اختتمت يوم الجمعة جولة جديدة من المفاوضات، بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، عُقدت في العاصمة القطرية الدوحة على مدار يومين، وبوساطة مصرية قطرية أمريكية، وأعلنت الدول الثلاث في بيان مشترك أنهم سيواصلون العمل في الأيام المقبلة بشأن تفاصيل تنفيذ مقترح وقف إطلاق النار في القطاع بين حركة حماس و(إسرائيل)، وأن كبار المسؤولين من الدول الثلاث سيجتمعون مرة أخرى في القاهرة قبل نهاية الأسبوع المقبل.
من جانبه قال القيادي في حركة حماس، سامي أبو زهري، في بيان نقلته وكالة الأنباء الألمانية إن "الاحتلال (الإسرائيلي) يواصل عرقلة كل المساعي لإتمام أي اتفاق لوقف إطلاق النار"، واتهم الإدارة الأمريكية "بتبني موقف (إسرائيل) بالكامل" التي تراجعت عن بنود سابقة، مشيراً إلى أن واشنطن تحاول "ردع أي تحركات" في المنطقة ضد (إسرائيل). وتابع "لسنا أمام اتفاق أو مفاوضات حقيقية بل أمام فرض إملاءات" أمريكية، معتبراً أن الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار هو "وهم". وقال مصدر مسؤول في الحركة: "المقترح الأمريكي الذي قدم على أنه مقترح لجسر الهوة بين مواقف الطرفين الفلسطيني و(الإسرائيلي) يتناقض تماماً مع الورقة التي وافق عليها الطرفان والوسطاء في الثاني من تموز/يوليو الماضي، وأعاد تقديم الموقف (الإسرائيلي) الأساسي الذي يصر على استدامة الاحتلال في غزة، ومواصلة امتلاك أدوات الضغط على المقاومة لاستكمال تنفيذ أهداف الحرب".
وما يؤكد كلام أبو زهري في أن ما يجري هو ضغوطات على حركة حماس، ما قاله مكتب رئيس وزراء يهود، السبت في بيان له: "هناك أمل في أن يتيح الضغط الكبير للولايات المتحدة والوسطاء على حماس، لتتراجع عن معارضتها للاقتراح الأمريكي الذي يتضمن عناصر مقبولة لدى (إسرائيل)".
وعلى أرض الواقع لم تتوقف المجازر والعمليات الحربية الوحشية بحق أهلنا في القطاع ولا ليوم واحد، بل يكاد لا يمر يوم بدون مجازر وعشرات الشهداء والجرحى، حتى في ظل انعقاد القمة في الدوحة وما قبلها وما بعدها، ما يؤكد على أن يهود لا يريدون وقف الحرب وأن المفاوضات ليست أكثر من استحقاق فرضه عليهم الأمريكان، يحاولون الهروب منه، في فرصة وجدوها مناسبة لعلها تحميهم من رد إيراني قوي على عملية اغتيال هنية في طهران، ومن رد حزب إيران على عملية اغتيال شكر في لبنان.
فرئيس وزراء يهود يواصل وضع العصي في الدولاب للحيلولة دون التوصل إلى اتفاق، فاشترط عدم الانسحاب من محور فيلادلفيا ومحور نتساريم، وتفتيش العائدين من الجنوب إلى الشمال، وإبعاد عدد كبير من الأسرى الذين سيفرج عنهم عن فلسطين، وحق (إسرائيل) في رفض إطلاق سراح عدد لا يقل عن 100 أسير، وعدم الانسحاب من القطاع، وغيرها من الشروط القديمة والمتجددة والمستحدثة، ليجعل نتنياهو من الاتفاق بمثابة عملية استسلام وتوقيع على شهادة وفاة ودفن لحركة حماس، وإلا فإنه لا ينوي القبول بالاتفاق.
فرئيس وزراء يهود نتنياهو يدرك أن أمريكا في وضع لا يسمح لها بالضغط عليه أو إسقاطه أو المغامرة بمصير كيان يهود في حرب مع المسلمين أياً كانوا، ولذلك هو بات كالطفل المدلل لدى أمريكا؛ فمن جانب هو مطمئن إلى قاعدته الشعبية وائتلافه الحاكم، ودعم اللوبي الصهيوني له، ومن جانب آخر هو مدرك لضعف الإدارة الأمريكية وعدم قدرتها على الضغط عليه أو إسقاطه، ومطمئن إلى أن أمريكا تدرك أن كيان يهود بالنهاية هو ابنها الذي لا تضحي به أو تتركه ليواجه وحده المخاطر الحقيقية التي قد تطرأ عليه في العالم الإسلامي، لذلك هو يصر على ما يريد ولا يأبه بالعواقب التي يخوفونه بها.
ولذلك يواصل نتنياهو الاشتراطات والأعمال التي تصب فيما يريد ويطمح لتحقيقه ولو كان ذلك على حساب رغبة ومصالح الإدارة الأمريكية الديمقراطية التي تصارع الزمن من أجل الفوز بالانتخابات القادمة. فقد كشفت مصادر مطلعة على المفاوضات الماضية أن الأجواء كانت شديدة التوتر، حتى إنه "عندما طرح فريق التفاوض (الإسرائيلي) مطالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الجديدة لتأمين الممرات الاستراتيجية في غزة، فقد رئيس المخابرات المصرية عباس كامل أعصابه، وانفجر غاضباً"، وفق ما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال.
وأمريكا، عدو المسلمين الأصيل، لا تجد بداً من ممارسة المزيد من الضغط على حركة حماس والمجاهدين، ومحاولة إقناعهم بالقبول بشروط نتنياهو مع محاولة تغليفها بأوراق الاتفاق. فالمفاوضات باتت وكأنها باتجاه واحد، وهو إرغام حماس على القبول بكل الشروط، وإقناع يهود بالقبول بشروطهم الملباة ولكن بنسختها المحورة التي يظنون أنها ستقبل بها حركة حماس، وهو ما باتت قيادة حماس تدركه، كما جاء في تصريح القيادي في حركة حماس، سامي أبو زهري، في بداية المقال.
فأمريكا باتت تدفع باتجاه وقف لإطلاق النار وإبرام صفقة تبادل، مع تأجيل كل النقاط التي يثيرها نتنياهو لإفشال الصفقة، لأنها بحاجة إلى تهدئة الملف والحيلولة دون تصعيد الأجواء في المنطقة، على الأقل خلال الأشهر الأربعة القادمة ريثما تنتهي الانتخابات الرئاسية الأمريكية. والمطلوب منه تقديم التنازلات، كل التنازلات، هو حركة حماس والمجاهدون، لأن أمريكا لا تملك أوراقا حقيقية للضغط على نتنياهو حاليا.
وعليه إما أن تقبل حركة حماس بكل الشروط والإملاءات فتكون كمن وقع على شهادة وفاته بنفسه، وإما أن ترفض فيواصل كيان يهود عدوانه وإجرامه بحق أهلنا في قطاع غزة وبحق قيادات الحركة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وحينها ستضطر أمريكا إلى أن تعمل عمل الإطفائية التي تحاول منع امتداد النيران خارج القطاع، بينما تواصل إمداده السخي بكل أشكال القنابل والأسلحة التي تلزمه للقضاء على المجاهدين وحركة حماس.
وهكذا يظهر في كل لحظة وحين، وعند كل حدث ومنعطف، بأن ملة الكفر واحدة، وأن أمريكا هي العدو الأصيل لنا، والأب الراعي لكيان يهود، وأنها تمكنت من خلال حكام المسلمين العملاء من تحييد الأمة وجيوشها، وجعلهم حراسا لعروش الحكام ومصالح الاستعمار، بدل أن يتحركوا لنصرة فلسطين وأهلها، ويستنفروا لوضع حد لإجرام يهود وغطرستهم وعدوانهم. فالحرب على غزة قد أثبتت بما لا يدع مجالا للشك بأن مصيبة الأمة الكبرى إنما هي في حكامها الذين انقسموا بين مناصر ومعين لأمريكا وكيان يهود علينا، وبين وسيط ومخادع للأمة ولأبنائها ولمجاهديها، ومراقب عن كثب أو عن بعد، يعد القتلى ويحصي الخسائر فيذيع بها ويجعجع حولها، أو صامت صمت القبور، فكلهم بلا استثناء هم سبب ما نحن فيه من بلاء وكرب وقتل وجوع، فهم يشاهدون يهود والغرب وأمريكا يفتكون بنا ويقتلون أبناءنا ويهدمون بيوتنا ويسحقون مدننا، ولا يحركون ساكنا لنصرتنا أو إغاثتنا، بل ينتظرون يهود وأمريكا ليفرغوا مما أرادوا ويحققوا مبتغاهم في الأرض المباركة فلسطين!
فحري بكل مسلم غيور، وحر أبيّ، أن يتحرك من فوره ليعمل معنا في حزب التحرير لإسقاط عروش الحكام، وتنصيب خليفة للمسلمين، يوحد الأمة ويحرك جيوشها نحو فلسطين محررا وناصرا، قبل أن تفنى غزة ومجاهدوها!
باهر صالح
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)