نقلا عن المكتب الإعلامي لحزب التحرير((الخليفة محمد الفاتـح - ج1- صاحب الأفكار وفاتح القسطنطينية))
التفاصيل
بسم الله الرحمن الرحيم
الخليفة محمد الفاتـح - ج1- صاحب الأفكار وفاتح القسطنطينية
الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله عليه أفضل صلاة وأتم تسليم
مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير نحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى:{ الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }، عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكْتُبُ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بَلْ مَدِينَةُ هِرَقْلَ أَوَّلًا". رواه الدارمي، ومدينة هرقل هي القسطنطينية، فما تنبأ به صلوات الهُ وسلامه عليه قد تحقق على يدي السلطان الفاتح وحديثنا اليوم سيكون عن ذاك الأمير الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ" رواه أحمد.
نعم إنه بحق نعم الأمير الخليفة السلطان محمد الفاتـح - صاحب الأفكار وفاتح القسطنطينية، فقد اجتهد العديد من قادة المسلمين في محاولات متكررة لفتح القسطنطينية، ليحوزوا بذلك شرف ثناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الفاتحين، وكانت أول محاولة لهم قد جرت في زمن معاوية بن أبي سفيان سنة 44هـ، وكان أبو أيوب الأنصاري الصحابي الجليل (رضي الله عنه) أحد الذين شاركوا في تلك المحاولة، وقد مات (رضي الله عنه) في حصارها وقبره معروف هناك، ويزوره الناس حتى اليوم. لقد تكررت محاولات المسلمين فتح القسطنطينية، فبلغت إحدى عشرة محاولة، حتى مكن الله تعالى السلطان الغازي في سبيل الله محمد الفاتح من ذلك، وتشرف بهذا الفتح العظيم. فمن هو هذا الخليفة الذي حاز شرف ثناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
هو محمد الثاني بن السلطان مراد، لقب بالفاتح، لفتح القسطنطينية، وهو سابع السلاطين الفاتحين من بني عثمان، وكان يلقب بأبي الخيرات، لكثرة أعماله الخيرية.
تولى محمد الفاتح السلطنة بعد وفاة أبيه مراد الثاني في 16 من شهر محرم سنة 855هـ الموافق 18/2/1451م، وكان عمره اثنان وعشرون عاماً. كان والده يعده للحكم من بعده، ويتوسم فيه الخير، لنبوغه وقوة شخصيته، فأدخله مدرسة الأمراء، التي أنشئت لتدريس وتخريج القادة، فبز أقرانه في كثير من العلوم، ثم أرسله والده والياً على مغنيسيا، وأرسل معه أحد العلماء ، هو العالم الجليل أحمد بن إسماعيل الكوراني، وكان عالماً مشهوداً له بالفضيلة التامة، والالتزام بالأحكام الشرعية دون خوف أو محاباة، وكان له من المهابة والوقار ما يجعل السلطان أو الأمير يقبل يده حين يلتقيه، وقد تولى بنفسه إعداد محمد الفاتح، فنشأ مؤمناً ملتزماً أحكام الشريعة، متقيداً بالأوامر والنواهي، معظماً لحرمات الله، يقدر العلماء، ويقدر مسؤوليته التي طوق الله بها عنقه.
فلما آل إليه الحكم بعد وفاة والده، نهض بالمسؤولية، وقام بها خير قيام، فأعاد تنظيم إدارات الدولة، واهتم بالأمور المالية، وضبط النفقات، ومنع كل أشكال البذخ والترف والإسراف، وأولى الجيش جل اهتمامه، فنظمه في كتائب، ووضع سجلات خاصة بالجند وأرزاقهم، وزاد من مرتباتهم، وزود الجيش بأحدث الأسلحة المتوفرة في عصره، واستخدم أحد أعظم صناع المدافع من المجر واسمه "أوربان" فصنع له مدفعاً عملاقاً كانت تجره مئات الثيران لضخامته، كما أمر الجيش بخيرة العلماء والفقهاء، الذين بثهم بين صفوفه لحث الجنود على الجهاد وإلهاب مشاعرهم وحماسهم، كما عمل على تطوير إدارة الولايات، فعزل المقصر أو المتهاون من الولاة وطور البلاط السلطاني، وأحاط نفسه بعدد من الخبراء وأهل التقوى والورع، وافتتح عدداً كبيراً من المدارس، منها ثمان بجوار مسجده المعروف في إسلامبول اليوم، وكان يتفقدها بنفسه أحياناً ويجلس مع الطلاب والمعلمين ويناقشهم، وافتتح المشافي وعيَّن فيها أحدق الأطباء، وكان في كل مشفى جرّاح وصيدلي وجماعة من الخدم والبوابين، وكان يشترط على الطبيب أن يزور مرضاه مرتين على الأقل في اليوم الواحد، ويشترط على الطباخ أن يكون ملماً بالطعام المناسب لكل مريض.
فالسلطان محمد الفاتح لم يكن مجرد قائد حربي لا يعرف إلا القتال والغزو فقط، بل كان له من الإنجازات المدنية والعمرانية الشيء الكثير، فلقد كان شديد الاهتمام بالمدارس والمعاهد العلمية ونشر العلوم في كافة أرجاء الدولة المتسعة، وأنشأ المكتبات الكبيرة ووضع لها نظامًا دقيقًا ينم عن عقلية علمية تسبق زمانها، وكان محبًا للعلماء يحرص على إحضارهم لبلاطه والاستفادة من علومهم وهو مع ذلك مهتم بالشعراء والأدباء والترجمة، وبنى المستشفيات والقصور والمساجد والأسواق الكبيرة، واهتم بتنظيم التجارة والصناعة، وأنشأ نظامًا دقيقًا للإدارة خاصة بالجيش والبحرية، ونظم القضاء وجعله مستقلاً وشدد على حرمة القضاة ونوابهم.
وبدأ في التجهيز لفتح القسطنطينية، ليحقق الحلم الذي يراوده، وليكون هو محل البشارة النبوية، وفي الوقت نفسه يسهل لدولته الفتية الفتوحات في منطقة البلقان، ويجعل بلاده متصلة لا يفصلها عدو يتربص بها.
وبإيجاز فإن محمد الفاتح قد جمع التقوى والصلاح، وحسن سياسة الرعية، فكان إماماً وراعياً للأمة، فاستحق ثناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونال شرف الفتح، فلنعم الأمير ذلك الأمير.
مستمعينا الكرام
سنتوقف اليوم إلى هنا وندعوكم لتنضموا لنا في الحلقة الثانية لنكون مع السلطان محمد الفاتح والإعداد لفتح القسطنطينية، فإلى ذلك الحين أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته