maqal131225

مخطئ من يظن أن التهجير هو مصطلح يتعلق بأهل فلسطين وحسب، ومخطئ كذلك من يظن أن التفريط وضياع ثروات الأمة، الغنية بالثروات، متعلق فقط بالموارد المنهوبة والأموال التي تضح نحو الغرب دون أن يطال شعوبنا التي تعاني البؤس منها طائل.
في التقرير الذي نشرته سي أن أن بالعربية والذي نورد ملخصه في الفقرات التالية، يتضح المعنى وتتجلى تلك الصورة الخطيرة من صور التهجير والتضييع معا، وذلك بتسليط الضوء على هجرة الكفاءات عموما من خلال هجرة الأطباء التي تناولتها الشبكة،
يبدأ التقرير بالحديث عن الاحتجاجات التي فجرها الغضب تجاه المنظومة الصحية في المغرب، حيث يشير إلى أن المغرب يتشارك مع تونس ومصر في أزمة انخفاض معدلات الأطباء، وبالتدقيق، حسب التقرير فإن الأمر لا يتعلق بعدد الأطباء، بل بالقدرة على الحفاظ عليهم، فوفق البيانات تضم الدول الثلاث 300 ألف طبيب، أي بمعدل 19 طبيبا لكل عشرة آلاف نسمة، وهو أعلى من المتوسط العالمي، ولكن السؤال هو كيف ولصالح من تخسر الدول الثلاث كفاءاتها الطبية؟
يذكر التقرير أن أوروبا تعد تاريخيا مقصدا للمهاجرين من المغرب وتونس، حيث يشكل الأطباء من البلدين أكثر من 21 بالمئة من الأطباء العاملين في فرنسا، بينما بدأت مؤخرا أعداد الأطباء المصريين في بريطانيا تتضاعف منذ العام 2019.
حسب التقرير كذلك فإن الإحصاءات تظهر خسارة بريطانيا ل 20 ألف طبيب في عام 2024 لأسباب منها التقاعد، وأن دول الاتحاد الأوروبي مهددة بعجز 600 ألف طبيب في عام 2030، ولمواجهة ذلك اتخذت دول أوروبية إجراءات أحادية وجماعية تستهدف اجتذاب كفاءات طبية من خارج دول الاتحاد، حيث خصص الاتحاد الأوروبي في 2018 مبادرة" ثام" المخصصة إلى المغرب وتونس ومصر وتنفذها منظمة العمل الدولية لتعزيز فرض العمل وتسهيل تنقل العمالة.
المبادرة التي كان من المفترض أن تنتهي في عام 2023 تم تمديدها لعام 2027 بعد أن نجحت في تحقيق أهم أهدافها لاجتذاب وتلقف كفاءات لم يصرف عليها سنتا واحدا، وانطلاقا من مبادرة "ثام" كذلك دشن الاتحاد الأوروبي في 2023 "برنامج شراكات المواهب" لجعل الاتحاد الأوربي أكثر جاذبية للمهارات التي يحتاجها، ومنذ إطلاقها لم ينضم للبرنامج سوى خمس دول على رأسها المغرب وتونس ومصر، وبالتزامن فقد عملت الدول الأوربية على تعديل قوانين الهجرة المحلية حيث سهلت تأشيرات وإقامات الأطباء الأجانب،
ويذكر التقرير بأنه لا توجد بيانات عربية موحدة أو رسمية حول هجرة الأطباء، ولكن تصريحات المسؤولين في مصر وتونس والمغرب تكشف أن عام 2023 وحده شهد هجرة قرابة 9000 طبيب.
ويشير إلى أنه في الدول الثلاث تحركت نقابات الأطباء مع تفاقم الأزمة، ففي المغرب تكرر إضراب الأطباء بعد تجاهل وزارة الصحة لمطالهم بالحوار، وفي تونس جاء الإضراب احتجاجا على ظروف التشغيل، أما في مصر فقد هددت نقابة الأطباء بالتحرك احتجاجا على قانون يتيح حبس الأطباء،
ويذكر التقرير أن آثار التوجهات الحكومية انعكست على معدلات هجرة الأطباء حديثي التخرج، حيث كشف بحث أكاديمي في مصر أن أكثر من 60 بالمئة من خريجي الطب الجدد يهاجرون خلال خمس سنوات من تخرجهم، بينما في تونس أعرب 68 بالمئة من الأطباء تحت السن 28 عن نيتهم للهجرة، وتؤكد أرقام المجلة الأوربية للصحة العامة ان أكثر من 70 بالمئة من طلاب السنة النهائية في كليات الطب بالمغرب يعتزمون الهجرة بعد التخرج.
في نهاية التقرير يتحدث طبيب مصري مقيم في بريطانيا عن أنه يرغب بالرجوع إلى مصر فقط في وضع أنه لا يكون محتاجا لأموال الطب، إذ يصف البحث عن أموال من خلال الطب في مصر بأنه إهدار للعمر والجهد، حيث لم يقابل هناك من يعيش سعيدا بالطب حسب قوله"، انتهى ملخص التقرير.
"إحنا فقراء قوي"، كلمة قالها رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي ذات مرة بالنص ولا زال يكررها بالمضمون، تماما كما هو دأب الأنظمة في تسويق الفقر وأوهام الضعف وترديدها على مسامع الشعوب.
والحقيقة أننا لسنا فقراء، ولا ضعفاء، لا بوصفنا أمة ممتدة تمتلك كل مؤهلات العظمة إن تكاملت مواردها، ولا حتى بوصفنا أقطار رغم تفرقها، فنحن بلاد النيل والخصب، مصر والسودان، ونحن أرض الرافدين وما بين النهرين، ونحن اليمن السعيد، والشام المباركة، وجزيرة العرب، حيث تقبع خزانات الطاقة تحت أقدامنا.
نعم نحن لسنا فقراء، كل ما في الأمر أن ثلة من العملاء تولوا أمرنا فضيعونا، جاؤونا بكل غث، وفرطوا بكل سمين، عندما فرطوا في ديننا الذي هو مصدر عزنا وعصمة أمرنا ومعية ربنا، وفرطوا في وحدتنا التي هي سر قوتنا وتكاملنا، كما فرطوا في ثرواتنا ومواردنا فاسلموها للاستعمار، وفي "الترليونات" من أموالنا التي وضعوها في خزائنه فبنوا بها مصانعه وأنعشوا أسواقه واستحدثوا لديه الوظائف بينما أبناؤنا يعانون البطالة، غير أن أعظم ما فرطوا فيه من الموارد والثروات كانت كفاءاتنا.
المحزن في الأمر أنه وبينما أوروبا العجوز تحاول أن تجدد شبابها بشبابنا، وبينما نحن مرضى وتتعالج هي بأطبائنا، وبينما نعاني التخلف وتزدهر هي بعلمائنا وعمالنا، ونعاني الفقر والبطالة وفي بنوكها ومصانعها تستثمر أموالنا، فإن حكامنا قاتلهم الله، وفوق تفريطهم وفشلهم في تشغيل كل تلك الكفاءات، لا يرون فينا إلا أفواها جائعة تستنزف الاقتصاد، ولا يرون في ذرياتنا إلا انفجارا سكانيا، مع أنهم هم الذين "بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار".


أ. عبد الرحمن اللداوي

13/12/2025