فجر يوم الأربعاء، تم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية رحمه الله بأيدي كيان يهود الآثمة، وذلك في العاصمة الإيرانية طهران أثناء وجوده فيها للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.
إن اغتيال هنية رحمه الله قد كان متوقعا بصورة ما، حيث أطلق الكيان تهديدات تكررت منذ بداية الحرب تتعلق باغتيال وقتل قادة حركة حماس. واغتيالاته لقادتها ليست بالأمر الجديد، وقد ارتكب الكيان في سياق حربه على أهل فلسطين وخاصة غزة، كل أنواع الجرائم، وأفظعها. واغتيال هنية، وإن كان من نوع الجرعة الثقيلة، إلا أنه يبقى ضمن السياق الإجرامي للكيان في حربه الاستئصالية على حركة حماس، وعلى غزة، حيث عشرات الآلاف من الشهداء، تلك الحرب التي اتسمت باللؤم الشديد والتي تم فيها اختراق الأسقف والخطوط كافة.
على أن اغتيال هنية وإن كان يدخل في سياق الحرب على غزة، وعلى حركة حماس بوصفه قائدا لها، فإن ظروف الاغتيال التي حملت قدرا كبيرا من الاستفزاز والتحدي والحساسية قد وسعت الأمر إلى نطاق آخر، حيث تم اغتيال هنية كضيف النظام الإيراني في عاصمته، وفي عقر داره، وفي مناسبة مميزة وهي تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، فكانت تلك الضربة أشبه بإعلان الحرب، بما تحمله من عدوان على إيران ومس بهيبتها، وبما يقتضيه ذلك من رد، حيث بات يجري الحديث عن تصعيد في المنطقة كلها.
وإذا أضيف إلى ما سبق عملية اغتيال قائد عسكري في حزب إيران اللبناني؛ فؤاد شكر، في الضاحية الجنوبية لبيروت، فإن تلك الضربات الممتدة من قبل الكيان كانت متعددة الأبعاد، ولا تتعارض فيها الأهداف، بل إن بعضها كان أهدافاً معلنة؛ فأن يكون نتنياهو وكعادته في التخلص من الضغوط المتعلقة بإبرام صفقة وإنهاء الحرب، وخصوصا من قبل الأمريكان هو أمر وارد ومرجح، وذلك بإيجاد الظروف التي تصعب الصفقات وتزيد التوتر والاشتعال في المنطقة بدل التسكين على جبهة غزة، خصوصا إذا كانت نهاية الحرب ستعني الدخول فيما يسمى بـ"اليوم التالي" لغزة، وهو الأمر الذي لا يملك له خطة مقبولة، كما ستعني كذلك أن الأحداث ستنكفئ لتصبح بؤرتها في داخل الكيان نفسه. وهو في سعيه لإشعال الحرائق إنما يقوم بذلك مطمئنا إلى تدخل أمريكا بالحماية من باب أن كيان يهود وأمنه مصلحة عليا للأمريكان، ويضاف إلى ما سبق كذلك سعي نتنياهو في تحصيل نقاط بارزة ليضيفها إلى قائمة ما يزعم أنه "نصر وأهداف للحرب"، إضافة إلى رغبة الكيان في ترميم قوة ردعه التي تهاوت في الأشهر الأخيرة إلى حد بعيد، ليتبجح قادته بأنه لا يوجد مكان لا تطاله أيديهم في الشرق الأوسط كله.
والسؤال المهم هنا، والذي بات يتكرر في الأذهان، وهو سؤال إنكار وليس سؤال استفهام:
لماذا يضرب كيان يهود في عدوانه بكل بطش وشدة بالعادة، بينما لا يجد في الطرف الآخر إلا الأيدي المرتعشة؟! ولماذا تقابل كثرة النفير لديه بكثير من الخنوع والصمت والتثاقل إلى الأرض في بلدان المسلمين وجيوشهم وقواهم؟!
والجواب: إن ما يجري من قبل الكيان من فساد وإجرام في المنطقة بأسرها ليس سره في عنجهية الكيان وغطرسته فقط، ولا في دعم أمريكا له فقط، بل هو يقوم على ثلاثية؛ من كليهما، ومن عمالة الحكام في بلاد المسلمين كافة وجبنهم، والأخيرة هي دافعه الأكبر.
إن القوة لا تنفصل عن إرادة استعمالها، ووجود القوة لا يعني شيئا إن لم توجد الإرادة لاستعمالها، والقوة الموجودة بين أيدي الأنظمة في البلاد الإسلامية رغم ضخامتها لا تخيف الكيان حاليا، لأنه يدرك أنه لا إرادة لتلك الأنظمة ولا نية في استعمالها ضده، ولأنه يدرك أن هذه الأنظمة لا يوجد لديها مشروع لتحرير فلسطين، ولم يوجد يوما، وأنه لا غرض لهذه الأنظمة في امتلاكها للقوة إلا بقاءها، لذلك بات يضرب بكل بطش ووقاحة لاطمئنانه بأنه ليس في الحكام إلا متآمر معه، أو رعديد جبان، وأقصى ما يمكن في الرد عليه هو أن يكون رد المرتعش المتباطئ الذي يسعى، لا للردع الحقيقي أو الفعل الجاد، وإنما لحفظ ماء الوجه لا أكثر، وقد أثقلته الحسابات، وكأن الدول في حالات المواجهة لا تمتلك جيوشها السيناريوهات المسبقة للرد الفوري، أو الردع المفاجئ، أو بنوك الأهداف الجاهزة!
إن الخروج من هذه الحالة التي لم يعد فيها للبلاد الإسلامية كلها حرمة ولا هيبة، ولم يعد فيها أمن من بطش هذا الكيان المتغطرس، إلا بمقدر ما تقدمه الأنظمة من انبطاح وخيانة، صار ضرورة قصوى، وما إجرام الكيان العابر للحدود والعواصم إلا إفراز لتلك الحالة التي أوجدها حكام العار من العملاء.
وإن الفعل الصحيح الذي ينبغي التركيز عليه للخروج من هذه الحالة، وقد أخرج الحكام أنفسهم من حالة الصراع بين الأمة وعدوها اللئيم، وتركوها لقمة سائغة له، يفتك بها كيف يشاء قتلا واغتيالا وإذلالا، ومنعوها من أن تدفع عن نفسها أو تنصر أبناءها كما في فلسطين، أو تستعمل جيوشها الذين هم أبناؤها في المعركة، وأكثر من ذلك عندما أصبحوا حراسا لعدوها منها، بل وسابقوا العدو في خنق كل نفس جهادي وملاحقته، إن الفعل الصحيح إزاء كل ذلك هو أن يخرج هؤلاء الحكام من الحكم عاجلا لا آجلا، وأن يُنتزعوا من السلطة التي تسلطوا بها على رقاب المسلمين انتزاعا، وأن تكون هذه القضية هي موضع الاتفاق وركيزة الأعمال ورأس الأولويات، فالمسألة لم تعد ردا جزئيا باهتا على حوادث الاغتيالات في سلسلة لا تنتهي، كما يجري تناولها في هذه الأيام.
إن عروش هؤلاء الحكام واهنة كبيت العنكبوت، وواهن مثلها كيان يهود كذلك وإن حاول التغطية على وهنه ببطشه، وهو الآن في أضعف حالاته، وقد استنزفته غزة بشدة، واستنزفت معنوياته التي لن يفلح في ترميمها، وإن الفرصة الآن سانحة للأمة للتخلص من هذا الكيان المفسد ومن حكامها معا، إن هي حسمت أمرها وتوكلت على الله فبايعت إمامها وخليفتها، درعها وجنتها، تقاتل من ورائه وتتقي به، ولن تُغلب حينئذ بإذن الله ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ يوسف أبو زر
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)