لا شك أن وثائق الجزيرة كشفت للعامة الكثير من المعلومات، خصوصاً لمن كان يحسن الظن ببعض رجال السلطة، مع أن الذين يحسنون الظن بالسلطة في تناقص مستمر. وأياً كانت الأسباب فإنه لا يزال هناك من لم يعتبر، بل تعميه الدولارات عن الفهم والسمع والنظر، وما يدمي القلب أن يصبح الناس مرتزقةً ضد أنفسهم.
ليس غريباً أن يهب رموز السلطة المستفيدين من مشروعها هبة رجل واحد ضد هذه التقارير، بل يخرج بعضهم عن كل الأعراف ويتكلم بلغة أكبر من حجمه آلاف المرات، ذلك أنهم يدافعون عن وجودهم، فالسلطة بالنسبة لهم مشروع تجاري لا مثيل له، ونظرة بسيطة إلى أحوال هؤلاء تكفي للدلالة على حجم المشروع السلطوي هذا. وكل فرد يعيش في فلسطين لديه من المعلومات ما يكفي لكي يوقن أن السلطة مشروع تجاري وضيع.
ولكن الغريب أن نجد من يدافع عن هؤلاء السماسرة الذين يتاجرون بمقدساتنا ولم يعودوا يستترون من صنيعهم كما كانوا من قبل. نعم لقد كانوا يحجبون خياناتهم - إلى حد ما- عن العامة قدر الإمكان، أما هذه المرة فهم مطمئنون إلى نتيجة صنيعهم المقيت، وكأنهم قد أكملوا صناعة مرتزقةٍ لهم من أبنائنا، وهذه هي الطامة الكبرى. نعم لقد شاهدنا وسمعنا تبريرات مقيتة، وأقلاماً مأجورة، ورعاعاً يخرجون في رام الله يتظاهرون ضد قناة الجزيرة ومناصرةً للسلطة ومنظمة "التحرير". وأنا لست من المدافعين عن قناة الجزيرة بل من المستهجنين لمناصرة السلطة، فعلام يناصرونها ؟؟؟
يناصرون السلطة على أنها استطاعت أن تجعل من أبنائنا حراساً لأمن يهود المحتلين، ولأهلهم معادين، ولزمرةٍ من السماسرة منقادين. يناصرون السلطة التي لم تدع نوعاً من الضرائب والأتاوات إلا فرضته على الناس بغية إرهاقهم ودفعهم إلى الهجرة خصوصاً الشباب منهم. يناصرون السلطة على أنها لم تدع باباً للرذيلة والفساد إلا وفتحته، ولم تدع باباً للخير إلا وأغلقته. يناصرون السلطة التي أزكم فسادها الأنوف حتى كتب عنها الأمريكان أنها سادس سلطة فاسدة على مستوى العالم.
أما الأغرب من ذلك كله فهو تواطؤ مستويات عدة من الناس على السكوت عن جرائم السلطة إلا من رحم الله، ألا يعلم الناس أن مشاركة أبنائهم في أجهزة السلطة التي تظلم الناس صباح مساء جريمة بل خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين؟ ألا يعلم الآباء أن أبناءهم في "الأجهزة الأمنية" يعذبون الناس خدمةً ليهود وحماية لرموز الخيانة في السلطة؟ بل إننا نجد من يتفاخر بأن ابنه ضابط في جهاز كذا أو جهاز كذا، وهو يعلم حقيقة ما يصنع. ألا يعلم زعماء الفصائل والتنظيمات ما تصنع السلطة وماذا يطبخ سماسرتها على نار جهنم؟
لقد أصبحت الفصائل والتنظيمات بمثابة شهود الزور، لا يلتفتون إلا للفتات الذي يلقى إليهم من السلطة ومموّليها، إنهم يدفنون رؤوسهم في الرمال فهل يشفع لهم ذلك؟ وسواء كانت الفصائل ممن ينتسبون إلى ما يسمى "منظمة التحرير" أو من هم خارج تلك الهيئة، فإنهم جميعاً يعلمون تلك الخيانات، بل ويعلمون ما هو أكثر من ذلك بكثير، ولكنهم لحاجة في نفس يعقوب يصمتون، وخلف دعاةٍ على أبواب جهنم يسيرون. فإلى متى تصمتون؟
لماذا هذا السكوت المهين الذي يجلب عذاب الله في الدنيا قبل الآخرة؟؟؟ هل تم استبدال الدولارات بالقيم ؟ هل أصبح الصراف الآلي صنما يعبد من دون الله في القرن الواحد والعشرين؟؟ هل وصل الهوان إلى هذا الحد الرهيب؟؟؟ إنها إذن الفتنة التي حذرنا الله منها ونسأل الله ألا تكون الفتنة التي لا تصيب العصاة الظالمين وحدهم، بل تعم الجميع، وقد تبدأ بالصالح كما جاء في الحديث المشهور عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يروي فيه كيف أن الله أرسل ملَكا ليعذب أمة من الأمم، وعندما سأل الله أن في القوم العبد الصالح فلان أجابه المولى عز وجل: به فابدأ فإنه كان لا يغضب لمحارم الله.
وختاماً نذكركم بكلام الله العزيز الجبار في سورة الأنفال (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب).