جمعة الخلافة
بقلم أمجد المقدسي
لقد ميز الله أياماً عن أيام وشهوراً عن شهور، فخص ليلة القدر عن غيرها من الليالي، وخص صيام يومي الاثنين والخميس عن غيرهما من الأيام، وعظم العبادة في العشر الأوائل من ذي الحجة على الأوائل من غيره، وخص الصيام في رمضان عن غيره من الشهور، ولقد كان ليوم الجمعة وصلاة الجمعة في الإسلام منزلة عظيمة، فيوم الجمعة من أفضل الأيام وهو خير يوم طلعت فيه الشمس، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي فيسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه إياه، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما لم تُغش الكبائر.
لقد كان للمسجد في الإسلام شأن عظيم ومنزلة رفيعة، فلم يكن المسجد بالنسبة للمسلمين الأوائل مجرد مكان للصلاة، بل كان مركزاً ومنطلقاً لكل أمر في حياتهم، فحلقات العلم كانت تشهدها ساحاته وأفنيته، ولقد كانت ألوية الجيوش تعقد في المساجد، وكانت جحافل الجنود تنطلق من المساجد لفتح البلدان ونشر عدل الإسلام وإليه ترجع، ولما أدرك الكفار دور المساجد في إحياء هذه الأمة وإنهاضها مما هي فيه والخطر الأكيد الذي يهدد نفوذهم عملوا ومن خلال رويبضات هذا الزمان على فصل الأمة عن مساجدها، بحيث يقتصر دور المسجد على الصلوات الخمس ثم يغلق بعد أداء كل صلاة، لا بل يلاحق ويراقب من يكرر الصلاة في المسجد، وأعطي رواد المساجد في بعض البلاد الإسلامية هويات ممغنطة تلزمهم بالمسجد الذي يصلون فيه، ومنعت الندوات والمحاضرات والدروس في المساجد، وكممت الأفواه وأصبحت الخطب والدروس والمنابر حكراً للناطقين باسم الأنظمة، وأصبحت حناجر الخطباء أبواقاً تروج لما تريده الأنظمة، والويل كل الويل لمن يجرؤ أن يصدع بكلمة حق وإن كان في المسجد، فزبانية الأنظمة موجودة ومستعدة للانقضاض على فريستها في أسرع وقت، فعزلت المساجد عن حياة الناس وسعى الظلمة في خرابها وتناسوا قول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾.
إلا أنه وبالرغم من مكر هؤلاء الطغاة وظلمهم وجبروتهم ومحاولاتهم المستمرة في إبعاد الناس عن دينهم ومساجدهم، فقد جعل الله مكرهم في نحورهم، فها نحن نرى جحافل التغيير في بلاد المسلمين تنطلق من المساجد وبعد صلاة الجمعة، وارتبطت أسماء الدعوات بيوم الجمعة، فأصبحنا نسمع عن جمعة الغضب وجمعة الرحيل وجمعة الشهداء وجمعة الخلاص وغيرها من المسميات ما يؤكد تمسك هذه الأمة بدينها وعقيدتها وإسلامها، وما يؤكد مدى ارتباطها بجذورها الإسلامية، على عكس ما يصور الإعلام؛ الإعلام الذي يصور الأمة أنها تلهث وراء الديمقراطية العفنة والأفكار الغربية المقيتة، ويتجاهل بل ويطمس كل ما يشير إلى تطلع الأمة نحو إسلامها.
إنه لأمر مثلج للصدر وباعث على الأمل أن تكون دعوات المسلمين للتغيير مرتبطة بيوم مبارك هو يوم الجمعة، ومنطلقة من أحب بقاع الأرض إلى الله وهي المساجد، وإن ما يزيد الأمر أملاً وسعادة وبشرى أن تتوحد الدعوات في بلاد المسلمين جميعها، فيدعوا المسلمون جميعاً في مصر وتونس وليبيا وسوريا وأوزباكستان وطاجكستان وغيرها من بلاد المسلمين عرباً وعجماً شرقها وغربها شمالها وجنوبها إلى جمعة تحكيم شرع الله .. جمعة الخلافة .. جمعة توحيد المسلمين ..جمعة نبذ الوطنيات والقوميات .. جمعة تحرير فلسطين تنطلق فيها جموع المسلمين من بيوت الله مطمئنة بوعده الذي وعد ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ ومستبشرة ببشرى رسول الله «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ«، فيكرمهم ربهم بنصره ويؤيدهم بجند من عنده فتقام دولته ويحكم شرعه ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾
2/4/2011