د.محمود محمد
 
كشف المؤرخ (الإسرائيلي) بيني موري في كتابه الجديد"1948 - تاريخ الحرب العربية الإسرائيلية الأولى" عن وثائق تؤكد أن مندوبين في الأمم المتحدة حصلوا على رشاوى من اجل التصويت إلى جانب قرار التقسيم في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 1947. وأضاف بأن ما اعتبر حتى الآن أنه صراع جغرافي بين مجموعتين قوميتين، هو صراع سياسي ذو طابع عسكري، ويجب أن ينظر إليه على انه حرب جهاد.
 
وذكر بيني موري في مقابلة مع صحيفة "يديعوت احرونوت" أن الأهم في حرب (عام 1948) بالنسبة للعرب هو عنصر الكفار الذين سيطروا على ارض إسلامية مقدسة، ويجب اقتلاعهم منها. وأضاف: ... على سبيل المثال إنه لن يكون هناك صلح بين حماس و(إسرائيل)، قد تحصل تسويات تكتيكية، ولكنها ليست أساسية، فهم لن يتقبلونا، لأن الأرض بالنسبة لهم إسلامية، وأن الله أمرهم بتدميرنا، وهذا ما يتوجب عليهم فعله.
 
وردا على سؤال حول اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن، قال بأن هناك سلاما باردا، العالم العربي لم يتعايش مع هذا السلام، ولا مع وجود (إسرائيل)، والعنصر الديني في الصراع يتصاعد مع مرور السنوات، وهو قائم أيضا لدى جماهير واسعة من الجانب اليهودي.
وبحسبه فان الجرائم التي ارتكبها الجنود (الإسرائيليون) عام 48 تفوق تلك التي ارتكبت في حروب أخرى...لكل شعب هناك نقاط سوداء في تاريخه، والأعمال الظلامية التي وقعت في هذه الحرب هي نقطة سوداء في تاريخنا يجب استخلاص العبر منها.
 
ويختتم الكتاب بقوله: كان هناك انتصار في العام 48، ولكن ذلك لا يضمن بقاء دولة (إسرائيل). فقيام الدولة في العام 48 أثار ردود فعل رافضة في وسط العرب وغريزة شديدة للانتقام. العالم العربي يرفض تقبل وجودنا. وحتى لو تم التوقيع على اتفاقيات سلام، فان رجل الشارع والمثقف والجندي يرفضون الاعتراف (بإسرائيل). وإذا لم يكن هناك حل سلمي بين الشعبين، فان النهاية ستكون مأساوية لواحد منهما. ويخلص في نهاية المقابلة إلى القول انّه من الصعب أن تكون لديه أسباب للتفاؤل بشأن احتمالات (إسرائيل)، حيث إن العالم العربي، وبمساندة العالم الإسلامي، يزداد قوة ومن الممكن أن يكون لديهم سلاح نووي. كما انه لا يوجد في الأفق ما يشير إلى احتمال التوصل إلى تسوية في السنوات الخمسين القادمة.
 
نعم، هذه شهادة يهودي، وإن كانت ليست الأولى في هذا السياق، والتي تدل على أن يهود ينظرون إلى المستقبل بعيون قلقة على دولتهم المسخ، وهم غير قادرين على القول: المستقبل لنا، وستبقى دولتنا ما بقيت السماوات والأرض. بل تجدهم قلقين مما ينتظرهم، ويستجدون من الدول الكبرى أن تبقى إلى صفهم لتدعم وجودهم، فهم في خوف رهيب على بقاء دولتهم.
والملفت للنظر في كتاب المؤرخ هذا عدة قضايا عرّج عليها، فبالرغم من كرهه للمسلمين وحقده عليهم، وإشفاقه مما ستؤول إليه دولته، إلا أن ذلك لم يمنعه من طرح هذه القضايا بشيء من التجرد والمصداقية، التي لا تجدها عند حكام العرب ولا عند السلطة الفلسطينية، والتي طالما مورست حولها عمليات التضليل الفكري والإعلامي، ومن هذه القضايا:
 
1 – إن ما يسمى بدولة (إسرائيل) هو مولود مشبوه وغير شرعي، خرج من رحم فاجرة، ولم يكن بوسعه إلا تقديم الرشا للدول الكبرى من أجل التصويت على إجراء عملية ميلاد قيصرية يخرج بها هذا المولود ليرى النور بحبل من الناس، بعد أن ترك حبل الله وحارب الله جهاراً نهاراً.
 
2 - إن هيئة الأمم المتحدة هي أداة طيعة بيد الدول المتنفذة وعلى رأسها أمريكا، الدولة الأولى في العالم، وهي ليست أداة من أجل نشر السلام وتحقيق العدل، بل هي أبعد ما تكون عن ذلك. هي أداة لنشر الظلم والقتل والكيل بمكيالين، ويجب على عقلاء العالم أن يأتوا على بنيانها من أسسه، فيجعلوها أثراً بعد عين، ويقيموا بدلها منظمة تحقق العدل الحقيقي بين بني البشر.
فماذا ننتظر من منظمة تتخذ القرارات لا على أساس العدل، بل على أساس الرشا ومصالح الدول الكبرى، التي لا يهمها شيء سوى مصالحها. حقاً إن سرج العدالة مال فوق حصانها.
 
3 – إن الصراع بيننا وبين يهود هو صراع عقدي، وليس صراعاً على أراضٍ محتلة، يمكن حل المشكل بيننا وبينهم بمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة.
 
إننا نعتقد جازمين، بأن ما يسمى بدولة (إسرائيل) إلى زوال، وأنها ولدت ميتة، من رحم أجرب، رغم ما يبدو عليها من مظاهر الحياة، وأنها إنما ساعة، وستدك سنابك خيل المجاهدين حصون طغيانها، وسنمحوها ونمحو معها كل أشكال الظلم الذي مارسته على المسلمين.
وبما أننا نعتقد بأن ما يسمى بدولة (إسرائيل) إلى زوال، فإننا نعتقد أيضاً بأن السلطة بجناحيها إلى زوال، وأخص بالذكر سلطة رام الله التي أثبتت بكل جدارة أنها ذراع أمنية ليهود، فإذا ما زالت (إسرائيل) قريباً بإذن الله تعالى، فإنها ستجر معها إلى نفس المصير السلطة الخائنة التي ربطت مصيرها بمصير الدولة المسخ.
 
4 – إن هذا المؤرخ يدرك حقائق كثيرة غابت عن بعض أبناء المسلمين وتناساها كل حكام الضرار في العالم الإسلامي، من مثل أن صراعنا معهم عقدي، وأنه لن يكون سلام بيننا وبين يهود، وأن السلام الموهوم الذي عقدته بعض الدويلات العربية ظل حبراً على ورق، وسلاماً بين الحكومات تلفظه الشعوب ولا ترضى به أبداً. وأن أرض فلسطين أرض إسلامية، وننحن لن نفرط بها، وسنسترجعها ولو بعد حين. وليعلم الجميع أنها ملك لكل المسلمين في شتى أصقاع المعمورة وليست ملكاً لأحد، ولا يحق لأحد أن يفاوض أو يقامر بها أيّا كان، ومن يفعل ذلك فسيكون مصيره مصير أبي رغال وغيره.
 
5 – هو كمؤرخ يقر حقيقة تقتيل اليهود للمسلمين بوحشية، حتى أنهم قتلوا من أعطوهم الهوية (الإسرائيلية)! في مذابح بشعة يندى لها الجبين. ومع ذلك ظل الحكام في غيهم سادرين، ولا يريدون معهم إلا السلام ولن يقبلوا به بديلاً، حتى لو لم يحقق حمله الكاذب أي نتيجة تذكر، فهم قد ربطوا مصيرهم بمصير أحفاد القردة والخنازير فسحقاً لهم وسيكون مصيرهم مصير دولة (إسرائيل) التي بات أبناؤها يقرون بأنها إلى زوال ولا يستطيعون أن يقدموا أي حل يكون طوق نجاة لهم من مصير محتوم.
فإلى حرق كل الزعامات التي ربطت مصيرها بمصير يهود، وإلى قطع كل الألسنة التي تنادي بالسلام، وإلى العمل على اجتثاث هذا النبت الخبيث، وقتل المولود غير الشرعي، وإعادة فلسطين إلى حظيرة الإسلام، ندعوكم أيها المسلمون، واعلموا أن ذلك كائن لا محالة، وأنه لا بد له من دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ليسعد بها الناس ونسعد في ظلها.
هلموا بنا إلى خير العمل. 
   
29/05/2010م