تشير آخر التقارير إلى أن عدد الرقيق في مختلف أنحاء العالم يصل إلى 30 مليون إنسان تقريبا ينتشرون في مختلف الدول ويتخذ رقهم أشكالا مختلفة ويستخدمون في أداء مهام عديدة. ويأتي الاستغلال الجنسي للعبيد على رأس صور الاستغلال المنتشرة في الولايات المتحدة و"إسرائيل" وهونج كونج، في حين توجد أشكال أخرى لاستغلالهم في الدول الفقيرة وبخاصة الدول الإفريقية وتشمل التشغيل بدون أجر أو البيع للغير، ووفقا لخبراء الأمم المتحدة فإنّ عصابات تجارة الرقيق الأبيض تحقق دخلا شهريا قدره 7000 دولار أمريكي عن كل سيدة أو رجل يتم تشغيلها في الدعارة.
ويشير الخبير الروسي سيرجي كارامايف إلى أنه رغم انتهاء الرق رسميا من العالم فإن الظاهرة تمثل جزءا من نمط الحياة في مختلف دول العالم وإن تفاوتت درجة ظهورها. وتشير التقارير إلى أن عصابات تجارة الرقيق في العالم تعتمد على خطف الأطفال وبخاصة في مناطق الصراع ثم نقلهم إلى أماكن استغلالهم في أي دولة، وهناك أيضا عصابات تتولى شراء الأطفال من عائلاتهم الفقيرة وبخاصة في القارة الإفريقية ودول آسيا الفقيرة ثم تنقلهم إلى أوروبا والولايات المتحدة لاستغلالهم في مختلف الأغراض.
أما الشكل الثالث لأشكال استقطاب الرقيق فيتمثل في الخداع من خلال العصابات التي تخدع الشباب وبخاصة من النساء بعقود للعمل في أوروبا والولايات المتحدة حيث يتم إجبارهن على العمل في الدعارة بعد خروجهن من بلادهن.
ومؤخراً نقلت وكالة معا الإخبارية خبر وصول مجموعة من النسوة يوم الأربعاء 20-7-2011 يحملن جنسية غواتيمالا الى نقطة العبور بين الضفة الغربية والاردن المعرفة باسم "جسر اللنبي" الأمر الذي أثار الشبهة بأنّ الامر يتعلق بالاتجار بالبشر.
وللوقوف على هذه الظاهرة لا بد من ملاحظة التالي:
1- أنّ الرأسمالية وحضارة الغرب إنما تقوم في أساسها على القيمة المادية والربح والخسارة، وهذه القيمة تطغى في مبدئهم على كل القيم والأخلاق، فمن أجل الربح يقدم الرأسمالي على أي عمل، سواء أكان تجارة المخدرات أو الجنس أو الرقيق أو الأسلحة، أو غير ذلك من السلوكيات التي باتت مألوفة في المجتمعات الرأسمالية، بل وأصبحت مشروعة ومقننة لديهم، فدور البغاء واستغلال النساء باتت معلما من معالم الحضارة الرأسمالية، وتعاطي المخدرات أمر مشروع في الكثير من دول الغرب، وتجارة الأسلحة مباحة في أكثر الدول، وتجارة البشر ما أزدهرت لولا التسهيلات التي تقدمها الحكومات لذلك، وليس عنا ببعيد ما قام به ساركوزي عام 2007 حينما تدخل لانقاذ 17 أوروبيا تسعة منهم فرنسيون، من الذين ضبطتهم تشاد وهم يحاولون خطف 103 طفلا من شرقي تشاد ودارفور لتهريبهم إلى فرنسا.
2- وكذلك فإن خلو المجتمع الرأسمالي من القيم الرفيعة ومن مظاهر العفة والطهارة بات أمراً مسهلا لوقوع النساء والمراهقات في حبال تجار الجنس والدعارة خاصة في ظل الحاجة إلى المال، طالما أن ثقافتهم لا تعتبر ذلك عارا أو منقصة، بل تعتبره حرية ومظهرا من مظاهر التمدن، فقد كشفت دراسة قام بها مركز دراسات برلين مؤخرا أنّ واحدا من بين كل ثلاثة طلاب جامعيين في العاصمة الألمانية، يفكر في ممارسة أعمال جنسية كوسيلة لتمويل تعليمه، وكذلك هو الأمر تقريبا في العاصمة الفرنسية باريس.
بل ووصل الأمر بمفكري الرأسمالية ومؤسسيها أن اعتبروا أن السلعة الاقتصادية هي كل ما يُرغب فيه، بمعزل عن أضرارها أو محاذيرها أو أي اعتبارات أخرى من قيم وأخلاق ومُثُل، فالسلعة عندهم تدخل الحياة الاقتصادية إن كان هناك من يرغب فيها!!.
3- هذا بالإضافة إلى أنّ الحضارة الرأسمالية شجعت المرأة على العمل في المهن التي تستغل فيها أنوثتها وروجت لها وجعلت منها فناً وتمدناً، كالرقص والغناء والخدمة في الطائرات والمطاعم والمحلات التجارية وعروض الأزياء، ففي الأسبوع الأخير تناقلت وسائل الإعلام خبر إقدام محل تجاري في ميلانو بإيطاليا على استخدام نساء ورجال في عرض الثياب الداخلية وثياب البحر (البكيني) وهم يرتدونها خلف النوافذ الزجاجية للمحل.
لذلك كله ولغيره من النقاط التي يطول ذكرها فإنّ تجارة البشر والجنس إنما هي مولود طبيعي وشرعي لحضارة الرأسمالية، وهي ليست سلوكا شاذا أو طارئا على حضارتهم، والحقيقة أنّ الرأسمالية هي عدوة للإنسانية.
وهذا بخلاف الإسلام الذي حافظ على البشرية وكرم الإنسان، وحرم استغلال الأُجراء وعوز الفقراء، فعن أبي هريرة مرفوعا: قال الله تعالى: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) رواه مسلم.
وحافظ الإسلام على عفة المرأة وطهارتها، بل وأحاطها بجدار من الأحكام ضمنت لها حياة العفة والطهارة. فالإسلام حرم الزنا وجعل اقترافه أو أي من مقدماته مدعاة لغضب الله وللعقوبة في الدنيا.
وكذلك حرم الإسلام أي عمل للمرأة يُستغل فيه انوثتها، فعن رافع بن رفاعة قال: (نهانا صلى الله عليه وسلم عن كسب الأَمَة إلا ما عملت بيديها. وقال: هكذا بأصابعه نحو الخبز والغزل والنَّفش) أخرجه أحمد.
ومن حرص الإسلام على المرأة لتجنيبها الفتن وشعثاء الطرق، حرم عليها السفر ولو إلى الحج بدون محرم يكون معها، فيحفظها ويكون لها سترا وعونا على مشاق الحياة والسفر، فعن ابن عباس أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال: فانطلق فحج مع امرأتك) أخرجه مسلم.
وكذلك لم يشأ الإسلام أن يترك المرأة ضعيفة تأخذها الأمواج إلى حيث شاءت، مستغلة حاجتها حينا وضعفها أحيانا أخرى، فجعل لها وليا يصونها ويعينها في اتخاذ القرارات الحكيمة بعيدا عن الأهواء والعاطفة، حتى في الزواج، فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيّما امرأة نكحت بغير أذن وليّها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) أخرجه الحاكم.
إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية الكثيرة التي شرعها الإسلام للحفاظ على المرأة ولصون المجتمع من الرذيلة والانحطاط، كستر العورة، وحرمة الاختلاط إلا لحاجة أقرها الشرع، وحرمة الخلوة، ووجوب غض البصر وحرمة التبرج.
وعلى صعيد آخر فقد عمل الإسلام على إثراء القيمة الخلقية والإنسانية والروحية في المجتمع وجعلها تطغى على القيمة المادية التي لا ترى الحضارة الرأسمالية غيرها. وهو ما من شأنه أن يصون الحياة الاجتماعية والمجتمع الإسلامي من كل مظاهر الابتذال والانحطاط والاستغلال.
فأوجب الإسلام إغاثة الملهوف وإعانة المحتاج، ورغب في الصدقة وكفالة اليتيم، وجعل أكمل الناس إيمانا أحسنهم خلقا.
فحري بجمعيات النساء العاملة في بلاد المسلمين والممولة من الغرب من أجل نشر ثقافة الحرية والديقراطية والرأسمالية أن تدرك هذه الحقيقة وتعلم إلى ماذا تدعو النساء المسلمات وإلى أين تأخذ بمجتمعاتنا من حيث تدري أو لا تدري.