ ، ثُمَّ بِالْجَزِيرَةِ، ثُمَّ بِالْعِرَاقِ، ثُمَّ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَإِذَا كَانَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَثَمَّ عُقْرُ دَارِهَا ، وَلَنْ يُخْرِجَهَا قَوْمٌ فَتَعُودَ إِلَيْهِمْ أَبَدًا" والمدينة الثانية المذكورة في لحديثكما ذكرها اغلب من فسر هذا الحديث؛ هي القسطنطينية نسبة الى حديث المصطفى عليه السلام " اي المدينتين تفتح اولا يا رسول الله....."الحديث...، ولتنطلق الجيوش الإسلامية مرة أخرى إلى كل أرجاء الأرض ليصدق بذلك حديث المصطفى عليه السلام:" ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار و لا يترك الله بيت مدر و لا وبر إلا أدخله الله هذا الدين؛ بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام، و ذلاً يذل به الكفر" سلسلة الأحاديث الصحيحة
نسأل الله تعالى أن يكون ذلك قريبا.
12-5-2012